قال الله تعالى في محكم التنزيل: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [سورة الحديد، آية (7) . إن كل ما يحصل عليه الإنسان من مال، وما يجمعه من مكتسبات، هو هبة من الله تعالى، لا قدرة للإنسان فيه، ولا سبيل له إلى تحصيله بفطنته، بل إن الله تعالى هيأ له السبل حتى جمعه واكتسبه، لأن المال في الحقيقة مال الله، فهو المالك الحقيقي له، وليس للإنسان أن يتصرف فيه إلا بإذن المستخلف، وهو بمثابة الوكيل عليه. لذلك فإنه ينبغي للمسلم أن يواسي إخوانه المحتاجين بشيء من هذا المال، وينفق في وجوه الخير والبر، ويبذل للمستحقين، حتى ينال الأجر والثواب، من الله تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ”إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يُزبي أحدكم مُهْرَه أو فصيلَه، حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحد”. رواه البخاري ومسلم وابن خزيمة، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [سورة التوبة آية (104) ] أي: يقبلها. والصدقة في رمضان لها مزية على الصدقة في غيره، فينبغي للمسلم الاستكثار من صدقة التطوع في هذا الشهر الكريم، فقد روى أنس رضي الله تعالى عنه، قال: ”سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: ”صدقة في رمضان”. رواه الترمذي. ولو تأملنا حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، لوجدنا أن جوده كان يزداد في هذا الشهر عن غيره، فقد وصفه أصحابه رضي الله عنهم: بأنه كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وذلك لما علم عليه الصلاة والسلام من عظم أجر الصدقة فيه. لذلك فإنه ينبغي أن يتفقّد الغنيُّ أفراد مجتمعه المحتاجين، وينظر في أحوال الأرامل والمساكين، فيصلهم بشيء مما تفضل الله تعالى به عليه، فإن في الناس من لا يظهر المسألة ولا يدلف إلى أبواب الأغنياء ينتظر منهم العطاء، بل كما وصفهم الله تعالى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [سورة البقرة، آية (273) ]، ولذلك، فإن البحث والسؤال عنهم ومعرفة حاجتهم، مما ينبغي أن يهتم به أصحاب الأموال، حتى يجبروا كسر إخوانهم المحتاجين، ويسدوا حاجتهم وعوزهم، ولا تحقرن أيها المسلم شيئا وأنت تنوي به الصدقة، فإن فضل الله أعظم وأوسع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ”اتقوا النار ولو بشق ثمره”. متفق عليه، وقال أيضا: ”سبق درهم مائة ألف درهم”، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ”رجل له مال كثير، أخذ من عرضه مائة ألف في درهم، وتصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به”. رواه ابن خزيمة وابن حبان. وإذا تصدق المرء في شهره هذا، فإنه يكون قد جمع بين عدد من الخصال الكريمة، التي لا تجتمع إلا في رمضان، من الصيام والصدقة والقيام وطيب الكلام وشرف الزمان وقد قال عليه الصلاة والسلام: ”إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى، لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام”. رواه أحمد.