يلخص المحامي الفرنسي الكبير جاك فيرجيس مجازر 17 أكتوبر 1961، التي تمر اليوم 49 سنة على ارتكابها بكل وحشية، والتي قتلت فرنسا خلالها مئات الجزائريين بباريس، ببرودة دم غير مسبوقة، في ثلاثة محاور أساسية، يتمثل المحور الأول في أن الاستعمار هو أب النازية والهمجية، وبذلك فلا عجب أبدا أن يقوم بما قام به يوم 17 أكتوبر 1991، وفي الأيام التي سبقته وتلته، ولو قُدر له أن يعيش مدة أطول لارتكب المزيد من المجازر التي لا تمحوها السنين مهما "تراكمت"، ولا تنساها الأذهان مهما توالت الأجيال.. والمحور الثاني يتمثل في أن المسؤولين في أوروبا وخصوصا بفرنسا "يعانون" ما يعرف ب"عقدة دالتون الأخلاقية"، حيث أنهم يرون وينددون بالجرائم المرتكبة، حسبهم، ضد اليهود ولكنهم لا يرون تلك التي استهدفت الشعوب المستعمرة، ففرنسا التي فعلت الأفاعيل بالجزائريين طيلة 132 سنة وتمنت أن تفعل بهم ما فعلت إلى الأبد تبدو "حزينة جدا" عند الحديث عن جرائم "مزعومة" يقول اليهود أن النازية قد ارتكبتها في حقهم، ولكن فرنسا تتحول إلى "غول أعمى" حين يتعلق الأمر بجرائم ارتكبتها بنفسها في حق ملايين الجزائريين، فهل دم الجزائريين ماءٌ ودم اليهود دمُ؟ ويبدو أن "عقدة دالتون" تطارد الجزائريين كلما أرادوا انتزاع اعتراف فرنسي بجرائم الاستعمار، وما أكثرها، ففرنسا تعرف أن ما فعلته في حقنا وحق أجدادنا جرائم لا تسقط بالتقادم ولكنها لا تريد أن تعترف بذلك.. وهي تظن أن ما قامت به سينساه الجزائريون مع مرور الزمن، وهو ما يقود جاك فيرجيس إلى المحور الثالث ضمن "نظريته"، وهو المحور الذي يؤكد فيه أن جرائم المستعمر هي جرائم ضد الانسانية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحظى بالعفو بما أنها من حيث تعريفها غير قابلة للتقادم، فالعفو هو شكل من أشكال التقادم المسبق، وما ارتكبته فرنسا من جرائم بحق الجزائريين غير قابل للعفو، وعاجلا أم آجلا سينال الجلادون العقاب الذي يستحقون، وسيحصل الضحايا على التعويض الذي يريدون..