بقلم: زهير أندراوس هناك فئة أوْ مجموعة لا يُستهان بها، ولا يُمكن التقليل من تأثيرها السلبيّ على أجندة فلسطينيّ الداخل، وهذه المجموعة تقول بكلّ صلفٍ ووقاحةٍ إنّ العيش في إسرائيل، تحت حكم الصهاينة، هو جنّة عدن، مقارنةً بالعيش في الدول العربيّة الرجعيّة والاستبداديّة. هذه الفرقة حوّلت الأسرلة إلى صهينة، هكذا بدون لفٍ أوْ دوران، وتعريف الأسرلة، أوْ الصهينة، هو القبول بالأمر الواقع، والسماح لمؤسسات دولة الاحتلال بكيّ الوعي العربيّ الفلسطينيّ، وسلخ الفلسطينيين في الدولة العبريّة عن أمّتهم العربيّة وعن شعبهم الفلسطينيّ، وإلهائهم في متابعة ألعاب كرة القدم والانتخابات المحليّة، تماشيًا وتماهيًا مع مقولة الصهيونيّ دافيد بن غوريون، الذي يُعتبر في إسرائيل مؤسس الدولة اليهوديّة التي قامت على أنقاض الشعب الفلسطينيّ، وكان بن غوريون، الذي رفض حمل الهوية الزرقاء، لأنّ اللغة العربيّة موجودة فيها، قد أفتى بمنح العرب فرق كرة قدم ومجالس بلدية لكي يقضوا أيامهم ولياليهم على مدار السنة في نقاشات لا تُسمن ولا تُغني عن جوع. وبالمناسبة، يُمكن تعريف الأسرلة بأنّها اعتراف بالدولة العبريّة، التي زرعتها الإمبرياليّة في الشرق الأوسط، وبعد مرور 66 عامًا، ما زال الجسم يرفضها، على الرغم من جميع العمليات والمؤامرات، التي شارك بعض العرب فيها، لتثبيت هذه الكيان الاستعماريّ على حساب أكبر جريمة بحقّ الشعب الفلسطينيّ، الذي هُجّر وشُرّد من أرضه. *** وقبل الولوج في سبر غور هذه الظاهرة، لا بدّ من التأكيد على أننّا، نحن مَنْ نُواصل المرابطة على أرض فلسطين، ونحن الذين نعتبر فلسطين موطننا وإسرائيل ليست دولتنا، علينا التوضيح بشكلٍ لا لبس فيه: نعم، حصلنا على الجنسيّة الإسرائيليّة، نعم حصلنا على الهوية الزرقاء، ولكن هل كان أمامنا أيّ خيار آخر لنبقى هنا شوكةً في حلقهم؟ كما أنّه من الأهمية بمكان، الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدوليّ اتخذّ قرارًا يُلزم أقطاب دولة الاحتلال بالتعامل مع الأقليّات، أيْ نحن، كمواطنين، الأمر الذي دفع أوّل رئيس إسرائيليّ، حاييم فايتسمان إلى إطلاق مقولته الشهيرة بأنّ العالم سيُحدد علاقاته معنا استنادًا إلى تعاملنا مع الأقليّة العربيّة، أوْ بكلماته هو عرب إسرائيل. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من هذه المقولة الفارغة من المضمون، ما زالت إسرائيل وستبقى تتعامل معنا على أننّا أعداء بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. ألم يقُل رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، إننّا قنبلة ديمغرافية قابلة للتفجّر في كلّ لحظة؟ ألم يقل هذا الديماغوغ مع علامة الجودة والامتياز إنّ حلّ قضية العرب في الضفة الغربيّة المحتلّة وقطاع غزّة، الذي تحتلّه حماس، بات ممكنًا، وشدّدّ على أنّ المشكلة كانت وستبقى العرب في إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، علينا التذكير، هذا إنْ نفعت الذاكرة، بأنّ رئيس جهاز الأمن العام السابق (الشاباك الإسرائيليّ)، يوفال ديسكين قال جهارًا ونهارًا إنّ الجهاز سيُلاحق العرب الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة ديمقراطيّة ويهوديّة. في العام 1966 أعلنت إسرائيل عن إلغاء الحكم العسكريّ، الذي كان مفروضًا على فلسطينيي الداخل منذ النكبة، ولكن باعتقادنا المتواضع، فإنّ الحكم العسكريّ ما زال قائمًا، ولكن بأساليب وطرق أخرى، لا مجال في هذه العُجالة التطرّق إليها. *** وعودُ على بدء: مجموعة المتأسرلين على اختلاف انتماءاتهم، يُشكّلون باعتقادنا المتواضع جدًا، ظاهرة خطيرة، لا تقّل خطورة عن الانخراط في جيش الاحتلال، أوْ في الخدمة المدنيّة، ناهيك عن عملاء الصف الأوّل، والصف الثاني، وما إلى ذلك من عملاء خانوا شعبهم من أجل دولةٍ قامت على أنقاضه. خطورة هذا التوجّه تكمن في انتشاره الواسع في مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ في الداخل، برّبكم، كيف يُمكن أنْ أشرح لابني، وهو في ال19 من عمره، أنّ العديد من الأعراب يستعملون مصطلح عيد استقلال إسرائيل؟ بدينكم، كيف لي أنْ أُفسّر لابني أنّ شرائح واسعة من أعراب ال48 يخرجون في يوم نكبتنا، يوم استقلالهم، للنزهات والرحلات وشواء اللحوم في الأحراش؟ هذا الأمر من الصعب، إنْ لم يكُن مستحيلاً تفسيره. الضحية تحتفل مع الجلاد بما يُطلق عليه هو يوم الاستقلال. وكي نكون على صواب، يجب التأكيد على أنّ كل من يقوم بهذه الأعمال المُشينة، إنّما يُوجّه لنا ضربةً من حيث يدري في الصميم، ويخدم من حيث لا يدري سياسة الصهيونيّة القاضية بالتعامل معنا على أننّا قبائل، ومجموعات دينيّة وأخرى مذهبيّة، لأنّ هذا الكيان منذ أنْ أخرجه الاستعمار إلى النور تبنّى سياسة فرّق تسُد، وها هو يُطبقها بحذافيرها مستعملاً هذه الأدوات الرخيصة لتمريرها، وتضييق الحيّز الممنوح لنا، أكثر. ولا غضاضة في هذا السياق الإشارة إلى أنّ المأفون والعنصريّ والمستجلب الفاشيّ، أفيغدور ليبرمان، رئيس الدبلوماسيّة الإسرائيليّة قال في مقابلةٍ مع شبكة تلفزيون أمريكيّة، عندما سُئل عن العرب، قال إننّا نمنحهم الحريّات، وأكبر مثال على ذلك، أضاف هذا المستوطن، النواب العرب في البرلمان الصهيونيّ. بكلماتٍ أخرى، الصهاينة يستغّلون تواجد عرب في الكنيست لتسويق ديمقراطيتهم المزيّفة من الألف حتى الياء، وأيضًا، المؤسسة الصهيونيّة تستخدم النواب العرب في البرلمان كورقة التين للتستر على عوراتها، ذلك أنّ إسرائيل هي ديمقراطية لليهود، ويهودية للعرب، أوْ غير اليهود، وحتى العرب الدروز الذي يخدمون في جيش الاحتلال يتعرّضون للتمييز العنصريّ: فقد مُنع ثلاثة جنود من أبناء الطائفة المعروفية من الدخول إلى الفرن الذريّ في ديمونا، وأكثر من ذلك، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف ولماذا بعد مرور 66 عامًا لم يتمكّن أيّ عربيّ درزي من الانخراط في سلاح الجو الإسرائيليّ؟ لماذا لا يوجد حتى ولو طيارًا واحدًا من غير اليهود؟ هذه ليست عنصريّة، هذه الفاشيّة بأبشع تجلياتها؟ ومنعًا للالتباس، السؤال لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أننّا نؤيّد خدمة العرب الدروز في أعتى جيش في العالم. *** علينا الاعتراف والإقرار، بالرغم من أننّا لا نجلس على كرسيّ الاعتراف، بأنّ مجموعة المتأسرلين، التي تتخذ من مقولة: شو صاير علينا هون، مبدأً ونمط حياة، تتنامى وتزداد في ظلّ وهن وعجز القيادة العربيّة الفلسطينيّة في الداخل، ونقول هذا الكلام ليكون بمثابة ناقوس خطرٍ وإنذارٍ لأبناء شعبنا، لكي لا تتلطخ أياديهم بالانتماء إلى أحزاب صهيونيّة، أو التصويت لها في الانتخابات العامّة. ولكي لا نتصرّف كالنعامة، علينا توجيه السؤال المفصليّ: هل القيادة تقود أمْ مُقتادة من قبل الرأي العام في مناطق ال48؟ لا يوجد لدينا أدنى شك، بأنّ الفئوية والحزبيّة تغلّبت بالضربة القاضية على من يُطلقون على أنفسهم بالقيادة، وهذا الأمر ينعكس على الجماهير في القرى والمدن والمجمعّات العربيّة، وهو برأينا تحصيل حاصل. ففي المظاهرات، هناك فئة تُقاطع لرفضها مشاركة النساء، وهناك فئات أوْ أحزاب تُصّر على رفع أعلامها، مع أنّ هذه الأحزاب عينها تُطالب قبل المظاهرات برفع العلم الفلسطينيّ فقط. وهذا الأنموذج يُدلل على أنّ المحاولات العنتريّة لتوحيد الهدف باءت بالفشل الذريع، والحديث عن أقليّة قوميّة متماسكة ومتعاضدة للنضال ضدّ سياسات إسرائيل العنصريّة، التي تسير بسرعة الضوء، نحو سياسة الفصل العنصريّ (الأبرتهايد)، ما هو إلا ذرٌ للرماد في العيون، فأحيانًا، يُخيّل للإنسان الفلسطينيّ في الداخل بأنّ القيادة في وادٍ والجماهير في وادٍ آخر، وبالتالي فإنّ استباحتنا من قبل الصهاينة تُصبح مهمةً سهلةً، تارةً بالتهديد والوعيد، وتارةً بالوعود والإغراءات التي لا تُنفذ بالمرّة. *** وختامًا، نقول لأولئك الذين يتشدّقون ويقولون_ شو صاير علينا_، نقول لهم، ولا شيء صاير علينا، نعيش في جنة عدن على الأرض. لعلمكم فقط، أنّه في الدورة الحالية للبرلمان الصهيونيّ هناك أكثر من عشرين اقتراح قانون ضدّ الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصلانيين.... سلبوا أرضنا، هتكوا عرضنا، وأقعدونا على الخازوق الذي دُقّ من شرم الشيخ إلى سعسع، وعوضًا عن إسماع صوت الألم، تقولون: أح، أح، من شدّة اللذة المازوخيّة، في حين تقول باقي شعوب المعمورة أخ، أخ من شدّة الوجع!!!