قادتنا رحلتنا هذه المرة إلى أحد الأحياء الكائنة ببلدية بوعرفة ولاية البليدة، أين ضبطنا موعد مع خالتي زهور ، وصلنا إلى الحي لكن لم نتعرف على بيت العائلة، أرشدنا إليها أجد المحسنين تتبعنا خطاه لكن ملكتنا الدهشة في معرفة البيت الذي تسكنه عائلة خداش، قرع الباب مرشدنا مناديا "خالتي الزهور"، سمعنا خطى متثاقلة تقترب لتزيح الصفيح القزديري المربوط بالأسلاك و الذي يمثل باب البيت، كانت تلك الخالة "زهور" التي أزاحت ذلك الشيء الذي تعتبره بابا يؤمن بيتها، عجوز تفوق 80 سنة قصيرة القامة منحنية الظهر تبدو ملامح التعب ووهن الدنيا التي أتعيت كاهلها. رحبت بنا و طلبت منا الدخول إلى البيت إقتربنا أكثر و اكتشفنا الغرفة التي تعيش بها و التي لا تصلح أن تكون خما للدجاج تنعدم فيها أدنى شروط الحياة الضرورية أما الإمكانيات فغير متاحة كلية، لا تزال تستمل الشموع لتضيء لياليها المظلمة، لا تملك مدفئة تداري بها برد الشتاء القارص الذي تمتازا به أعالي البليدة لا تعلم أين تسير بها الدنيا يظهر ذلك في قولها " كي تلحق عاشوراء نديرلكم طعام بالقديد" تنام عند حلول الظلام و تستيقظ إذا ما طلع النهار، الذي يدخل نوره من خلال السقف الذي يدخل الضوء في صحو الجو وقطرات الماء عند سقوط الأمطار، حتى الماء تطلبه عند الجيران، وجدنا إبنتيها نعيمة البالغة من العمر 25 سنة التي لم تتوقف عن النظر إلينا والابتسامة مرسومة على وجهها البشوش، مختلة عقليا من ولادتها، أما الأخرى فتدعى عائشة ذات 33 ربيعا، بدت جد قلقة من زيارتنا لم تتوقف عن الحركة، سألنا خالتي زهور عن حالتها، تنهدت طويلا و اغرورقت عيناها بالدموع وقالت "هذه قصتها قصة لوكان نخطيهم مايضمنوش حتى الماء" فهي من تقوم على شؤون بناتها بجلب مختلف الأعشاب التي تقوم بتجفيفها و بيعها لبائع الأعشاب، طلبنا منها أن تروي لنا حيثياتها، وبدأت في سرد ألامها التي قادتها للعيش في ذلك المكان منذ سنة 2001 . قالت أنها كانت تعيش في بيت مع أبنائها وسط المدينة، لكن العشرية الحمراء كانت لنا بالمرصاد، أخرجتنا من بيوتنا و أذت أبنائنا، سألنا خالتي الزهور عن البيت القديم ولمن تركته و لماذا هجرته، ردت قائلة تركته لإبني و رحلت هربا من يطش يد الغدر التي أخذت مني حفيدتي" الزهرة"، هربت خوفا من أن تطال يد الإجرام بناتي، تركت كل شيء أملكه و بحثت عن مكان يأويني، كنت أيامها كالدجاجة التي تحمي فلذات كبدها من الغربان، سالت دموع الخالة "زهور" عندما تذكرت تلك الأيام، خطف المجرمون حفيدتها و أوكل بجثتها في شعاب جبال الشريعة، هذا الأمر زعزع كيان العائلة، فقدت الإبنة "عائشة" وأختها "فاطمة" التي تكون ابنة الخالة الزهور صوابهما و أصبحن مرضى عقليا. تنقلت العائلة بأكملها إلى حي دريوش لتلقى معاناة أخرى، وسط تناسي الهيئات المحلية التي لم تتحها أي إعانة تحسن وضعها و تخرجها من الجحور التي تعيش فيها، ناهيك عن التهميش الذي لحق بهم، قادتنا الخالة "زهور" إلى بيت الإبنة"فاطمة" قرعنا الباب، فتحت صاحبة البيت الباب، لكننا لاحظنا أنها لا تنظر إلينا، و علمنا أنها أصيبت بالعمى جراء فقدانها لابنتها "الزهرة"، إضافة بأمراض أخرى، السكري، ضغط الدم، القلب و القائمة طويلة، سألناها عن حالها سكتت برهة ثم قالت "الهم والمشاكل دايرين بيا من كل جهة" طلبنا تفسيرا، فغمرت الدموع عيناها كبتت أنفاسها ثم قالت أنه لم يبق لديها أي شيء فقدت أعز ما لديها ابنتها صحتها، فهمنا من حديثها أن زوجها تركها و لم يسأل عن حالها أو حال أبنائها، تركهم دون إعالة من أحد تبقى هي وأبنائها الخمسة يصارعون صعوبة الدنيا و مشاكلها الجمة التي ساهمت في تحويل حياتهم إلى نقطة استفهام تبهم مصيرها، وسط التجاهل الذي تلقاه في المؤسسات الإدارية التي تقصدها إذا ما أرادت تسوية وضعيتها، في غياب منحة أو دخل يعالج النقائص الجمة التي تتخبط فيها الأم وأبنائها الذين لا حول ولا قوة لهم غادروا مقاعد الدراسة لإهتمام بشؤون العائلة في غياب الأب الذي تنكر لهم . العائلتين تعيشان على هامش هذه الدنيا لا يواجهون مصيرا مجهولا طلبهم الوحيد هو الحصول على بيت لائق يخرجهم من الوهن الذي يعيشون فيه، غادرنا المكان و الذهول يتملكنا متسائليين، هل هناك ناس وصلت درجة صبرهم إلى هذا الحد.