بقلم: الدكتورة ديمة طارق طهبوب منذ أن كنا طلابا في الجامعة كانت تواجهنا الصعوبات المادية لإقامة أي نشاط أو مشروع، وكوننا ضمن الاتجاه الاسلامي، لم نكن نتوقع أن يحصل أي دعم من إدارة الجامعة، فكان لزاما علينا أن نتعلم تأمين المصادر المالية بأنفسنا، ومن يومها تعلمنا (الشحدة المهذبة أو المستترة) وكنا قبل أن نطلب من الآخرين نبدأ بمصروفنا ثم ننتقل إلى الدوائر الأوسع من الطلبة ونجمل الأمر بالتحفيز للتبرع وتنشف ألسنتنا وتجف أقلامنا في التذكير بفضائل عمل الخير والصدقة والجهاد بالمال! ولا أذكر يوما فرحنا فيه بالوفرة بل كان الخارج دائما أكثر من الداخل والصادر أكبر من الوارد والنفقات تزيد على الربح! ومع كل نشاط جديد كان يعود الهم بتوفير السيولة وكم من أفكار عظيمة وإبداعية طواها النسيان لعدم توفر المال! لم يتغير الأمر بعد التخرج من الجامعة، فالملاحظ أن العمل الإسلامي يعاني دائما من عجز في الموارد المادية بسبب ضعف المشاريع الاستثمارية المنتجة للدخل، فالعمل الاجتماعي والإغاثي قائم على توفير اللقمة والهدمة والقسط والإيجار والعلاج ومتطلبات الحياة اليومية دون أن يغطيها عائد يضمن استمرارية الدخل وبالتالي استمرارية الكفالة والعطاء والأهم من ذلك نقل الفقير والمعوز من حالة الأخذ الدائم واليد السفلى إلى حالة الإنتاجية ليستطيع تأمين معاشه بنفسه وما ينتجه ذلك من استقلالية ورفع للكرامة أما بغير ذلك تبقى الأمور في مهب الريح مرتبطة بإقبال أو إدبار المتبرعين بحسب القلقلات الاقتصادية، وحتى العاملين في هذا المجال مل بعضهم من كثرة السؤال والتذكير وأحسوا بالتطفل وإراقة ماء الوجه بدل أن يكونوا محفوظي الكرامة والمكانة كواسطة خير بين المتبرعين وأصحاب الحاجات. إن هذه الموسمية هي داؤنا في كل شيء، فالله جعل للمحتاجين حقا معلوما في أموالنا بالزكاة وزاد بالصدقة والكفارة وفتح أبواب الإحسان المادي على مصارعها، فجعل دواء المريض بالصدقة واستجابة الدعاء وزيادة الرزق إلا أن الناس تجعل لذلك فضلة وفضول مالها متذرعة بأن الذي يحتاجه البيت يحرم على الجامع! وفي ظل الحاجة والفقر العام الذي نعيشه، حتى أصبح الموظف الحكومي تجوز عليه الصدقة وأصبح معظم الناس تحت خط الفقر، فالبيت إذن سيبقى دائما محتاجا ولن يبقى للجامع، بالمعنى الكبير الذي يشمل الأرض كلها مسجدا وطهورا، أي فائض إذن! وقد نتساءل هنا: ماذا كان يعني رسول الله صل الله عليه وسلم أن إخراج شق التمرة يقي من النار وأن الدرهم يفضل ألف درهم؟ هل المعنى حقيقي أم مجازي؟ هل الزيادة حقيقية أم زيادة البركة أم كلاهما؟ أم أن في الأمر أيضا تربية للنفوس على العطاء في كل الأحوال وبالذات أضيقها، تربية للنفوس أن تقرض الله، وهو الغني، في كل واقعة يستقرضها فيها، هذه النفس المعطاءة هي التي تثقل الميزان فتجعل شق التمرة والدرهم كنوزا يفيض بها الميزان ويبارك بها الله عندما ألزم الصهاينة اليهود حول العالم بدولار من أجل صهيون لم يكونوا يعولون على ذلك في بناء دولتهم أو استقرار ميزانيتهم ولكن الفكرة كانت أكبر من ذلك في إشعال جذوة الفكرة والالتزام في نفوسهم تجاه هذا المشروع ولو بمقدار دولار! أما قضايانا فلكثرتها فلا خرق الفقر والجوع رتقناه ولا المقدسات صنّاها ورممناها ولا المشاريع الإنتاجية أقمناها في الوقت الذي يمول شخص واحد هو الملياردير الأمريكي موسكوفيتش بناء المستوطنات في القدس تحديدا بشيك مفتوح من أجل تطرف وضلال فكرته في عودة أرض الميعاد وبناء الهيكل وهو ليس أكثر من مدير مافيا للملاهي ونوادي القمار، ولكن عندما يأتي الأمر للقدس تجده يصرح (طموحي تقديم كل ما أستطيعه لاستعادة القدس كاملة لليهود)! لو قارنا أنفسنا في نفس المرآة سنجد الصورة بشعة وغير مفهومة فكيف ينفق أهل الضلال انفاق من لا يخشى الفقر من أجل ضلالهم وكيف يمسك أهل الحق والهدى والإنفاق إحدى سبلهم لعيش جنة الدنيا والآخرة؟ لقد أدرك سيدنا عمر أن هذه الحالة قد تحصل فتعوذ بالله من جلد الفاجر وإصراره واستماتته ومن عجز الثقة وبخله وضعفه. فأي الفريقين نحن وهل عندما يستقرضنا الله نقرضه ولو بدرهم أو ما يعادل شق تمرة أم تبقى قلوبنا معلقة بمؤشر الرصيد كم زاد ونقص؟!