قبل 15 سنة كانت بلدية القديد الواقعة على بعد 80 كلم من عاصمة ولاية الجلفة تكتسيها رمال الصحراء و استطاعت هذه المنطقة الفلاحية الرعوية ذات المسالك الوعرة من أن تحول كثبانها الرملية إلى حقول خضراء تمتد إلى الأفق بفضل مقاربة تساهمية لمكافحة التصحر. ويواجه سكان هذه المقاطعة و سكان بلديات أخرى وكذا مستثمراتهم خطر التصحر الأتي من الشريط الرملي الذي يمر بالمنخفض الواسع الحاوي للمياه المتدفقة من الزهرز الغربي والزهرز الشرقي الذي يهدد نحو 300 عائلة مقيمة بالضفاف. وتذكر "ساعد حران" وهو فلاح ومربي مواشي بالقديد يقول لصحفيين أفارقة جاؤوا ليكتشفوا الانجاز الذي حققته عائلته بتحديها الكثبان الرملية "في الماضي كانت هذه المنطقة جرداء. لم نكن نرى شيئا حولنا هنا. كنا نتأمل فقط زحف الرمال التي كانت تكتسح أراضينا شيئا فشيئا". وكانت الانطلاقة سنة 1996 عندما قررت عائلة حران بمساعدة تقنيي المحافظة السامية لتنمية السهوب مواجهة هذا العدو اللدود من خلال تثبيت الكثبان الرملية باستعمال النباتات الرعوية التي تفضلها قطعان الأغنام والأبقار و الماعز. و تمكنت العائلة من استصلاح 440 هكتار ضمن 1080 التي تمتلكها في هذه المنطقة بالقرب من واد الحاجية و ذلك بفضل تثبيت الكثبان الرملية و الري عن طريق المياه المتدفقة من الوديان الغنية بالعناصر المغذية المفيدة للتربة. استصلاح أراضي بطرق بسيطة و غير مكلفة وأكد السيد ساعد أن اثر هذه التقنيات سحري. "بعد تثبيت الكثبان الرملية قمنا بغرس 24.000 شجرة زيتون من نوع السيقية أو الشملالية" معربا عن فرحته بالغلة الأخيرة التي حقق من خلالها 17 لتر من الزيت في كل قنطار من الزيتون. وبفضل نظام الري بالمياه المتدفقة من الوديان تتمكن المياه من التغلغل في مساحة 173 هكتار مخصصة لإنتاج الشعير والأعلاف لتغذية 700 معزة تلد 1000 خروفا سنويا. وبالمساعدة التقنية لمهندسي المحافظة العليا لتنمية السهوب حققت عائلة حران المتكونة من أربعة أشقاء مردودا يقدر ب60 قنطار/للهكتار على مساحة 140 هكتار زرعت شعيرا متجاوزة بشكل واسع المعدل الوطني المتمثل في 16 قنطار/الهكتار. وأكد ساعد و هو يتأمل مستثمرته غير البعيدة عن منزله حيث تتمازج ألوان أشجار الأجاص والكرز والجوز والتفاح والرمان أأنه "من خلال توسيع عملية الري باستعمال المياه المتدفقة من الوديان سنقوم بغرس 200 هكتار بأشجار الزيتون و400 هكتار بالقمح والشعير و كذا زراعة البطاطا في خلفية الموسم الجديد". وقال هذا الأب الشاب البالغ من العمر 38 سنة "هذه الأرض ملك لأجدادنا ولا يحق لنا أن نتخلى عنها بل سنستمر في استصلاحها". المياه السطحية: موارد ثمينة بالنسبة للسهوب وأوصى يقول انه "يجب أن نتحلى بالصبر وأن نحب أرضنا لنجني مثل هذه الثمار". و يعد تثمين المياه السطحية اختصاصا يتحكم فيه مهندسو المحافظة العليا لتنمية السهوب الذين يرافقون الفلاحين و مربي المواشي لانجاز منشات صغيرة لتخزين و تحويل المياه المتدفقة من الوديان. ويتم تفريغ أكثر من 723 مليون متر مكعب من الحوض المنحدر لواد ملاح كل سنة في السبخات. وتسمح المنشات الثلاثة للتخزين و التحويل المنجزة في منبع الحوض المنحدر بتعبئة 11 مليون متر مكعب موجهة لسقي نحو 3700 هكتار عن طريق الجاذبية. كما أشار ساعد الذي يعد صاحب مستثمرة مالية بمساحة 1400 هكتار البعيدة بكيلومتر عن نظام تحويل المياه إلى أن "النزوح الريفي قد تفاقم خلال سنوات 1990 و لكن بعد انجاز سد واد ملاح سنة 2000 فضل البعض العودة". وأردف يقول "أننا نزرع هذه الأراضي أبا عن جد وهي تعطينا اليوم مردودا من القمح يصل أحيانا 30 قنطار للهكتار و 40 قنطار للهكتار من الشعير و 200 حزمة من العلف". كلفة الحركة و السكون ... بكلفة زهيدة للمتر المكعب الواحد من الماء لا تتعدى 2 دج (أقل من 03ر0 دولار) فان تقنية السقي عن طريق المياه المتدفقة تضمن إنتاجا من نباتات العلف والحبوب يحقق عائدات لأكثر من 200 عائلة من المزارعين المعتمدين على المساحات المسقية انطلاقا من واد ملاح. و أوضح السيد الأخضر بروري رئيس قسم تربية المواشي بالمحافظة السامية لتنمية السهوب الذي قدم تقييما لأثر هذه التقنية على اقتصاد مربي المواشي أنه "في هذه المساحة المسقية يمكن أن يصل وزن الخروف ذو 4 أشهر إلى غاية 15 كلغ مقابل 10 كلغ بالنسبة للخروف الذي تتم تربيته في المساحات المتدهورة". ويمكن لمربي الماشية أن يحقق ربحا قد يصل إلى غاية 900 دولار/هكتار التي تسقى عن طريق المياه المتدفقة و هي تقنية تسمح في نفس الوقت بتعزيز المياه الجوفية. وحسب الخبراء فان مردود الهكتار الواحد من المساحات المسقية عن طريق هذه التقنية يمكن أن يبلغ إلى غاية 3000 وحدة علفية (الوحدة تساوي 1 كلغ) وهو إنتاج يتطلب 100 هكتار من المساحات المتدهورة. ضريبة ب1000 دج لاستصلاح المساحات المتدهورة بالنظر إلى التدهور الكبير للمناطق السهبية أدرجت السلطات العمومية قانونا يفرض على المربين دفع ضريبة الرعي ب 1000 دج/هكتار في المساحات التابعة لأملاك الدولة. و قد جعلت منطقة رقيقة التابعة لبلدية بويرات لحداب منطقة محمية لمدة ثلاثة سنوات بغرض استصلاح المساحات المخصصة لاستصلاح الأراضي المخصصة لزراعة الحلفاء التي تدهورت كثيرا جراء الرعي المفرط بها. و قد أنعش هذا النمط في التسيير إنتاج نباتات العلف الذي انتقل من 30 إلى 600 وحدة علفية/هكتار أي 908.400 وحدة سنويا مع استحداث 6 مناصب شغل دائمة للحراس الذين يسهرون على احترام القانون. و يوجه ثلثي عائدات هذه المساحات إلى صندوق الجماعات المحلية و الباقي إلى الخزينة العمومية. و تفتح المساحة الممتدة على 1500 هكتار و المزودة بآبار مجهزة بمضخة شمسية و بركة للرعي مرة كل سنتين خلال فصلي الخريف و الربيع. و أكد السيد الأخضر بوخاري رئيس قسم تهئية الرعي بالمحافظة السامية لتنمية السهوب أن هذا التسيير الصارم قد سمح ب "تحسين الغطاء النباتي بنسبة 10 إلى 80 بالمائة و كذا بالمحافظة على التنوع البيئي" مضيفا أن "القنص متوفر بكثرة هنا". للإشارة فان هذه التقنيات الخاصة بالتسيير المستدام للأراضي قد سمحت باستصلاح أكثر من 57.000 هكتار من المساحات المتدهورة في ولاية الجلفة (300 كلم جنوب العاصمة) من بينها 21.000 هكتار تم انجازها بالشراكة مع الفلاحين ومربي المواشي الخواص. و بفضل هذه التجربة الناجحة التي حققت نتائج تستحق الثناء تمكنت الجزائر من استرجاع 3 مليون هكتار من الأراضي من أصل 32 مليون هكتار المهددة بالتصحر على مستوى السهوب من بينها 3ر15 مليون هكتار المصنفة جد متدهورة لأن الهدف يتمثل في استصلاح 7 مليون هكتار على المدى المتوسط. و تعد السهوب مناطق رعوية بالدرجة الأولى حيث يعيش حوالي 18 مليون رأس ماشية و 3 مليون رأس ماعز أي حوالي العدد الإجمالي للماشية في الجزائر.