من بين كل المنتجات الاستهلاكية التي تسعى الحكومة إلى تقليص فاتورة وارداتها، هناك مواد تزيد عن ثقلها المالي المتنامي طبيعتها الإستراتيجية، وهي لحد الساعة تأبى أن تظهر أي مؤشرات عن تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاجها محليا حتى ولو كان ذلك نسبيا. هذه المواد فلاحية بالأساس، وتشمل المواد الأولية لغذاء الجزائري، كالقمح والشعير والحليب وبعض الحبوب الأخرى كالذرى، التي تدخل بشكل مباشر في إنتاج اللحوم البيضاء، وكل هذه المنتجات، تشكل عبئا متناميا على الخزينة العمومية، ناهيك عن كونها تسبب الصداع لكل الحكومات المتعاقبة، بالنظر لكونها مواد لا يمكن الاستغناء عنها، بل حتى أن ندرتها قد تكون نذير اضطرابات اجتماعية، وبالتالي فلا أحد يفكر حتى في إمكانية منع استيرادها. منذ سنوات والجزائر تحاول تحقيق اكتفاء ذاتي في هذه المواد، وقد أقرّت لذلك عدة برامج دعم خاصة بالنسبة لشعب القمح والحليب، لكن هذه البرامج سرعان ما تحولت إلى مصدر استرزاق لشبكات نهب تشكلت بمرور الزمن داخل الإدارات المعنية بتسيير هذه البرامج، والنتيجة هي أن الجزائر وبعد سنوات من الاجتهاد ومبالغ مالية ضخمة لا تزال عند نقطة الانطلاق عاجزة عن تلبية حاجيات شعبها من الخبز والحليب. الحقيقة أن المتأمل في تركيبة معضلة القمح مثلا، لا يمكنه أن يفهم سبب هذه الإخفاقات، ذلك أن الجزائر تملك كل المقومات الطبيعية والمالية والبشرية، ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المواد، بل حتى لأن تتحول إلى دولة مصدرة، وعموما ففرنسا وأوكرانيا ليسا أفضل حالا من الجزائر لو قارنا مؤهلات هذه الدول، لكن الواقع يقول إننا عادة ما نستنجد بهما وبغيرهما، حتى نسد العجز الحاصل عند كل موسم.