بقلم: عبد الباري عطوان عندما أصدرت السلطات السعودية قانونا بتجريم كل من يذهب إلى الجهاد في سورية، ووضعت تنظيمي الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة ضمن عدة جماعات إسلامية أخرى على قائمة (الإرهاب)، فإنها كانت تتخذ إجراءات وقائية لتحصين جبهتها الداخلية، وليس من منطلق الحرص على سورية من حيث إضعاف هذه الجماعات المتشددة لمصلحة نظيراتها (المعتدلة) والجيش السوري الحر الذراع العسكري للائتلاف الوطني الذي تدعمه ورئيسه. فأصحاب القرار في المملكة، أفاقوا (متأخرين) إلى ظاهرة خروج آلاف من الشباب السعودي من أجل (الجهاد) في سورية بتحريض من دعاة سلفيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بل والقنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة المملوكة لأمراء سعوديين، وبتمويل من جمعيات خيرية عبر قنوات سرية، وبموافقة شبه ضمنية من أجهزة الدولة الرسمية. السلطات السعودية، وعندما أوعزت لآلتها الإعلامية الجبارة، وخاصة قناتي (العربية) و(أم بي سي) واخواتها، بمهاجمة هؤلاء الدعاة بشراسة، وتحميلهم مسؤولية (التغرير) بالشباب السعودي، والدفع بهم إلى الموت وتوعدت بمعاقبتهم بالسجن لأكثر من عشرين عاما، كانت تخشى من عودة هؤلاء إلى المملكة مسلحين بإيديولوجية تنظيم (القاعدة) وخبرة قتالية ميدانية عالية جدا في الميادين كافة. النجاح الكبير الذي حققته قوات الأمن السعودية في القضاء على عناصر (القاعدة) في المملكة في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الثالثة، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على وجه الخصوص، لم يكن هذا النجاح عائدا فقط إلى كفاءة القوات الأمنية السعودية وأجهزة استخباراتها فقط، وإنما أيضا إلى ضعف خبرة هذه العناصر، وبدائية وسائل التدريب والإعداد الذي حظيت به وقياداتها في أفغانستان. بمعنى آخر، السعوديون الذين ذهبوا إلى سورية انضم معظمهم إلى تنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة اللذين حققا معظم الانتصارات العسكرية الميدانية والاستيلاء إثر ذلك على العديد من المناطق بعد دحر القوات السورية، ويعود ذلك إلى تدريبات قتالية حديثة، ومتطورة، على أيدي خبراء جاءوا من العراق حيث حاربوا القوات الأمريكية، وبعدها القوات العراقية، الرسمية العسكرية والأمنية والميليشيات التابعة لها لأكثر من عشر سنوات، وتفوقوا في أعمال تجهيز السيارات المفخخة، والتفجير عن بعد، علاوة على المواجهات الميدانية التي أنهكت حكومة نوري المالكي العراقية وأغرقتها في حرب استنزاف دامية لم تستطع الخروج منها حتى الآن. وإذا كان خطر المقاتلين السعوديين العائدين من سورية، والذين تقدر بعض الأوساط الميدانية عددهم بحوالي عشرة آلاف مقاتل انخرطوا في العمليات العسكرية على مدى السنوات الثلاث الماضية، كبيرا فإن البيان الذي أصدرته الدولة الاسلامية في العراق والشام وتوعدت فيه ب(التمدد بجزيرة العرب) قريبا يعتبر أكثر خطورة في رأينا ويجب أن يؤخذ على محمل الجد لما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات مستقبلية. الفرق بين تنظيم الدولة الإسلامية من ناحية وجبهة النصرة من الناحية الأخرى، أن التنظيم الأول تنظيم (عابر للحدود) ومعظم مقاتليه من العرب والمسلمين غير السوريين، بينما التنظيم الثاني يتسم بطابع المحلية، أي أنه يحصر أنشطته العسكرية والسياسية على الأرض السورية فقط، ومعظم مقاتليه من السوريين، ولهذا يحظى بدعم دول خليجية يتردد أن قطر من بينها، مثلما يحظى أيضا بدعم بعض الجماعات المقاتلة السورية الأخرى مثل الجبهة الإسلامية، ولواء الإسلام وجيش المجاهدين، وأحرار الشام، والجيش الإسلامي والجيش السوري الحر وغيرها، وانعكس هذا الدعم بوضوح أثناء اشتراك الجميع في جبهة موحدة لتصفية قواعد ومقرات الدولة الإسلامية في الشمال السوري في أدلب وأعزاز وبعض مناطق ريف حلب شمالا ودير الزور شرقا، وحققوا مجتمعين انتصارا كبيرا. بيان تنظيم الدولة الإسلامية قال (إن شاء الله التمدد لجزيرة العرب بات قريبا، وسيكون بخطة محكمة، وقوية ستذهل العراعير (في إشارة للشيخ العرعور) الأغبياء، وأن اللبنات الأخيرة للتمدد أوشكت على الانتهاء.. فالمفاجأة القادمة، أن نغزوكم ولا تغزونا سيلتحم جند العراق مع جند الشام، ويلتقون قريبا بجند اليمن، وتفتح جزيرة العرب وبعدها فارس!. وربما يعتقد البعض بأن هذا التهديد هو من قبيل الحرب النفسية، وكرد فعل على تراجع وجود الدولة وقواتها في مناطق سورية بسبب ضربات التحالف المذكور آنفا، ويحظى معظمه بدعم السلطات السعودية، وهذا الاعتقاد قد يكون صحيحا جزئيا، ولكن لا يجب التقليل منه، وأهميته، وخطورته، فتنظيم الدولة الإسلامية يضم الآلاف من المقاتلين السعوديين، ويملك قاعدة قوية جدا في العراق على الحدود الشمالية للمملكة، كما أن له امتدادات في اليمن على حدودها الجنوبية أيضا، وقد يتوحد على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره المحافظات الجنوبية اليمنية. الهجرة المعاكسة أي عودة المقاتلين المتشددين إلى الجزيرة العربية قد تكون وشيكة، خاصة بعد تضعضع مكانة الجماعات الإسلامية التي تحمل فكر القاعدة وأيديولوجيتها في ميادين القتال السورية إثر استعادة القوات النظامية مناطق استراتيجية مثل يبرود والقصير والقلمون وأخيرا قلعة الحصن، وهذه المناطق تعتبر من المعاقل الرئيسية لتنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، حتى أن الأخيرة تحدثت عن (خيانات) تعرضت لها وأدت إلى خسارتها لها، وخيبة أمل المقاتلين الأجانب من أعمال الاقتتال الداخلي بين الجماعات الأسلامية المسلحة، ومغادرة أعداد كبيرة منهم لسورية وعودتهم إلى بلادهم. نحن على أعتاب عملية انتقام لحالة الخذلان التي تعرضت لها هذه الجماعات المتشددة في ميدان القتال في سورية حسب ما تقول أدبياتها، قد تنعكس في هجمات انتحارية وسيارات مفخخة، وربما مواجهات عسكرية مباشرة في جزيرة العرب، تماما مثلما حدث للمجاهدين الأفغان العرب في أواخر الثمانينات من العام الماضي، ولكن بصورة ربما أكثر خطورة ودموية. الدولة الإسلامية قالت إنها ستغير اسمها في الأيام القليلة المقبلة، ولا نستبعد أن يصبح اسمها الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والشام والجزيرة العربية) لتأكيد توجهاتها الجديدة التي احتواها بيانها. والله أعلم.