الحابل اختلط بالنابل! أصبح الحديث عن أمهر الأطباء وأبرعهم شبه منعدم بين أفراد المجتمع، وهذا بعد أن زاحمت الرقية الشرعية هذا الميدان العلمي وبقوة وأصبح كل من عجزت حبة الدواء عن تسكين دائه يبحث عن راق شغل الناس في مكان ما ليكون منقذا يخلصه من أوجاعه وآلامه النفسية والجسدية، ورغم اختلاط الحابل بالنابل لم يعد المواطن يفرق ما بين شيخ متمكن من أصول الرقية الشرعية أو من يتاجر بها لأن الغريق كما يقال يتمسك بقشة. حسيبة موزاوي انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة التّداوي بالقرآن الكريم عن طريق الرّقية الشرعية انتشارا واسعا، وانتشر معها الرّقاة من أهل العلم وكذلك من الجهلة والمشعوذين، وما أكثرهم، فأصبحَ لا يُفرَّقُ بين الرّاقِ الشّرعيّ، والجاهل الانتهازيّ، والمشعوذ الدجّال، وكلّ هذا في ظلّ نقص الوعي لدى العامّة من النّاس، وضعف الإيمان، والفهم الخاطئ أو المُشوَّه لحقيقة الرّقية الشّرعيّة ومتطلّباتها فما مدى مصداقية الرّقاة في مجتمعنا؟ هل هم بديل حقيقيّ عن الطبّ والأطبّاء أم مجرد تجّار دين؟ أصبح النّاس يلجأون إلى الرّقاة عند كلّ ضرّ يمسّهم أو ضيق يصيبهم أو مشكلة تعترضهم، كبيرة كانت أو صغيرة، وأصبحوا يؤوّلون هذه الأمور على أنّها عين حاسد أو مسّ من الجنّ أو سحر ساحر... ولا يخفى على أحد منّا عدد الذين تفاقمت مشكلاتهم بسبب اللجوء إلى الرّقاة المزعومين الذين لا يتورّعون عن الكذب والتّلفيق، لينالوا نصيبا من مدّخرات زبائنهم المساكين، وقد يحمّلونهم فوق ذلك مصائب لا تعدّ ولا تحصى، فكم من شخصّ اجتاحت حياته الوساوس من كثرة التردّد على الرّقاة، وكم من فتاة كُشفت عورتها وانتهك شرفها، بل قد يصل الحال أحيانا إلى حدّ القتل!! نعم القتل!! فهذه ليست قصص من نسج الخيال بل واقع مرّ حدث وما زال يحدث ويتكرّر في مجتمعنا... طوابير من الرابعة فجرا وصلت (أخبار اليوم) إلى بيت أحد الرقاة في بلدية برج الكيفان حيث اصطف عدد كبير من الرجال على الباب الخارجي للمنزل، أما المكان المخصص للنساء فقد كان ممتلئا عن آخره لا يستطيع المتواجد به حتى التنفس بسهولة، وجوه الجالسات كانت أكثر تعبيرا على حالتهن منهم نساء طاعنات في السن، وفتيات وحتى أطفال الكل قصد بيت الشيخ لعلة ما، ورغم أن المكان يحتاج إلى الصمت لأن الراقي يتلو آيات القرآن الكريم إلا أن صوت النسوة حجب صوت الراقي الموجود في الغرفة المجاورة حيث ما أن بدأت جلسات الرقية حتى تحوّل الحديث عن من جاءت أولا وكل واحدة تحكي عن مجيئها إلى الراقي من منطقة بعيدة جدا، وأن ما جاء بها هو المرض وليس الفرجة رغم أن هذا هو سبب مجيء العديد من الجالسات في المكان الذي خصصه الراقي لذلك، إلا أن المهم بالنسبة لهن هو الدخول إلى الراقي في أقرب وقت ممكن، ويبدو أن ضيق المكان المخصص للجلوس هو ما ساعد على احتكاك النسوة يبعضهن البعض وحدوث مناوشات بينهن رغم تحذير الشاب الذي يعمل رفقة الراقي إلا أن التحذيرات لا تنفع في مثل هذه المواقف. وشجارات لا تنتهي على قارورة ماء ومن بين النساء اللواتي التقينهن في المكان سيدة جاءت من بلدية المحمدية رفقة ابنتها التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، حيث بدت الفتاة شاردة الذهن ونظراتها يعلوها الخوف قالت والدتها إنها مصابة بمس من الجن وأنها تقصد الراقي مرتين في الأسبوع لإخراج الجن من جسد الصغيرة رافضة وبشكل مطلق أخذها إلى الطبيب النفساني كما نصح عدد من معارفها، فهي متأكدة أن ابنتها لا تعاني من أي مشكل نفسي وأن الأعراض التي تطرأ عليها بين الحين والآخر هي أعراض مس جن وهو ما اتفقت عليه باقي النسوة داخل بيت الراقي وأكدن للسيدة أن ابنتها تعاني من مس جني. ونحن ننتظر دورنا للحديث مع الراقي دخلت إحدى السيدات وهي تصرخ وتحاول الوصول إلى الشاب مؤكدة أنها أخذت موعدا منذ الرابعة فجرا وهي أحق بالدخول من غيرها وهو ما دفع بالنساء إلى الوقوف مطالبات باحترامهن. أما الرجال فالأمر يختلف عندهم قليلا فنادرا ما يحكي أحدهم قصة مجيئه للراقي، فالحكايات الغريبة والطريفة تحكيها النسوة دون غيرها ويبرعن في إقناع من حولهن بجدية مشاكلهن والأعراض المصاحبة لها. ضرب مبرح.. ربط بالأسلاك واغتصاب ! تحوّلت بيوت الرقاة إلى مراكز للتعذيب تستعمل فيها العصا لإخراج الجن من جسد المريض، ولا يهم إن كان ذكرا أم أنثى فالمعني بالضرب ليس الإنسان بل الجن الذي لا يخرج حسب الرقاة إلا بهذه الطريقة العنيفة التي اتفق عليها الرقاة جميعهم ولم نجد لها تفسيرا منطقيا، فإن لم تتمكن آيات القرآن من إخراج الجني فكيف لعصا تكسر جسد المريض أن تخرج منه جنيا استوطنه والأمثلة كثيرة جدا. مآسٍ كبيرة جدا عرفتها البيوت الجزائرية نتيجة مرض أحد أبنائها وتحول حياته إلى جحيم، ونتيجة لذلك أصبح الراقي الحل الذي ينصح به الجميع دون المرور إلى الطبيب النفسي أو حتى طبيب الأمراض العقلية، فالأمر مستبعد جدا في مثل هذه الحالات وحتى وإن وجد الشفاء طريقه إلى حالات عديدة فإن ذلك لا ينفي وقوع الكثير من المآسي في بيوت الرقاة. ومنها قصة فتاة من بومرداس قصدت راق بمدنيتها لإخراج الجني الذي كان صعب المراس فتحول الراقي إلى فنون التعذيب من ربط بالأسلاك الكهربائية وضرب مبرح لإخراج (العفريت) وانتهت الجلسة بجروح وكدمات على جسد الفتاة دون إخراج العفريت هي صورة مبسطة من مآسٍ عديدة لضحايا الرقية، قصص مؤلمة أبطالها رقاة هم في الحقيقة مشعوذون وحتى منحرفون استغلوا الدين للكسب السريع بطرق مشبوهة، ولعل أخطر حالة رقية اطلع عليها الرأي العام الجزائري هي تلك التي شهدتها منطقة باب الزوار بالعاصمة قبل نحو عامين حيث أقدم مشعوذ ادعى أنه راق شرعي على إجبار طفل وأخته على شرب 70 لترا من الماء وانتهت جلسات الرقية المزعومة بوفاة الطفلين، ثم ما لبثت أن تحولت الحادثة إلى قضية وطنية بعدما دخلت أروقة العدالة الجزائرية. (جميلة) هي حالة أخرى ضاقت بها الدّنيا وكثرت الوساوس في رأسها، كانت تعاني من أمراض نفسية، فلجأت إلى راقٍ معروف شخّص حالتها على أنّها مسّ ولا بدّ من مداواته، كان لهذا الرّاقِ طريقته الخاصّة في إخراج الجنّ، فقد كان يلجأ إلى استعمال الضّرب والكوي والصّعق بالكهرباء، وغيرها من طرق الإيذاء البدني. وقد كان (لجميلة) المسكينة حظّها الوافر من هذا العذاب، حتىّ لفظت أنفاسها بين يدي الراقي المزعوم، وما قصّة (جميلة) إلاّ عيّنة من تجاوزات الرّقاة الجهلة الكثيرة. مجرد نصيحة.. وما نحن هنا للتّقليل من شّأن الرّقاة أو التبلّي بهم ووضعهم جميعا في مكيال واحد، فهناك رقاةٌ أتقياء ومخلصون، يعملون وفق ما تنصّه الشّريعة والدين، هدفهم من ذلك علاج المرضى والترويح عنهم دون مقابل يرجونه. لكنّ السّؤال المطروح هو كيف نفرّق بين الرّقاة الشّرعيّين وبين الدجّالين والمشعوذين وهم يستعملون نفس الأداة في العلاج، ألا وهي القرآن الكريم. إنّه ليس من الصعب التّفريق بين الراقي الحقيقي والمزيّف، فهذا الأخير يشترط في كثير من الأحيان مبلغا لقاء قراءته، كما أنّه يطلب من المريض أشياءً يحضرها من بيته كالملابس ... إلخ، وأمّا الرّاقي الحقيقي فيكتفي بقراءة القرآن قراءة واضحة، والنّفث على المريض بعد ذلك والدعاء له ولا يَشترط أي مبلغ ماليّ وإنما تكون قراءته لوجه لله تعالى، إن أُعطي شكر وإن لم يُعط رضي، لكن رغم هذا، يبقى التّمييز بين الفريقين صعبا على كثير من العامّة من النّاس وخاصّة النّساء. ولاجتناب الوقوع في الشّبهات تبقى أفضل طريقة هي أن يرقي المرء نفسه بنفسه، وأن يحصّنها بالمواظبة على الأذكار الشّرعيّة، فقد ثبت في الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله إذا آوى إلى فراشه نفث على كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده). وفي الصحيحين أيضا عن عائشة قالت: (كان رسول الله إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها). المنظور الديني للظاهرة.. ومن جهته أوضح الإمام (م. جلول) ل(أخبار اليوم)، أن للسحر أنواع متعددة قائلا (هناك العديد من الأنواع أذكر على سبيل المثال لا الحصر السحر المعقود والمشروب، سحر المقابر، سواء تعلق الأمر بقبر أحد من العائلة المقربين مثل الأم، الأب، الجدة والجد، أو العمة أو العم، أو يتم دفن السحر في قبر منسي، كما يتم دفنه في أصيص الأزهار أو على الأشجار المثمرة، وأغلب السحر هو ذلك الذي يتم دفنه على عتبة البيت أو يوضع في حجر أساس البناءات الجديدة للبيوت، كما توضع أيضا استنادا إلى (م. جلول) داخل الوسادات، وفي جوف الأسرة خاصة للأزواج بغية تفريقهم عن بعضهما البعض، وهناك أيضا ما يسمى بسحر العيون، سحر المرشوش بالماء الميت وتراب النمل، حيث يتم رشه عند عتبات البيوت أو على جدران الغرف، وكذا سحر البخور، سحر الرباط، حيث يتم ربط المسلم أو المسلمة بالسكين أو الرمانة، أو خيط النيرة أو المقص، وهناك أيضا سحر المعلق، سحر ربط العروسين ليلة الزفاف، ومن المواد المستخدمة في السحر نجد الشعر، صور الشمسية، قطع من ملابس خاصة الداخلية، المني، قياس طول قضيب الرجل، الحلي، وأشياء أخرى حيث يتم قراءة القرآن على أرجاء البيت وحين يصل المسحور إلى مكان الذي فيه السحر يغمى عليه حتى يتم نبش هذا المكان ويستخرج منه الشيء المدفون، وقس على ذلك في القبور أيضا. وأضاف محدثنا قبل كل شيء نقوم بما يسمى بعملية الكشف على مواطن السحر والتي تقوم على أساس البحث فيما إذا كان هذا المريض فعلا يعاني من مس من الجن أو تناول السحر عن طريق الإنسان أو الجن الساحر في اليقظة والمنام الذي تعرض له الشخص المريض، أما إذا حدث وأن تبين بعد عملية الكشف أن ما يعاني منه المريض مرجعه إلى الوسواس وإلى اضطرابات نفسية ففي هذه الحالة يتم إرساله إلى عيادة مختصة في الأمراض النفسية، أما وإن تبين أن هذا الفرد فعلا يعاني من أمراض السحر هنا نبدأ عملنا بإذن الله. قال تعالى: فإذا مرضت فهو يشفين) الشافي هو الله وما نحن إلا بشر، أما عن كيفية ممارسة الرقية على مستوى الجمعية فتتم أولا عن طريق وضع الشخص المصاب في إطاره السليم كأن يكون جالسا في مكان على السرير أو كرسي، حيث يطلب الراقي من المصاب التركيز والخشوع عند قراءة الصور ولآيات السحر، ومغمض العينين، وراحتيه مقبوضتين، وعند بدء عملية القراءة والدعاء مثل (اللهم اكشف السحر بالقرآن الكريم المشروب المأكول المرشوش ونتابع في ذكر كل أنواع السحر المذكورة آنفا، ونضع أمام كل شخص ورقة مدون عليها أنواع السحر وبعدها نطلب منه وضع علامة أمام كل سحر تأثر به أثناء ذكرنا له كأن نقول السحر في الفراش أو عند عتبة الباب وهكذا لما يشعر برعشة في جسده وفتحت راحتاه أو أجهش بالبكاء أو أي حركة أخرى التي تثبت أنه فعلا مصاب هنا نرشده بالقيام بعدة علاجات، وننصحه بأن لا يتأخر على عملية العلاج حتى يشفى بإذن الله تعالى).