من الذي سينشغل بتعديل الدستور بعد ان استقال الشعب من كل ما يتعلق بالسياسة وترك كل شيء للسلطة وللمعارضة، من الذي سيسأل عن تعديل الدستور والشعب منهمك بأزماته المتعددة في السكن والشغل والتضخم وارتفاع أسعار "البطاطا" التي رفضت النزول الى مقام هذا الشعب وعبثت بجيبه ومرغته الى حد كبير، فالشعب منشغل بكل شيء، كل شيء إلا تعديل الدستور. ليس من الغريب في الجزائر أن المعارضة أو جزء كبير منها على الأقل يطالب بإحالة التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي لتشكيكه في شرعية البرلمان، رغم أن الكثير منها لم يشارك في المشاورات، ورغم أن الأحزاب المعارضة إن لم يكن كلها يشكك في نزاهة وشرعية كل المناسبات الانتخابية السابقة، فحتى لو استجابت السلطة لمسألة الاستفتاء في هذه الحالة فلن يفلت الأخير من التشكيك في صحة نسبة المشاركين والمصوتين بنعم للتعديلات، فالسلطة والمعارضة في الجزائر هي مجموعة من المتناقضات، فلا احد يستطيع مثلا تصنيف زعيمة حزب العمال "لويزة حنون" لتناقضاتها الكبيرة في قصف وزارء في الحكومة دون الحديث عمن عين هؤلاء، ناهيك عن انشغالها بمهاجمة الكثير من المحسوبين على المعارضة، ولا أحد يستطيع الثقة في حزب غرف من طبق السلطة لخمسة عشر سنة وأيد التعديلات السابقة التي توجت بفتح العهدات الرئاسية، ثم هاهو يتحدث بوقاحة عن التعديلات الدستورية بعد أن توجه فجأة للمعارضة، ولا أحد يعرف أيضا من هو الأمين العام الحقيقي للأفلان، لأن الجميع يدرك أن كثير من تصريحاته خاصة المتعلقة بمهاجمته للمسؤول الأول عن المخابرات قد اُوحي له بها من الجهة التي وضعته على رأس الأفلان، وأن نفس هاته الجهة هي التي تعطيه الأوامر، وهي التي تحتفظ له بمعارضين كثر من قيادات الأفلان لاستعمالهم عند انتهاء مهمته. لا السلطة سلطة ولا المعارضة معارضة في الجزائر ولا الدستور السابق قد طُبق واحترمت بنوده حتى تحترم بنود الدستور الحالي، فالجزائر تحكمها مجموعة من التوازنات بين بعض مؤسسات الدولة وهامش من الحرية بين نفس هاته الجهات، أما الشعب فقد استقال منذ مدة ولا يبحث إلا عن حلول لمشاكله في الصحة والنقل والتعليم والشغل، أمّا وقد انهارت أسعار البترول وبدأت احتياطات الصرف الأجنبي تنخفض، فالخوف كل الخوف ان تستمر الأزمة الحالية وساعتها وحده المواطن من سيدفع الثمن، كما دفعه دائما من مستقبله ومستقبل أبنائه، فلا تعديل الدستور ولا غيره هو من سينقذنا من الأزمة، أزمة اعتمادنا على مداخيل المحروقات بنسبة مخيفة، وأزمة فساد كبيرة، وأزمة غياب الضمير والأخلاق وأزمة نفاق تعانيها النخب السياسية وكل هاته الخيبات التي يعانيها هذا الوطن الذي حباه الله بكل مقومات النهوض والقوة، ولكنه بقي متأخرا في كل شيء، حتى في وضع دستور توافقي بين كل مكونات المجتمع، دستور يحترمه ويطبقه الجميع، دستور تكون فيه عهدات الرئاسة شيء مقدس ولا يتم العبث به بعد عهدتين قادمتين من عمر الرئيس القادم.