كشف لنا رحيل إدريس أن الحماقة صفة إنسانية بامتياز، وكشفت لنا موته أن الاستهتار صفة إنسانية بامتياز و كشفت لنا نهاية حياته أن هذه الحياة هي موت قبل أن تكون حياة. الموت قدر مكتوب لا مفر منه، و إدريس رغم كياسته و حبه للحياة لم يكن بوسعه، و لو أراد ذلك، الهروب من قدره، فقَدَر إدريس أن يلقى ربه في طريق إن لم يسلكها من قبل، ففد سلكها مئات المرات و لم يصب فيها بخدش، وقدر إدريس أن يرحل و يأخذ زينة متاعه في الحياة الدنيا معه. و قدَري أن أكتب عن إدريس بأفعال أصرفها في ماضٍ بطعم الحاضر المر، مرارة حُرقة رحيله بغير ميعاد مسبق، و هو الذي كان حين يواعدني ولا يحضر في الميعاد و لعلمه أني سألومه عن التأخر، فقد كان يغيب أياما بعد الموعد المحدد حتى أنساه و يبتسم قائلا "راك عارف خوك". لن أسب قاتله، فهو تخلى عن إنسانيته لما تعدى حدوده و هضم حقوق إدريس، بتجاوز خطر، تجاوز من خلاله و ختم حياة إدريس. لن ألومه كذلك فالقتل الخطأ عن طريق الإفراط في السرعة أصبح علامة جزائرية مسجلة. ولن أحتفظ به في ذاكرتي، فذاكرتي لا يمكنها الاحتفاظ بحياة إدريس ومن أنهاها. لن أمد لك في رجليك يا إدريس بعدما مت، فأنت قد مددتهما بما فيه الكفاية، بما ظهر من خصالك و فصالك ووصالك بعد مماتك، حتى خلتني لا أعرفك. لن أعدك أني لن أنساك، فالإنسان ما سمي إنسانا إلا لأنه ينسى، و إن لم ينس فإنه يتناسى حتى لا يؤلمه ما لم ينسه. لن أعدك أنى لن أبكيك فبكائي لك هو لكل من رحل في شهر ماي الذي أصبحت أخافه وأكرهه وأنت تعرف ما لي و لشهر ماي من قصص أليمة. إدريس أنت أكبر من أن أختزلك في كلمات، و أصغر من أن تنتهي بك الحياة، لكنك كنت جزءا من هذه الحياة، وجزءا مهما منها، وتتواصل الحياة…. لكنك لن تكون فيها و"راك عارف خوك". أنتظر منذ تلك الجمعة أن يرن هاتفي، و يكون المتصل أنت إدريس، فتدعوني على فنجان قهوة، لن نشربه كعادتنا لأننا في الطريق، سيعترضنا عمل علينا أن نقوم به لصالح شخص ما لم يكن مدعوا معنا لفنجان القهوة كعادتنا. أنتظر منذ تلك الجمعة أن يرن هاتفي، و يكون المتصل أنت إدريس، لتقول لي إن الحاج مختار ينتظرنا، نذهب إليه وتشاكسه ونحن نتحدث عن المسيرة ومن ذاكرة التاريخ وأنت اليوم من صنعت التاريخ ورحلت دون أن تطرح سؤاله. أنتظر منذ تلك الجمعة أن يرن هاتفي، و يكون المتصل أنت إدريس، لتقول أنا عند الباب تعال، ونمضي نسير في شوارع مدينة لفظتنا لحظة احتضنتنا، لأننا لم نعد نعرفها، و أصبحنا فيه غرباء في ديارنا. أنتظر منذ تلك الجمعة أن يرن هاتفي، و يكون المتصل أنت إدريس، و تأتي للموعد الذي قطعته معي في آخر اتصال من هاتفك الذي لن يرن رقمه بعده من جديد. أعترف أنك قد أحسنت إخراج نهايتك، تماما مثلما كنت تحاول أن تحسن إخراج فتراتك. أعترف أنك كنت أفضل مني حين كنت أنت من يرحل و يتركني لأهيم في خط هذه الكلمات التي لا أعرف أين تأخذني. أعترف أنك جعلتني أغير نظرتي لأشياء كثيرة بموتك مثلما أجبرتني في حالات كثيرة على تغيير مواقفي و آرائي في حياتك. و أعترف أني حين علقت صورتك هناك مقابل بن تربح، كنت في قرارة نفسي أقول من التالي؟ ومن سيعلق لي صورتي؟ إدريس أستودعك و عبارة "صح خويا" التي كنت تودعني بها كل يوم، وودعتني بها آخر يوم، لا زالت ترن في أذني. إدريس أستودعك و صورتك نائم للأبد في مخيلتي لن تنمحي وكأنك ولآخر لحظة أراك فيها تشاكسني. إدريس أستودعك و معطفك الأسود الذي كنت تحبه يمثل بين عيني ويستر ما بك من جراح. إدريس أستودعك و لن أجد أحسن من كلماتك لأقولها "وفي الختام صلوا على الحبيب المصطفى".