تؤكّد المادة الأولى من الدستوري الجزائري المؤرّخ في 28 نوفمبر 2002 أن (الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية، وهي وحدة لا تتجزّأ)، بينما تشير المادة الثانية من الدستور نفسه إلى أن (الإسلام دين الدولة) وعلى غرار الدساتير السابقة ثبّت الدستور الأخير المعدّل خلال العهدة الثانية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الإسلام كمصدر للتشريع في البلاد وكدين رسمي يتقاسمه الجزائريون ولا يختلفون حوله. جاء قانون المسجد الذي رأى النّور قبل بضعة أشهر ليؤكّد أن الجزائر لن تصبح علمانية، وأن الجامع ليس للصلاة فقط، حيث رسم النصّ القانوني الذي حمل اسم (القانون الأساسي للمسجد) المعالم الأساسية لمهمّة المسجد في الجزائر، وعلى خلاف الرّأي السائد في أوساط العلمانيين، ومن والاهم أو تأثّر بهم، والذي يقول أصحابه إن المساجد للصلاة فقط، وإنه عندما تنقضي أوقات الصلاة تنقضي معها مهمّة المجتمع، جاء الإطار القانوني الجديد ليؤكّد ويزكّي رأي علماء الأمّة وفقهائها ومنظّريها الذين يشيرون إلى أن المسجد ليس مجرّد مكان للصلاة، بل هو مدرسة وجامعة ومركز إشعاع فكري يمكنه أن يقوم بوظائف حيوية بالغة الأهمّية تؤدّي، إجمالا، إلى المساهمة في إصلاح المجتمع، ذلك أن الدين الذي ينبغي أن تقوم المساجد بنشر تعاليمه منهج شامل للحياة. وإذا كانت هذه هي رؤية المترشّح لرئاسيات 17 أفريل 2017 عبد العزيز بوتفليقة للدين، وهي الرؤية المعبّر عنها في الدستور المعدّل في عهده، ومن خلال قانون المسجد، وكذا قراره ببعث مشروع جامع الجزائر العملاق، فما هو موقع الدين في برامج بقية المترشّحين؟ إذا كان المترشّحون يتقاسمون الانتماء إلى المجتمع الجزائري المسلم فإن لكلّ منهم رأيه ورؤيته، وإذا كان بعض المترشّحين يؤكّدون أنه لا نقاش في الإسلام الذي سيبقى إن وصلوا إلى الحكم دينا للدولة، لا فصل بينهما، فإن مرشّحة حزب العمال للرئاسيات تسبح عكس التيّار تماما من خلال الدعوة جهارا نهارا إلى العلمانية من خلال سعيها ل (تحييد الدين) وإبعاده عن شؤون الدولة، ومن خلال مجاهرتها بمعارضة واحد من أحكامه القصاص أو الإعدام الذي تطالب لويزة حنّون بإلغائه وتناضل من أجل ذلك. ومن المؤسف كثيرا أن يغيب الدين عن اهتمامات خطباء الحملة الانتخابية بشكل عامّ، من مترشّحين وممثّلين لهم، إلاّ في بعض الحالات النادرة التي يستعين فيها هذا الخطيب أو ذلك بآية قرآنية أو حديث نبوي شريف ليدعم موقفه أو يدحض موقف المناوئين له. وبالنّظر إلى غياب مرشّح محسوب على ما يُعرف بالتيّار الإسلامي فإن الخطاب الديني إن صحّ الوصف بدا غائبا إلى حدّ بعيد منذ بداية الحملة الانتخابية للرئاسيات، وحين نتحدّث عن الخطاب الديني لا نقصد توظيف الدين لممارسة الإقناع السياسي، بل عن وجهة نظر المترشّحين، ومن يمثّلهم، بخصوص موضوع الدين وعلاقته بالمجتمع. وممّا لا يخفى على المتتبّعين أن الجزائر، إضافة إلى مشكلاتها السياسية والاقتصادية التي بُذلت جهود لحلّها، تواجه مأساة أخلاقية حقيقية نتيجة ابتعاد عدد كبير من أفراد المجتمع عن تعاليم الدين الحنيف، وهي مأساة تتجسّد يوميا من خلال الآفات المتكاثرة والجرائم الأخلاقية المستمرّة، بل إن كثيرين يعتبرون الأزمة الأخلاقية التي يعيشها المجتمع الجزائري هي (أمّ الأزمات) وهي الأولى البحث عن حلول عاجلة انطلاقا من (دين الحلول).. الإسلام الحنيف.