الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية محصنة بثقة الشعب    سوناطراك تفتح مسابقة وطنية لتوظيف خريجي الجامعات    اجتماع أكاديميات العلوم الإفريقية: تأكيد على ضرورة إعادة التفكير في سبل التعاون العلمي بين البلدان الإفريقية    نظير جهوده للرقي بالقطاع..الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين يكرم رئيس الجمهورية    لخضر رخروخ : إنشاء المجمع العمومي لبناء السكك الحديدية مكسب كبير    الصيد البحري وتربية المائيات.. فرص استثمار "واعدة"    "سوناطراك" تطلق مسابقة وطنية لتوظيف الجامعيين    ضبط محاور الشراكة بين "سوناطراك" و"أوكيو" العمانية    اللجنة الصحراوية لحقوق الانسان تدين ممارسات العنف ضد المرأة في الأجزاء المحتلة من الصحراء الغربية    مسح 1410 عائلات كاملة..إسرائيل ترتكب 7160 مجزرة في غزة    لبنان : 37 شهيدا وعشرات الجرحى جراء غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة    بعد الجفاف الذي مس العديد من ولايات الوطن.. إقامة صلاة الاستسقاء يوم السبت المقبل    الإطاحة بشبكة إجرامية من 5 أشخاص بوهران    حرائق سنة 2024 مقبولة جدا    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي : حفل تكريمي للفنان الراحل نور الدين سعودي    الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير بتبسة: فيلم "القناع" للمخرج فيصل قادة يفتك المرتبة الأولى    الملتقى الدولي للمهرجان الثقافي للفن المعاصر : منصة للتبادل والتحاور في مواضيع الفن المعاصر    وسيلة حساسة لا بدَّ من حسن استعمالها    "السي أس سي" في تونس دون بلحوسيني وبن ميصابيح    المغرب: وقفة احتجاجية في مواجهة قمع المخزن واستهداف الحريات    البحث عن بداية إفريقية مثالية    معالم في تأسيس الهوية الوطنية    ارتفاع الحصيلة إلى 44235 شهيدا    منتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بالبرتغال : الجزائر تطرد مجرمة الحرب الصهيونية تسيبي ليفني    الكيان الإرهابي يعلن الحرب على أطفال غزّة    ملتقى وطني حول حوادث المرور    الفترة المكية.. دروس وعبر    العدوان الصهيوني على لبنان: الأمم المتحدة تجدد دعوتها لوقف إطلاق نار دائم وفوري لإنهاء خسارة الأرواح والدمار    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الكويتي    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    رابطة الأبطال الإفريقية: تعادل ثمين لمولودية الجزائر أمام تي بي مازمبي في لوبومباشي (0-0)    حوادث الطرقات: وفاة 5 أشخاص وإصابة 66 آخرين بالجزائر العاصمة خلال شهر أكتوبر المنصرم    السيد سعداوي يترأس ندوة وطنية عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد    الجزائر قامت بقفزة نوعية في مجال تطوير مشاريع السكك الحديدية    الفروسية : كأس الاتحادية للمسابقة الوطنية للقفز على الحواجز من 28 إلى 30 نوفمبر بتيبازة    رقمنة القطاع التربوي: التأكيد على "الانجازات الملموسة" التي حققتها الجزائر    الدور الجهوي الغربي الأخير لكأس الجزائر لكرة القدم: جمعية وهران -اتحاد بلعباس في الواجهة    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الاحتفال بالذكرى ال50 لتأسيس الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين    إطلاق الاكتتاب لشراء أسهم أول شركة ناشئة ببورصة الجزائر في الفاتح ديسمبر    شركة جزائرية تبتكر سوار أمان إلكتروني لمرافقة الحجاج والمعتمرين    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    توقيف مُشعوذ إلكتروني    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    رسميا.. رفع المنحة الدراسية لطلبة العلوم الطبية    دروس الدعم "تجارة" تستنزف جيوب العائلات    الرئيس تبون رفع سقف الطموحات عاليا لصالح المواطن    التجريدي تخصّصي والألوان عشقي    العميد يتحدى "الكاف" في اختبار كبير    استذكار أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالعاصمة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية الخوف بداية السقوط
كلام حميم
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 03 - 2011

والخوف هنا ليس إلا من السلطة وإرهابها، كما أن السقوط لن يكون إلا لتلك الدولة المستبدة ورموزها، والحال أن ما حدث بين معركة البوعزيزي في تونس وصولا إلى اعتصامات ميدان التحرير بمصر، وصولا إلى دول عربية آتية في الطريق، لن يصلح له إلا العنوان أعلاه؛ ذلك أن التبصّر في ما حدث وقراءة دواخله ودواعيه وتداعياته، يعني أن زمن البطولات والزعامات الفردية التي حكمت شعوبها بالحديد والنار قد ولّى، وولّى معه كيد المخابرات والمخبرين وبطش الشرطة العسكرية، وأجهزة أمن الدولة، وقد بان الآن أن ما كان يسمى بالدولة العربية في ما مضى من الزمن العربي قد ذهب مع الريح.
*
وأن ما نراه اليوم من انتفاضات ومظاهرت وثورات شعبية، هو إيذان حقيقي بانتهاء تلك الحقب الرصاصية من الخوف الذي عشعش في عقولنا وأفكارنا. وأرهب كبارنا وصغارنا، ونخر الشعوب العربية وأودى بأحلامها، وأوردها موارد الهلاك في أقبية السجون والمنافي القسرية والتشرد والمهانة، نزولا من بروج الكرامة الموعودة إلى قاع الخذلان والهوان، كل ذلك قد ولّى واندثر مع حجافل الخوف الذي كانت تحكم به الشعوب العربية، وتقتاد كالقطيع على مدى عقود طويلة من الزمن، لكن مؤسسة الخوف تلك تبدو اليوم آيلة إلى السقوط والزوال.
*
إن ما حدث في تونس، في مصر، وما يحدث في ليبيا بثوارها المجاهدين الصامدين، وما يحدث في الأردن واليمن والجزائر (منذ أكتوبر 1988)، وبعض العواصم العربية الأخرى، هو أيضا إعلان جديد عن بداية سقوط تلك الأوثان والأصنام العربية التي جثمت على صدورنا وأحلامنا زمنا طويلا، لقد ذهب حقا زمن وجاء آخر دون موعد، ولم نكن نتوقع ذلك بهذه السرعة والكثافة والقوة والإصرار، بعد أن أفلس زمن الكارزمات والبطولات الشخصية، وتهرأت أحزاب الرضاعة التي صنعها النظام العربي حماية لنفسه ولأزلامه، وتهاوت بعد أن ترنّحت تحت إصرار الشباب وإضراباته واعتصاماته كل تلك المؤسسات العربية المغشوشة التي كان ظاهرها، كما يبدو، قويا ومنيعا، لكن ثورة الشباب أثبتت عكس ما كان يبدو للناظرين من الخارج، وما أسرع ما تفتت مستودعات الخوف والقمع العربيين، وقد زلزل غضب الشارع زلزالها.
*
إنه زمن عربي جديد يولد مثل الحقيقة الناصعة يولد في كل الشوارع العربية دون استثناء، ما بين جنازير الدبابات والآلاف المؤلفة من الجيش، وأصوات المظلومين دون خوف أو تراجع، لأن الشعب يريد إسقاط النظام.
*
لقد كان لتزويرالانتخابات ونشر الفساد والرشاوى، وانتهاك حقوق الإنسان ونهب الثروات، وتخدير الشعوب بإعلام الخديعة والأوهام الكاذبة، وصورة زعيم البلاد، وسمعة البلد الوردية في الخارج، وانتصارات الفريق الوطني لكرة القدم، وأخبار الممثلين والممثلات، وفرض القيود على المساجد والصلاة، ومعاقبة أصحاب اللحى، وتكميم الأفواه، وتشتيت وتشريد المعارضين وتعذيب السجناء، كل ذلك كان من ألوان الدكتاتورية التسلطية التي كانت فيها الغلبة لفلسفة القوة، وغياب الرأي الآخر، مما حدا ببروز ثقافة الرفض والمناوءة والمقاومة ثم انتهاء بالمواجهة في الشارع؛ مواجهة تتم عبر أشكال عديدة من الرفض والمطالبة بالتغيير، بعضها مع الشرطة، وبعضها مع العسكر وبعضها الآخر مع أجهزة الإعلام الموالية للنظام، وبعضها الآخر مع رموزه الأخرى البالية في كافة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، وهو ما تجلى بوضوح في إقدام الصحافيين المصريين على طرد نقيبهم، وانخراط الكثيرين من صحافيي الإذاعة والتلفزيون في اعتصامات ميدان التحرير، والحال نفسه دلت عليه أحداث تونس وثورة شبابها، فما أسرع ما انخرط الصحافيون والكتاب والعمال والفلاحون، وبعض رموز النظام السابق في لهيب الثورة والشارع، وهبّ رجال الشرطة وهم المتهمون بتعذيب الشعب إلى ساحة الحبيب بورقيبة للتظاهر والتنديد بقادة الشرطة والداخلية وذابوا في ماء الثورة، وهم ينددون بالنظام السابق. وجرى كثير من رجال الجيش والشرطة وسفراء القذافي في العالم وبعض وزرائه السابقين، وثلة من أصدقائه المقربين، وذابوا في ثورة الشباب ضد الطاغية وأسرته، وتلك هي إحدى سمات ثورة الشارع العربي اليوم، بعد أن ارتجّت كل المؤسسات بفعل الثورة والرغبة في تغيير النظام وسقوط رموزه الحزبية والسياسية. إنه أيضا ذلك الجنوح الشديد نحو تحقيق دولة مدنية لم ير لها العالم العربي من قبل صورة إلا في خيال المفكرين والكتاب والشعراء المستقلين، وهاهم شباب اليوم بكل فئاته ينزع نحو ذلك بكل قوة واقتدار من أجل التغيير، تماما كما حدث في دول أمريكا اللاتينية في مواجهة الأباطرة والدكتاتوريات الظالمة، وفي مواجهة الدروع والأيادي الأمريكية التي تكسرت على نصال تلك الشعوب الحية.
*
هنالك في أمريكا اللاتينية، وغدا في كل بقاع العالم العربي والإسلامي، إن الساحة العربية الآن مرشحة لأن تلعب ذلك الدور الباسل الذي قامت عليه بعض الديمقراطيات الحديثة في البرتغال واسبانيا والأرجنيتين، وفي دول أخرى كثيرة في آسيا، واستطاعت أن تحقق منجزات ديمقراطية ومعجزات اقتصادية، كان الرهان فيها لثورة الشعوب وإرادة البشر في أن يكونوا بشرا حقيقيين لا أنصاف كائنات في مهب الدكتاتوريات التي سقطت في الماء.
*
إن ما يحدث اليوم في العالم العربي قمين بأن يزلزل كل كيانات الستبداد، وأن يحولها إلى مجالات حيوية من الممارسات الديمقراطية التي تضمن حق الإختلاف والإنتخاب والتعبير الحر، بعد قرون من الهيمنة والإستبداد المتوارث على طول تلك الحقب التاريخية من الإنكشاريين إلى الحملات الأوروبية وأزمنة الإستعمار إلى أنظمة وحكومات ما بعد أزمنة الإستقلال العربية، والتي لم تكن في حقيقتها سوى بداية لهيمنة جديدة من الدكتاتوريات العربية المقنعة، وما تلى ذلك من أزمات ونكسات وانكسارت عربية لم تمنعها ريوع النفط ولا الولاءات الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية من غضب الشعب وثورته، إن الزمن العربي القادم لن يتراجع أبدا إلى الوراء، ولن يكون أبدا متخلفا عن ركب الديمقراطية الحقيقية التي يصنعها أطفال "الفيس بوك" و"التويتر" والبناطيل الضيقة في الميادين والشوارع العربية، وستكون هناك الكثير من المفاجآت والنهايات غير السعيدة لأباطرة وحكام عرب ستقذف بهم ثورة الشوارع العربية إلى الهاوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.