شهدت الجبهة الاجتماعية منذ انطلاق الحملة الانتخابية تصعيدا نسبيا من طرف بعض النقابات التي نجحت إلى حدّ ما في (صناعة غليان اجتماعي) هدفه إحراج السلطات والضغط عليها من خلال استغلال الفرصة لتلبية مطالبها في أقرب الآجال، على غرار عمال ميترو الجزائر وعمال النقل بالسكك الحديدية والأساتذة المتعاقدين، غير أنه في الوقت ذاته رفضت نقابات أخرى استغلال الوضع السياسي الرّاهن التي تمرّ به الجزائر ورفضت تسييس قضيتها فارتأت تعليق حركاتها الاحتجاجية إلى ما بعد انتخابات 17 أفريل القادم. تعيش الجزائر منذ انطلاق الحملة الانتخابية للمرشّحين الستّة على وقع سلسلة من الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي المحض، والتي حاولت بعض التيارات السياسية الفاشلة استغلالها لأغراض انتخابية. واستطاع عمال النقل بالسكك الحديدية استغلال الفرصة أحسن استغلال للحصول على ردّ إيجابي على لائحة مطالبهم المرفوعة، حيث توصّلت النقابة بعد 03 أيّام من شلّ حركة النقل بالسكك الحديدية عبر مختلف ولايات الوطن إلى اتّفاق نهائي مع وزارة النقل التي تعهّدت بالتكفّل بجميع انشغالات العمال المتعلّقة بتحسين ظروف عملهم ورفع أجورهم ودفع مستحقّاتهم المالية العالقة منذ مارس 2010. ثلاثة ملايير.. خسائر إضراب عمال الميترو انتقلت حمّى الإضراب في هذا الوقت الحسّاس إلى عمال ميترو الجزائر الذين واصلوا لليوم الخامس على التوالي إضرابهم المفتوح الذي كلّف الشركة خسائر قاربت ال 03 ملايير سنتيم بعدما تمّ الاستعانة بسائقين أجانب واعتماد الإدارة مجّانية الرّحلات لتفادي غضب المسافرين. أصرّ 400 عامل بميترو الجزائر على مواصلة حركتهم الاحتجاجية بعد فشل الاجتماعات المراطونية التي تمّ عقدها مع المسؤولين الذين رفضوا مناقشة أهمّ المطالب والاكتفاء بالموافقة على بعض منها لا تكتسي أهمّية كبرى، حيث رفض العمال سياسة التعطيل التي يمارسها مسؤولو شركة (أر تي بي) في الردّ على لائحة مطالبهم التي رفعوها منذ أزيد من سنة، خاصّة المتعلّقة منها بمراجعة الأجر القاعدي وزيادة أجور الموظّفين وتحسين ظروف عملهم. وقد عرف الإضراب نسبة استجابة واسعة في صفوف الموظّفين والمسؤولين، سواء وسط السائقين أو القائمين على شبابيك الدفع، وكذا عمال الصيانة وأعوان الأمن، ممّا دفع شركة ميترو الجزائر إلى الاستعانة بمسؤولي الشركة الفرنسية لتعويض العمال المحتجّين وضمان الحدّ الأدنى من الخدمات. وأكّد العمال الذين التقت بهم (أخبار اليوم) وعلى رأسهم مسؤول بمصلحة الخدمات الاجتماعية بالفرع النقابي للاتحاد العام للعمال الجزائريين لشركة (أر.أ. تي. بي الجزائر) أنه تمّ تسجيل خسائر يوميا فاقت ال 500 مليون سنتيم لتصل في اليوم الخامس إلى قرابة ال 03 ملايير سنتيم وهي مرشّحة للارتفاع بسبب تواصل الاحتجاج، وأنه تقرّر الدخول في احتجاج مفتوح لدعم مطالب العمال المتعلّقة بالأجور لعدم التوصّل إلى نتيجة أيجابية في المفاوضات التي تمّت مع إدارة الشركة، حيث تمّ الاتّفاق على سبع نقاط فيما لم يتمّ الاتّفاق على نقطة يعتبرها العمال أساسية وهي الأجر القاعدي، فضلا عن أن قرار الاحتجاج الثالث من نوعه اتّخذ بعد فشل جميع اللّقاءات التي عقدت مع الإداراتو والتي قدّرت ب 24 لقاء. وقد شهدت محطات الميترو توافدا كبيرا من طرف المسافرين الذين استغلّوا فرصة مجّانية الرّحلات، غير أنهم أبدوا في نفس الوقت تذمّرهم من التغيير الزّمني الذي طرأ على فارق انطلاق الرّحلات الذي أصبح يقدّر ب 10 دقائق بعدما كان 03 دقائق، إلى جانب تقليص عدد العربات إلى 80 عربة من أصل 400 عربة وتغيير أوقات العمل وتقليصها من الثامنة صباحا إلى الثامنة ليلا، وهذا بهدف ضمان الحدّ الأدنى من الخدمات. الأساتذة المتعاقدون يجدّدون إضرابهم قرّرت اللّجنة الوطنية للأساتذة المتعاقدين اللّجوء مجدّدا إلى الحركات الاحتجاجية، حيث ستخرج اليوم إلى الشارع لمطالبة وزير التربية عبد اللطيف بابا أحمد بإدماجهم في المناصب الشاغرة التي كان الوزير الأوّل عبد المالك سلال قد أعلن عنها من قبل. جاء قرار العودة إلى الاحتجاج بسبب العجز الذي تشهده معظم المدارس في الموارد البشرية، حيث ستنظّم اللّجنة الوطنية احتجاجا بالعاصمة للردّ على عدم التزام الإدارة بوعودها بتسوية وضعيتهم التي اعتبرتها اللّجنة مطالب مشروعة تلك التي تمّ رفعها من خلال الاحتجاجات الوطنية المستمرّة. وأعربت اللّجنة عن استمرارها في تصعيد الاحتجاجات إلى أن تسوّى وضعيتها لدى السلطات في أقرب الآجال. "لا لتسييس مطالبنا الاجتماعية" في المقابل، قرّرت النقابات الأخرى على غرار (السناباب) و(الساتاف) تعليق إضراباتها إلى ما بعد الحملة الانتخابية نظرا للوضع الحسّاس والصعب الذي تمرّ به البلاد، ويؤكّد مسؤولوها أنهم لا يريدون التصعيد تجنّبا للشوشرة وإثارة البلبلة. أعلنت اللّجنة الوطنية لعمال عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية استقالتها عن النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية (السناباب) بسبب محاولتها تسييس قضيتهم والتلاعب بمصير قرابة مليون عامل متعاقد والإدلاء بتصريحات مغلوطة على لسانهم، كما كانت قد أعلنت في وقت سابق عن تعليق جميع حركاتها الاحتجاجية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. وقد تبرّأت اللّجنة أمس في بيان لها من جميع البيانات التي قد تدعو إلى الاحتجاج في الفترة الرّاهنة ومن كلّ من يتحدّث باسم عمال عقود ما قبل التشغيل باستثناء اللّجنة التي تعتبر الممثّل الشرعي لهم، مؤكّدا زنها فضّلت الاستقالة عن نقابة (السناباب) لتعارض مواقفهما وأهدافهما، ونظرا للتدخّل المستمرّ للنقابة في الشؤون الداخلية للّجنة. وأوضح بيان اللّجنة الذي حمل توقيع رئيسها محمد بولسينة أنه في ظلّ المرحلة الحسّاسة التي تمرّ بها البلاد ولتفادي استغلال هذه الفئة في متاهات سياسية ونظرا لموقف اللّجنة المتعارض مع موقف نقابة (السناباب) وللتدخّل المستمرّ للنقابة في الشؤون الداخلية للّجنة ومحاولة منها فرض آراء لا تخدم اللّجنة الوطنية قرّرت أن تعلن استقلالها التام، وتعتبر اللّجنة الوطنية المستقلّة لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية الممثّل الرّسمي والوحيد لهذه الفئة دون تدخّل أيّ جهة، وأكّدت أنها ستبقى ثابتة ومستمرّة في نضالها السلمي والحضاري في إطار القانون حتى انتزاع جميع الحقوق. كما ندّدت اللّجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية سابقا بشدّة بكلّ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأمين العام للنقابة الوطنية المستقلّة لمستخدمي الإدارة العمومية بلقاسم فلفول على لسان فئة موظّفي عقود ما قبل التشغيل، مؤكّدة أن اللّجنة غير معنية بالكلام الذي أصدره بلقاسم فلفول في محاولة منه تبنّي قضيتهم على حدّ وصفها، حيث تبرّأت اللّجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل من كلّ تصريح أدلى به فلفول باسم فئة عمال العقود. المجلس الوطني ل "الساتاف" يقرّر تعليق الإضرابات قرّرت (الساتاف) تعليق الاحتجاجات التي تقوم بها إلى ما بعد الحملة الانتخابية، حيث قالت في بيان لها أمس إنها تشكر كلّ المنخرطين في النقابة على تفهّمهم نظرا للوضعية والظروف الحسّاسة التي تعيشها البلاد تجنّبا لصبّ الزّيت على النّار على حد قولهم، وعدم الدخول في إضرابات استجابة لبيان النقابة، مؤكّدة على ضرورة استمرار الحوار مع الوصاية من أجل معالجة الإجحاف وجميع الاختلالات الواردة في القانون الخاص. تعيش الجزائر في الوقت الرّاهن غليانا كبيرا لذلك يطلب من المضربين التريّث وعدم استغلال الحملة الانتخابية لتلبية مطالبهم في هذا الوقت بالذات، والتي يمكن أن تإجّج الوضع الذي لا يخدم أيّ طرف.