لعلي فقط أستقرأ التاريخ لأعود بالذاكرة إلى الوراء، إلى 05 أكتوبر 1988 لأخذ الوقائع في سياقها التاريخي في تلك الفترة التي كان العالم فيها يعيش مخاضا وعلى المستوى المحلي الداخلي أيضا ليلد ربيعًا عربيًا برائحة جزائرية ليسبق كل هذه الثورات التي عرفها الشارع العربي اليوم. وإني حين أكيّفها بالثورة فإنّي قد ألغي تاريخًا نضاليًا لشعوب مرّغت وجه الاستعمار في التراب لا أن تستنجد بالاستعمار الجديد لإسقاط أنظمتها، ثم إنّ الثورة أكثر دلالة، فلذلك سأسحب- بكل جرأة- من القارئ العربي هذا التكييف وأقول له أنه لا ثورة ولا ربيع عربي ولا هم يحزنون. ولنقف عن التكييف لما حدث, فبعد مدة تتضح الرؤية للمواطن العربي المطحون بالمشاكل والضغوطات والتي جعلت منه لا يعي ماذا حدث ولا يفعل ولا الوسيلة التي يستعملها في التغيير، لماذا أقول هذا؟ لأني لا أعرف ما هو أكتوبر 1988 وما تكييف ما حدث فيه؟ هل هو ثورة الشارع الغاضب يوم ذاك على نظام بيروقراطي متعفن ؟! أم هو ثورة النظام على نفسه؟ أم تحولا طبيعيا في صيرورة الشعب الجزائري ؟! أم صراع أجنحة النظام وقتذاك؟! أسئلة كثيرة تراودني وأسئلة مازالت تبحث عن إجابة... وغيرها كثير... لكن تبقى بلا إجابة على الأقل في سنوات الربع قرن التي مضت من عمر الشعب، وحيث جاء الديمقراطية من الغرب تسعى ذات أكتوبر، و"أُُلف" ما سمي دستور 23 فبراير 1989، ومع ذلك ولدت الديمقراطية عرجاء أو هكذا أراد لها النظام أو الاستعمار المتسّلط أو أطراف أخرى من وراء الستّار أن تولد "مشوّهة" بعد مخاض عسير لتأتي التحولات الدّولية بعد سقوط جدار برلين ليصبح عالمنا بلا حواجز، عالم بلا سيادة دول, عالم بلا شرف ولا عذرية للأنظمة فيه. ربع قرن مضى و عشرية ديمقراطية الدّم مازالت آثارها بادية للعيان في كل الجزائر، لتأتي عشرية مصالحة بلا مصالحة مع الذات ومع هموم المواطن في بلد الثروة والثورة، ولا حل لمشكلة السكن والبطالة ولا لتعفن الإدارة وإرهابها منذ يوم كان ينادي في ثمانينيات القرن الماضي من أجل غد أفضل ولا أفضل، ولعام 2000 عام الشباب فإذا بالشباب في بلدي بلا عمل, ولا سكن ولا زواج, ولا أمل في الأفق إلاّ في هجرة قوارب الموت أو سموم المخدرات أو الموضة الجديدة في الانتحار. شباب يائس في بلد بائس، شباب تقدم له الدولة رشاوى "لونساج" وبرامج تشغيل الشباب من أجل شراء السلم الاجتماعي من سوق نخاسة الأزمات، ومن عقود الإدماج لشباب أراد أن يندمج في مجتمعات أوربية قاطعا لها المسافة في قوارب الموت، نعم كلها حقن مسكّنة ولا حل في أكتوبر 2012، ولا بعده إذا تواصلت سياسة الهروب إلى الأمام في التعاطي مع مشكلة المواطن, بل في كل أكتوبر آت ما لم تعالج المشاكل من جذورها, بل إنّ الأزمة تتفاقم والأموال العامة تهدر وجيل عمره ربع قرن منذ أكتوبر 1988 بلا هدف ولا هوية ولا رائحة، جيل تربى في مدرسة تجارب فأصبح جيلا هلاميًا، وفي إدارة كرّست البيروقراطية أمامه و المحسوبية والرشوة. وفي شارع فيه كل آفات الدنيا، وحكومات نشرت الإحباط ببرامج وهمية فاستفحل اليأس والظلم، وطفا على السطح شراذم أصحاب المال الجدد الوافدون الجدّد من رجال الأعمال في دولة تقتات على الرّيع منذ أكتوبر 1988 وستظل وحكومات "البريكولاج" تتناسل منذ ذلك الوقت, وكلما حلّت حكومة لعنت أختها, وحين يأتي 05 أكتوبر2012 فإنّ من بركاته هذا التكاثر اللاطبيعي للأحزاب السرطانية والتي سمعنا لها جعجعة ولم نر لها طحينا... وكل أكتوبر والجزائر بخير... رغم كيد الكائدين, وسفالة الطامعين... وكثرة فطريات الانتهازيين والملوثين, وسفالة الوصوليين المتسلقين... ورغم الدّاء والأعداء.