تبدو الحكومة الجزائرية في حيرة من أمرها، ويبدو أن التقشف أو سياسة ترشيد النفقات العامة تحولت إلى فوضى تنظيمية عارمة، تنذر بسنين عجاف سيدفع ثمنها الفئات الهشة. الحكومة أصبحت لا تعرف على أي رجل ترقص، وهي تحاول توفير بعض "الصرف" بكل طريقة، ومهما كان الثمن، فها هي تارة تعلن عن رفع الضرائب، وها هي تارة أخرى تجمد التوظيف في الوظيفة العمومية، ثم تقرر إلغاء بعض المنح والعلاوات وتبرق بالأمريات المسقفة لحجم استهلاك ميزانيات الهيئات العمومية، دون مراعاة ظروف تسييرها. كل الآمرين بالصرف على المستوى الوطني على علم بمدى تيه الحكومة ووزارة المالية، في خضم أزمة انهيار أسعار النفط، ومعها مداخيل البلد. كل هذه الإجراءات العشوائية والعبثية ستنفجر، ذات يوم، في وجه الحكومة، وهي التي أوقفت ضخ السيولة في الحلقة الاقتصادية، دون بديل، مع سابق علمها بأن النفقات العامة هي الممول الأساسي للاقتصاد والمحرك الأول لنسبة النمو، بما فيها ذلك خارج المحروقات. النتيجة هي أن أغلب المتعاملين الاقتصاديين يعيشون، اليوم، على وقع خطر الإفلاس، خاصة المؤسسات الناشطة في مجالات الأشغال العمومية والري والبناء، التي أغلقت معظمها سجلاتها التجارية، بعد أن شحت المشاريع العمومية بالنسبة لبعضهم، وجمدت عمليات التخليص بالنسبة لمن هم حاليا في ورشاتهم. ويبدو أن الحكومة تجهل أنها تدفع بالاقتصاد الوطني ومعه المجتمع إلى الخنق، باغتيالها، من حيث لا تدري، الآلاف من مناصب وفرص الشغل.