مؤسسا موقع "ناس نيوز" الإلكتروني انطلقا من قناعة بأن الجزائر بحاجة لعهد إعلامي جديد يحرر قدرات وطموحات الشباب ويخرج صوته من الخفاء إلى العلن. النتيجة؟ زيارات قياسية على "فيس بوك" ورواج متنام لموقع انطلق قبل أقل من شهرين. الجزائر: خمسون عاما على الاستقلال "النشاط على الانترنت هو بالنسبة إلينا كالأكل والشرب، إنها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها أبدا". عندما يتحدث يونس وعبد الرحمن عن موقعهما وعن "نشاطهما ونضالهما"، كما يقولان، ترى في عينيهما بريق أمل وحماسة يخبرك عن مدى عزيمتهما لتحقيق المبتغى. وتحقيق المبتغى بالنسبة إليهما هو "الخروج بالجزائر إلى عهد إعلامي حديث يرتكز على الشباب، وعلى المواطنين، ويستهدف الشباب والمواطنين". المبتغى هو تطوير ما يسميه عبد الرحمن "التعددية المواطنية". فمن هما هذان الشابان الطموحان؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء تأسيسهما "ناس نيوز"؟ وكيف يتعاملان مع السلطات؟ من قضية الحاجة رحمة إلى احتجاجات باب الوادي التقنيا يونس صابر شريف، 23 عاما، وعبد الرحمن سمار، المدعو عبدو، 26 عاما، في ساحة أول مايو (أيار) بالجزائر العاصمة عشية الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات "إيفيان" التي فتحت باب الاستقلال أمام الجزائر. وسارع عبدو، وهو صحافي سابق في صحيفة "الوطن" والذي بدا منذ الوهلة الأولى أكثر فصائحة من زميله، إلى التقليل من أهمية الحدث، مفضلا الحديث عن الواقع الراهن وعن مشاكل الشباب الجزائري وتطلعاته. عبدو: "الشباب يعاني التهميش والبطالة، وشأنه لا يهم المسؤولين. انطلاقا من ذلك، رأينا ضرورة للدفاع عنهم، وإبراز ومواكبة رغبة الجزائريين في التغيير". ويؤكد يونس، وهو طالب في العلوم السياسية، أن "خرافة الحراقة [وهم الذين يجازفون بحياتهم للهجرة إلى أوروبا بصفة غير شرعية] لم تعد تطرح"، مؤكدا أن "ما يريده الشباب الجزائري هو البقاء في بلاده والعمل جاهدا لتغيير الوضع". ومن أجل إشراك الشباب الجزائري في النشاط والنضال ودفعه إلى الأخذ بزمام الأمور، ولتطوير "التعددية المواطنية"، لجأ عبدو ويونس إلى الإنترنت، بدءا بمواقع التواصل الاجتماعي. وكانت الانطلاقة في العام 2010، وبالتحديد في شهر تموز/يوليو من ذات العام، عندما تفجرت قضية امرأة عجوز اسمها الحاجة رحمة بمدينة الأغواط (400 كلم جنوبالجزائر العاصمة). الحاجة رحمة كانت في 94 من عمرها وكانت تعيش نهاية حياة مأساوية، فتأثر الجزائريون ببؤسها وتوجعوا بألمها لتنطلق حملة تضامن واسعة على "فيس بوك"، وانتهى الأمر بتحرك المسؤولين والاهتمام بأمرها وإخراجها من وضعها. هواية شديدة سرعان ما تحولت إلى ممارسة يومية الحاجة رحمة توفيت في 9 شباط/فبراير الماضي، لكن مصيرها زرع في نفس يونس هواية شديدة سرعان ما تحولت إلى ممارسة يومية. يونس: "أدركت يوم تفجر قضية الحاجة مدى تعطش الجزائريين للتعبير وللتواصل، بحيث قام كثيرون بنشر أشرطة فيديو على فيس بوك ينددون فيها بوضع مواطنتهم ويتعاطفون ويتضامنون معها". ويتابع: "واقتنعت يومها بضرورة النشاط على الانترنت وأهميته القصوى". ويؤكد عبدو أن "الفكرة جاءت من يونس لفتح آفاق وقنوات إخبارية وتواصلية جديدة". وقال يونس إن صفحة "الفيس بوك" التي أطلقها بلغ عدد المشاركين فيها نحو 10 آلاف مشارك في غضون ثلاثة أيام، لتصل اليوم إلى أكثر من مئة ألف مشارك. وبلغ عدد الزوار ذروته في مطلع 2011، خلال الاحتجاجات الشعبية في الجزائر العاصمة تأثرا بسياق ثورة الشعب التونسي على زين العابدين بن علي. الاحتجاجات لم تدم سوى أياما قليلة والتأهب لم يكن خارقا للعادة ولكن الشباب الجزائري تفطن لإمكانية التحايل على السلطات وإيصال الخبر إلى متصفحي الانترنت عبر فيديوهات وصور انفردت بها صفحة يونس على "فيس بوك". وكانت تلك، على حد قول عبدو، البداية الحقيقية لنشاط الصديقين على الانترنت. وبالمثابرة وصلا إلى قناعة بتأسيس موقع إلكتروني يكون "فضاء للأخبار والنقاش والتبادل"، لاسيما أن عبدو شديد الانتقاد للصحافة الجزائرية، التي يقول إنها "تصلح لكل شيء عدا الإعلام". "نحن نركز على الفساد، الذي أصبح يمارس في وضح النهار" وعندما تسأل يونس وعبدو عن مضمون موقعهما، يردان بصوت واحد: "نحن نركز على الفساد، الذي أصبح يمارس في وضح النهار، وعلى مشاكل المواطنين وضعف الممثلين السياسيين، بقدر ما نتحدث عن الطابوهات". ويضيف يونس: "في الحقيقة، ما نقوم به هو إعطاء الناس فرصة التعبير والتنديد عبر موقع ناس نيوز، أصبح الأخير موقع الجميع". والدليل، برأيه، أن عدد الزيارات بلغ أكثر من مليون تأسيسه في شباط/فبراير الماضي. وقبل مغادرة ساحة "أول مايو"، سألنا يونس وعبد الرحمن عن مستقبلهما، فردا: "نحن مقتنعان أن السلطات غير قادرة على غلق الموقع، ولكن كل شيء وارد، خاصة مع العلم أن ناس نيوز يأتي في المرتبة الثالثة بالجزائر من حيث عدد الزوار، بعد موقعي صحيفتي الخبر والشروق".