تحتفل كل المعمورة في الثالث ماي من كل سنة باليوم العالمي لحرية التعبير، حرية دفع فيها غيرنا دمهم وأرواحهم ثمنا لها، حرية كانت ليقول كل شخص بكل حرية ما يراه صوابا، لكن في حدود حرية الآخر، ونحن كغيرنا عصفت بنا رياح حرية التعبير ذات سنة من القرن الماضي، رياح قوضت كل حدود، وأسقطت كل اعتبار، وخلقت موجة تعبير عارمة، وككل موجة عارمة، كانت هذه الموجة ناقلة لكل شيء صالح وطالح، وركبها الفارس والجبان على ظهر الفارس، وأصبحت حرية التعبير موضة يتشدق بها كل من تكلم بحق وبغير حق، بحقيقة وبكذب، بصدق ونفاق. عشنا ونحن صغار إرهاصات حرية التعبير الجزائرية، وعشنا ونحن شباب حريق من حاول أن يجعل من حرية التعبير قاربا للتوافق والتقدم نحو الأفضل، أو على الأقل نحو الأحسن، فصرنا نعُدُ يوميا رقم الراحلين، من خيرة أبناء من سميت بأسرة الإعلام، كيف لا نعُدُهُم وقد حملت القائمة أكثر من 130 اسما وعلما وإعلاميا، ونعيش اليوم وقت تفتق إعلامي جارف، قنوات تلفزيونية "بالعرام" غثُها أكل سمينها، جرائد ورقية بالميزان لم تجد حتى سمكا يُحملُ فيها، وحرفة جديدة هي مواقع إلكترونية تجارية لم تصل جُلُها لتكون مواقع إعلامية، بل كانت مجرد مواقع خربشات بدائية وتصفية حسابات ومافتئت أن رحلت كما جاءت في السر و الكتمان. كلنا كصحفيين، وكإعلاميين، وكأشخاص منتسبين أو "مستنسبين" للأسرة الإعلامية، مسؤولون عما آل إليه الوضع الإعلامي الوطني والمحلي، فنحن من صفق لنشر فضائح الأسر في الإعلام ، نحن من هلل لتحطيم أسوار الفضيلة والحشمة باسم حرية الرأي، نحن من شجع طحالب الإعلام أن تعتبر نفسها سنديانة باشقة، نحن من سمح لكل من هب ودب و تدبدب أن يقول أنا صحفي … أنا إعلامي ….أنا أصنع الرأي العام، بل أنا الرأي العام. * متي نستفيق ونعيد لصاحبة الجلالة جلالها؟ * متي يصحو الضمير فينا ونعيد للكلمة رونقها وللكلمة صداها وللحرف قوة رصاصته؟ * متى نتفق جميعا على أن الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له؟ بل هي رسالة من لديه الشجاعة في الرسالة. * متى يأتي ذلك اليوم الذي يكرم فيه الصحفي الحق، لا المتسلق المتملق، ولا الأفاك الهتاك للأعراض والقيم؟ * متى يفهم الجميع أن الصحافة هي محمل الحقيقة لا النفاق؟ وأن الصحافي هو من يقول ما يجب أن يُقال، أن الصحافي هو من يعمل للصحافة لا بالصحافة. نحيي اليوم إذا اليوم العالمي لحرية التعبير ونحن لا نحسن التعبير، فقد اختلط لدينا القذف والسب والشتم، بالحرية والنقد، نحيي اليوم، اليوم العالمي للتعبير والبعض يحاول إطفاء ضوء الحقيقة بإشعال عود ثقاب، نحيي اليوم العالمي لحرية التعبير ونحن نتطاحن بالكلمات والسجالات لنظهر أننا الأقوى والأفضل لكل التكريمات والجوائز، ومحتوى الكثير من كتاباتنا وأعمالنا أعجاز نخل، لا تسمن ولا تطرح تمرا، بل هي أشبه بجعجعة رحى لا تنتج إلا الجعجعة، الخلل فينا، والعلاج منا والشفاء يبدأ منا، إن نحن أردنا وأحسننا التعبير، وفي اليوم العالمي لحرية التعبير، كل يوم وأنتم أحرار في التعبير. ولا تنسوا من الدعاء: عبد القادر حيرش، جمال الدين بن ساعد، نورة بن يعقوب، أحمد بن الصغير، بن تربح بن صدوق، بن نعجة إدريس، حدوش وليد والبدوي عامر دباب، وإن نسيت أحدا فقائمة 130 صحفيا لم تغلق…