فعلت المنية فعلها يا علي،، خطفتك منا وأنت في عز شبابك، لكن ما عسانا أن نفعل أمام إرادة الله وحكمته،، فراقك صعب جدا أيها الغالي بعد أن ألفنا طيبتك المتجذرة في عمق معدنك الأصيل الذي لا يعرف الصدأ مهما مرت الأزمان،، معدن صلب كصلابة أشجار الزيتون والسنديان التي لا تنحني أمام الرياح العاتية لتبقى شامخة عاليا كعلو عزة نفسك. علي،، أيها الأخ العزيز قد لا تكفي كل المرثيات في التعبير عن مرارة فراقك الأبدي، فكيف يمكن لنا بعد الآن أن نتعود على شغور مقعدك والحرمان من إطلالاتك التي تهل علينا من عتبة باب قاعة التحرير وكأنها أيام عيد متكررة تضفي الانشراح على النفوس وكثيرا ما كنت تخصني بتحية تعكس المكانة التي كنت أحظى بها في قلبك، كنت تسلم على الجميع وتتجاوزني كأنك لم ترن،، تفعل ذلك من باب المزاح و''الاستفزاز المرح'' قبل ان تستدير نحوي وتصرخ ''اووو صح كوكو''، هو اسم دلع أطلقته علي وتعودت عليه لكن من سيناديني به بعد الآن. لقد كنت تعتبرني فردا من عائلتك والدليل على ذلك انه خلال زيارتي الأولى لبيتك العائلي لحضور حفل زفافك شهر أكتوبر الماضي تفاجأت بإقبال أفراد أسرتك نحوي يهتفون ويهللون: ''أنت مليكة التي كثيرا ما يحدثنا عنها علي، إنه يعزك كثيرا، كثيرا'' وقد تفاجأت لمعرفتهم عني تفاصيل كثيرة مما يدل حقا على محبتك الكبيرة لأصدقائك وإخلاصك لهم، فلن أنسى يا علي منحك لي شرف الانتماء إلى هذه العائلة الطيبة وكن على يقين بأني لن اقصر في حقها ما حييت، لن ابخل بزياراتي لها مثلما وعدت بذلك والدتك الكريمة ''نا وريدة'' التي طلبت مني الا أنساها بمجرد انك لم تعد في هذه الدنيا وعهد مني بأننا سنحضر إن شاء الله حفل ولادة طفلك الذي اشعر بأنه سيحمل نفس صفاتك وأخلاقك الطيبة. في لحظات الفراق هذه تبادرني أشياء كثيرة، اسأل نفسي إلى من سأشكو بعد الآن متاعبي ومن ليس له متاعب في هذه الدنيا، لقد كنت نعم الأذن الصاغية وصاحب بصيرة الحكماء الموقرين في تحليل العديد من المواقف، كما أني اسأل نفسي في لحظات صمت لماذا انقطع شدو ''بلبل المساء'' فجأة بعد أن تعودنا على الاستماع الى مقاطعه الغنائية من مختلف الطبوع في محاولة للتخفيف عن ضغط العمل وإضفاء المرونة عليه وكسر الروتين، فكثيرا ما كنا نطرب لشدوك ونتجاوب معه، لذا منحتك لقب ''البلبل'' الذي تستحقه بجدارة واستحقاق، لكن سكونك الرهيب اليوم أصبح يخيم على قاعة التحرير وزاده غيابك عنا ظلمة ووحشة، فالكل مذهول لا يعرف ما يقول أمام هول المصيبة ولن يواسينا في ذلك سوى إيماننا بأنك في عالم أفضل،، في عالم بلابل الجنة إن شاء الله تعالى. رغم انه صعب علي تصديق خبر وفاتك إلا انه لم تكن لدي الشجاعة الكافية للتدقيق في وجهك ''المنور'' قبل ان توارى الثرى وفضلت أن احتفظ لنفسي بصورة علي المليئة بالحيوية والابتسامة التي لا تفارق محياه انطلاقا من الحديث الشريف ''.. تبسمك في وجه أخيك صدقة''. قد لا تكفي هذه الوريقات لذكر خصالك الحميدة أخلاقيا ومهنيا، فقد كنت دائم الحرص على الوفاء بالتزاماتك تجاه الآخرين، كما كنت نموذجا للمهنية في تقديم الأحسن وكثيرا ما كنت تصارحني بعدم اقتناعك عن مقال أو موضوع كتبته، فكان ضميرك المهني حاضرا عند ابسط خبر حيث تتحرى فيه المصداقية قبل كتابته للقراء. قد يعذرني بعض الزملاء إن اخطأت في مناداتهم باسمك لأنهم يعلمون درجة قربي منك، واعتذر إن أزعجتك في مرقدك الازلي اذا ما تماديت في مناداتهم باسمك بدل أسمائهم لأني كثيرا ما كنت أثقل عليك في طلب خدمة ما أو الاستفسار عن معلومة أو تأكيدها، يفترض ان أتركك الآن تنام بسلام لكنك ستبقى دائما حاضرا في قلوبنا وسنكرر ذكر اسمك كمثال حي لإنسان صالح يستحق الاقتداء به. اعلم يا ''عليلو'' أنه لا الأحزان التي تدمي قلوبنا ولا الدموع التي لا تريد ان تتحجر في مآقينا يمكنها ان تغير مجرى القدر، لكن لا بد أن اعترف بأن فراقك ترك في نفوسنا جرحا عميقا قد يحتاج الى وقت أطول لكي يلتئم ولا نطلب من الله عز وجل سوى ان يعيننا على تجاوز هذه المحنة بأن يمنحنا الصبر لنا ولعائلتك المكلومة. يبقى شيئ واحد قد حز في نفسي وندمت عليه وهو أني لم أجالسك كثيرا في اليوم الأخير من وفاتك بساعات، لقد طلبت مني أن نتحدث قليلا قبل عودتي إلى البيت لكني كنت اشعر ببعض التعب وقلت لك بأننا سنتحدث في المرة القادمة واكتفيت بتوديعك مرتين عند عتبة الباب، لكن غدر الزمن سبقنا فكان لقاؤنا الأخير عند إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانك الطاهر ببلدتك الجميلة ''الماتن'' التي ستذكرني بك حتما كلما مررت منها في طريقي إلى سوق الاثنين. أعلم أنه لا يمكن للكلمات مهما كانت بقدر زبد البحر أن تستوفي حقك أيها العزيز الغالي وكل ما نستطيع فعله هو الدعاء لروحك الزكية التي تستحق حياة أبدية أفضل من هذه الدنيا. رحمة الله عليك وكن على يقين بأني لن أنساك.