بقلم: الدكتور عبد الرحيم جاموس الراصد لتصرفات الكيان الصهيوني في مواجهة الوطنية الفلسطينية المتنامية، والتطور النوعي في الموقف الدولي من القضية الفلسطينية ومن الاحتلال الإسرائيلي، والذي تجسد في قرار الجمعية العامة رقم 19/67 وتاريخ 29/11/2012م القاضي بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من جوان للعام 1967م وقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأممالمتحدة وما يترتب على ذلك، يدرك مدى الأزمة التي بات يتخبط فيها الكيان الصهيوني وقادته، الذين لم يدركوا بعد، أن شرعية القوة قد بدأت تتآكل أمام قوة شرعية الحق والعدل والقانون، ولم يدرك قادة الكيان الصهيوني أن استثمارهم لدور الضحية قد استنزف، والذي جرى تأسيس كيانهم وسياساتهم على أساسه. لقد تم مأسسة الحركة الصهيونية بما عرف بالمسألة اليهودية في أوروبا، ونجحت في توظيف الممارسات العنصرية والفاشية التي تعرض لها اليهود في أوروبا، سواء منها المنظمة أو العفوية، وجرى تتويج ذلك بما عرف بالهولوكوست على يد النازية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، لتضع الضحية اليهودية في رأس ضحايا الحرب العالمية الثانية التي زاد عدد قتلاها على ستين مليوناً، بل واعتمادها كضحية متميزة ولم يعد يتذكر العالم منها سوى الضحايا اليهود، الذين لا يتعدون الآلاف أو عشرات الآلاف، ونحن إذ ندين كافة الأعمال الإجرامية التي استهدفت الجنس البشري عبر التاريخ بما فيها التي استهدفت اليهود في أوروبا وعلى وجه الخصوص على يد النازية الألمانية، إلا أن ما أقدمت عليه الحركة الاستعمارية الصهيونية من توظيف وتوصيف للمأساة اليهودية كان في حد ذاته جريمة في حق الإنسانية، حيث جرى اقتلاع اليهود من مجتمعاتهم وضرب النسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات على أسس عنصرية دينية، لتصنع منهم الحركة الصهيونية مجتمع استعمار غير متجانس، لا يجمعه سوى أنه كان ضحية على الدوام، وأن خلاصه يكمن في التجمع والتحول إلى مجتمع وكيان استيطاني في حالة حرب دائمة مع السكان الأصليين للإقليم (فلسطين) والمنطقة العربية برمتها، وقد واصل الكيان الصهيوني منذ النشأة تقديم نفسه ((ضحية التهديد الدائم)) من الفلسطينيين والعرب على السواء، لإدراكه التام مدى تناقض غاياته الاستعمارية ووجوده مع شعوب المنطقة تراثياً وحضارياً ومصلحياً، ولذا لم يكن يتسنى له الوجود لولا ارتباطه الوثيق بالحركة الاستعمارية الغربية، التي فرضت على المنطقة العربية خلال القرن العشرين وعقب الحرب العالمية الأولى. قبل أيام وفي أثناء زيارة نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى برلين وفي سياق مراسم تذكارية أجريت في محطة قديمة للقطار في برلين ((كان يرسل منها اليهود إبان الحرب العالمية الثانية إلى معسكرات الإبادة في بولندا)) قال: ((إن الهولوكوست جعل للشعب اليهودي اليوم دولة وجيشاً قوياً)) وتجامله المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في نفس المناسبة ((بالتأكيد أن لا مساومة على أمن إسرائيل)) وكأنها تُكفر وتعتذر هي الأخرى عن مواقف ألمانيا النازية في حق اليهود على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ويتجاهل الطرفان المأساة التي أوجدها قيام دولة نتنياهو على أرض فلسطين، التي تزيد بشاعة وإجرامية عن جرائم النازية في حق اليهود والبشرية جمعاء، وإنها تعد استمراراً لنفس النهج الإجرامي الذي اتبعته النازية في حق الشعوب، فإذا كان اليهود ضحية من ضحايا النازية، فإن الصهيونية وأهدافها وممارسات كيانها في فلسطين وفي حق الشعب الفلسطيني إنما هي نازية جديدة ضحاياها هم الشعب الفلسطيني وحقوقهم المشروعة في وطنهم فلسطين، وهنا وفي إطار التغطية على استمرار جرائم الصهيونية في حق الفلسطينيين يصرح نتنياهو ويقول: ((إن أعداءنا يريدون تدمير إسرائيل))، وأن ليست لديهم نية للتسوية، وينظر لأعمال المقاومة الشعبية والسلمية وغيرها من الفلسطينيين أنها أعمال تؤدي إلى تدمير إسرائيل، كما ينظر للنضال السياسي والدبلوماسي الذي تقوم به الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة م.ت.ف أنها أعمال إرهابية أيضاً !!! ولا يتوانى قادة الاحتلال الصهيوني عن إطلاق تهديداتهم للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها رئيس دولة فلسطين محمود عباس، الذي يسعى جاهداً إلى إقرار تسوية سياسية للصراع على أساس الشرعية الدولية، وإقامة دولة فلسطين على الأراضي المحتلة عام 1967م بجوار الكيان الصهيوني، ويصنف من قبل المؤسسة السياسية والعسكرية الحاكمة للكيان الصهيوني بأنه أخطر رجل على أمن ومستقبل إسرائيل؟!! لقد استنفذ الكيان الصهيوني كامل رصيده كونه ضحية يحتاج للمساعدة والحماية والتعويض تكفيراً عن الخطايا المرتكبة تاريخياً في حق اليهود، بعد أن أصبح لليهود دولة وجيشا قويا، يتساقط ضحاياها يومياً من الشعب الفلسطيني وتفرض احتلالاً على الشعب الفلسطيني من أبشع صور الاحتلال وأطولها وآخرها على الكرة الأرضية. وإن الضحية اليوم التي يجب الانتصار إليها من المجتمع الدولي هي الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال العمل الدولي الفوري والجاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وأن الكيان الإسرائيلي غير واقع تحت أي شكل من أشكال التهديد التي تؤدي إلى تدميره، إنما هو الذي يمارس كافة أشكال التهديد والتدمير لحياة الشعب الفلسطيني، الذي وضعه في معازل بشرية في قطاع غزةوالقدس وباقي أنحاء الضفة الغربية، في زمن لم يعد فيه مكان ولا وجود لأي احتلال، أو أي ممارسة فاشية أو نازية أو عنصرية إلا في فلسطين، فقد آن الأوان لقادة الكيان الصهيوني أن يدركوا أن احتلالهم للأراضي الفلسطينية لم يعد هناك ما يبرره سوى استمرار شهوة التوسع والاستيطان وممارسة الإرهاب والجريمة المنظمة في حق الشعب الفلسطيني الذي هو الضحية الحقيقية التي تستوجب التعويض ورد الاعتبار وتوفير الحماية والأمن لها، وإنقاذها من سياسات الكيان الصهيوني العنصرية والفاشية والنازية الجديدة المستمرة والمتواصلة، والتي تتخذ شكل العقوبات الفردية والجماعية، والتي يعاقب عليها القانون الدولي ويعتبرها جرائم في حق الإنسانية، لهذا تصاب اليوم قيادة الكيان الصهيوني بعصاب سياسي لا مثيل له، فهي تطلق التصريحات الهوجاء وتتخذ القرارات غير العقلانية التي لن تعود عليهم وعلى كيانهم إلا بمزيد من العزلة والحصار والشجب والإدانة، وعبثاً أن يتمكنوا من استعادة دور الضحية الذي استنزف أمام استمرار جرائمهم واحتلالهم واستيطانهم للأراضي الفلسطينية وعقوباتهم الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني. --- مقتطفات---- تم مأسسة الحركة الصهيونية بما عرف بالمسألة اليهودية في أوروبا، ونجحت في توظيف الممارسات العنصرية والفاشية التي تعرض لها اليهود في أوروبا، سواء منها المنظمة أو العفوية، وجرى تتويج ذلك بما عرف بالهولوكوست الصهيونية وأهدافها وممارسات كيانها في فلسطين وفي حق الشعب الفلسطيني إنما هي نازية جديدة ضحاياها هم الشعب الفلسطيني وحقوقهم المشروعة في وطنهم فلسطين. الضحية اليوم التي يجب الانتصار إليها من المجتمع الدولي هي الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال العمل الدولي الفوري والجاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.