يقول شهود عيان ممن زاروا الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما فيها مدينة عكا التي شهدت مؤخرا صدامات بين المستوطنين اليهود وفلسطينيي الداخل،إن الشارع الفاصل بين الأحياء اليهودية وبين نظيرتها العربية غربي المدينة، يبدو وكأنه يفصل بين عالمين مختلفين تماما؛ فمنازل اليهود على الجهة الشمالية من الشارع عبارة عن فيلات تحيطها الحدائق الغناء، فيما تبدو منازل الفلسطينيين على الجهة المقابلة وكأنها آيلة للسقوط، ... ورغم ذلك فالفلسطينيون الذين بقوا على أرضهم في فلسطينالمحتلة . يقفون في وجه مشروع ''الاسرلة'' وقد دفع الموقف التقليدي الرافض ل ''الأسرلة'' والذوبان في الدولة العبرية، لاعتبارهم تهديدا حقيقيا أمام إسرائيل، .. ------------------------------------------------------------------------ عكا ..ومخططات التهويد ------------------------------------------------------------------------ شهدت مدينة عكا في الأيام القليلة الماضية ، صدامات عنيفة بين الفلسطينين والمستوطنين اليهود، وفي هذا السياق يقول الكاتب صالح النعامي إلى جانب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعانيها فلسطينيو عكا، فإنهم يواجهون مخططا لتهويد مدينتهم؛ ويشير الكاتب الى ما قاله الصحفي الإسرائيلي ''جدعون ليفي'' الذي أكد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة معنية بمواصلة احتفاظ اليهود بالأغلبية الديموغرافية، وفي هذا السياق عملت حكومات إسرائيل خلال العقود الثلاثة الأخيرة أيضا على تعزيز الوجود اليهودي، من خلال إقامة أحياء جديدة في منطقة شرقي المدينة، والتي تبلغ نسبة اليهود فيها 90%.، ودأبت إسرائيل على دعوة يهود الشتات إلى التحرك ل''إنقاذ'' عكا من الفلسطينيين، وأكثر اليهود الذين استجابوا لهذه النداءات هم من الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق، والذين يعانون أيضا من الفقر، إضافة إلى أنصار الجماعات الدينية المتطرفة الهادفة إلى طرد الفلسطينيين، ويضيف الكاتب صالح النعامي أن غلاة المتطرفين من اليهود المنتمين للتيار الديني الصهيوني أقاموا مدرسة دينية عسكرية يطلق عليها ''يشيفوت ههسدير''.، وتجمع هذه النوعية من المدارس بين التربية العسكرية والدينية، ويقود طلابها عمليات التحريض على الفلسطينيين؛ حيث دشنوا عدة مواقع على شبكة الإنترنت لنشر موادهم التحريضية، كما أن رئيس البلدية يهودا لانكري، المنتمي لحزب الليكود اليميني المتطرف، من أكثر المحرضين ضد الفلسطينيين في عكا، ولانكري عقيد متقاعد خدم كقائد كتيبة في لواء النخبة ''جولاني'' المسؤول عن العديد من المجازر بحق الفلسطينيين، ويوضح النعامي، انه منذ النكبة يحاول الإسرائيليون تهويد عكا، ويصف المؤرخ اليهودي إيلان بابيه في كتابه ''الترحيل العرقي في فلسطين'' مشاعر الفرح العارمة التي سيطرت على الجنرال يغآل ألون، قائد فرقة ''البلماخ''، وهي القوة الضاربة لعصابات ''الهاجانا''، الذراع العسكري للحركة الصهيونية، عندما دخل عكا في جويلية 1948 وقد خلت تماما من أهلها العرب بعد أن طردتهم عناصره المسلحة، ويشير ''بابيه'' إلى أن ''ألون'' أمر المسلحين التابعين له بتدمير كل ما يربط عكا بحاضرها وماضيها الإسلامي والعربي، وبالفعل شرعوا في تدمير المساجد بالأحياء الشرقية، لكنهم توقفوا بعد أن صدرت لهم أوامر بالتحرك جنوبا، وبرغم عمليات القتل الجماعي، وإجبار 90% من أهالي عكا على ركوب البحر نحو لبنان وسوريا، فإن ما تبقى من الفلسطينيين، والذين لجئوا إلى القرى المجاورة، عادوا إلى مدينتهم بعدما غادرها مقاتلو ''ألون''. يذكر انه يعيش في عكا نحو 15 ألف فلسطيني، وهو ما يمثل 30% من سكان المدينة البالغ حوالي 50 ألف نسمة، وفقا لتقديرات فلسطينية. ------------------------------------------------------------------------ تمييز دائم وانتهاك سافر ------------------------------------------------------------------------ كشف استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجري شهر ماي الماضي، رغبة جارفة بالتخلص مما سمّوه ''التهديد العربي'' الذي يشكله فلسطينيو ال,48 حيث أيد 75% من المشاركين في الاستطلاع ترحيل الفلسطينيين من أرضهم في إطار ''الحل الدائم'' مع السلطة الفلسطينية، وبيّن الاستطلاع الذي أجراه معهد ''بانلس'' لصالح ''تلفزيون الكنيست'' أن 25% من الإسرائيليين قالوا ''في إطار تسوية لإقامة دولة فلسطينية هناك شرعية للمطالبة بترحيل فلسطينيين ال,''48 فيما أبدى 29% تأييدهم لترحيلهم كلهم، وأشار 28% منهم إلى تأييدهم للترحيل ''على أساس الولاء أو عدمه'' للدولة العبرية، أي ترحيل غير الموالين للدولة العبرية. هذه النتائج والأرقام على خطورتها تعطي إشارات واضحة ليست بحاجة إلى شروحات كثيرة، تظهر كيف ينظر إلى فلسطينيي 1948 بالمنظور الإسرائيلي، من حيث إنهم يشكلون ''تهديدا أمنيا''، وبالتالي فإنه من وجهة النظر اليهودية، يشكل المواطنون العرب جزءا من ''العدو''، وإخلاصهم للدولة مشكوك به، وتمارس عليهم الدولة رقابة مشددة، كي لا يترجم موقفهم المعادي إلى سلوك معاد، و''إسرائيل'' بالمناسبة لا تتوقع منهم أن يغيروا موقفهم، وتكتفي بألا ينزلقوا إلى مساعدة العدو. ------------------------------------------------------------------------ سياسة التهجير الإسرائيلية وتفريغ المدن من الفلسطينين ------------------------------------------------------------------------ يجمع أغلب المحللين السياسين، بأن السنوات السيتن الأخيرة تشير بما لا يدع مجالا للشك أن الوجود العربي في المدن المختلطة جزء من السياسة الإسرائيلية العامة تجاه الأقلية العربية؛ ولهذا الوجود خصوصيته وظروفه الموضوعية الخاصة، فحتى سنة 1945 كان ثلث السكان في فلسطين من المدنيين، ممن سكنوا المدن الكبرى في حيفا، وعكا، ويافا، واللد، والرملة، وفي عام 1948 كان التركيز الإسرائيلي على تهجير معظم سكان المدن إلى خارج الحدود. وحسب إحصاءات سنة 1944 فقد سكن في يافا 94300 مواطن، منهم 66300 فلسطيني، وبعد عمليات التهجير بقي 3900 فقط، وفي مدينة اللد بقي 1000 من أصل ,40.000 وفي الرملة 900 من أصل ,17.000 وفي هذه المرحلة فقدت المدن الفلسطينية مراكزها وأهميتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقضت السياسة الإسرائيلية المتبعة -بعد إفراغ المدن- بتجميع السكان الباقين ومحاصرتهم داخل مراكزها، ومنع حركة التنقل فيها، فكان الهدف الأول تهويد المدينة العربية ومحو معالمها التاريخية، بتنفيذ عمليات هدم جماعي للمباني المتروكة. العامل الديموغرافي .. ------------------------------------------------------------------------ الغول الذي يؤرق مضاجع الاسرائليين ------------------------------------------------------------------------ تتناول التقارير الإسرائيلية بقلق ظاهرة سكن العائلات العربية في المدن اليهودية والتي أقيمت بشكل خاص في الجليل، ولا تخلو هذه التقارير من تناول هذه الظاهرة بأدوات ومضامين عنصرية، ولا تتردد في وصفها ''خطرا ديموغرافيا''، أو ''شبحا ديموغرافيا''، أو ''ظاهرة خطيرة''، في حين يذهب بعض المسؤولين في عدد من السلطات المحلية الإسرائيلية فيها للقول بأن الحديث هو عن حملة منظمة من قبل العرب للسيطرة على المدن اليهودية، و يشكل فلسطينيو 48 ما يقارب 20% من إجمالي تعداد السكان في الدولة، وفي ظل تدني معدلات الهجرة اليهودية إلى داخل إسرائيل، وفي ظل تقلص عدد الولادات داخل الدولة، فهذا يعني أن نسبة الفلسطينيين ستقفز إلى معدلات أكبر. وحسب معطيات قدمها زعيم المعارضة اليمينية في الكنيست ''بنيامين نتنياهو'' خلال مؤتمر ''هرتزيليا'' متعدد الاتجاهات ، فإنه يتوقع أن تصل نسبة فلسطينيي 48 إلى 40% من إجمالي عدد السكان، خلال عقدين من الزمان، وهذا تطور بالغ الخطورة من وجهة نظره. ويضيف أنه من الممكن أن يسيطر فلسطينيو 48 على مقاليد الحكومة بدون أي وسيلة عنيفة، وذلك من خلال صناديق الاقتراع. ولقد تباهى ''نتنياهو'' علنا بأنه من خلال منصبه كوزير للمالية في حكومة شارون السابقة عمل على تقليص المخصصات التي تمنح للعائلات كثيرة الأولاد، من أجل تقليص رغبة العائلات الفلسطينية في الولادة، وإذا أضفنا إلى ذلك التعداد السكاني للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الواقع يكون أكثر حرجا لإسرائيل، حيث إنه حسب دراسات أجريت مؤخرا -في الوقت الحالي- هناك تقريبا تفوق للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة والقطاع وداخل إسرائيل على اليهود. وكما يقول الكاتب اليهودي تسفي بارئيل، فإن عدم حل القضية الفلسطينية يعني أن تتحول إسرائيل إلى دولة ''أبارتيد'' بكل ما تعني الكلمة، حيث إن الأغلبية اليهودية غير مستعدة للتنازل عن الحكم. ------------------------------------------------------------------------ فلسطينيو ..48 مشاركة متزايدة في المقاومة ------------------------------------------------------------------------ تشير دوائر صنع القرار في الدولة العبرية بشكل عام إلى أن هناك مؤشرات على توجهات مقلقة داخل فلسطينيي 48 للمشاركة في عمليات المقاومة، ويعتبر ''يوفال ديسكين'' رئيس جهاز المخابرات، أن هذه التوجهات بالإضافة إلى ''التحريض'' الممارس من قبل قيادات فلسطينيي 48 يشكل تهديدا إستراتيجيا للدولة العبرية ذاتها، وقد أكدت مصادر أمنية إسرائيلية نجاح المقاومة في نقل جزء من بنيتها التنظيمية، وتوسيع دائرة المشاركة إلى داخل الأراضي المحتلة عام ,1948 من خلال تجنيد عدد من الشبان في صفوفها، ولوحظ أن هناك تصاعدا منهجيا تدريجيا في النشاطات المسلحة التي يشارك فيها عرب ال,48 وبدأ هذا الاتجاه في مطلع التسعينيات، واستمر مع انهيار اتفاق أوسلو، ليصل ذروته منذ اندلاع انتفاضة الأقصى. ووفقا لتقارير الشاباك فقد تميزت مشاركة فلسطينيي الداخل في العمل المقاوم بظاهرتين مركزيتين أولا: التنفيذ حيث عملت 8 خلايا كمنفذي عمليات، وتحملوا جزءا من التنفيذ، مما يدل على زيادة طابع التوجه للتنفيذ، سواء خطف جنود، إطلاق نار، طعن، ويمكن الإشارة هنا إلى الاستشهادي الأول من عرب فلسطينالمحتلة عام ,1948 وهو ''شاكر حبيشي'' أب لسبعة أطفال، فجّر نفسه على رصيف محطة القطارات في مدينة نتانيا، حيث قتل 3 إسرائيليين وأصيب 46 آخرون. وثانيا: المساعدة فقد ساعد فلسطينيو الداخل في تنفيذ عمليات فدائية من خلال جمع معلومات عن أهداف مقترحة لعمليات محتملة، كالمساعدة في البحث عن مجندين جدد، ونقل وسائل قتالية من الخارج، ومن إسرائيل إلى المنظمات الفلسطينية في الضفة والقطاع. يذكر انه منذ عام ,1966 اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء الحكم العسكري الذي كان مفروضا على فلسطينيي ,48 و حاولت مؤسسة الحكم العبرية استخدام القوة الناعمة في تدجينهم ودفعهم نحو الانصهار في دولة الاحتلال، والقضاء على المركبات الإسلامية والعربية والفلسطينية التي تشكل هويتهم الوطنية. ومن أجل ذلك عمدت دولة الاحتلال، على تشجيع المثقفين من فلسطينيي 48 على الاندماج في الأحزاب الصهيونية القائمة، التي حاولت إغراء هؤلاء الفلسطينيين للانضمام إليها بزعم أن هذه هي الوسيلة المثلى للقضاء على عدم المساواة التي تمارسها الدولة ومؤسساتها ضدهم. جميع الأحزاب الإسرائيلية وجدت في فلسطينيي 48 احتياطيا انتخابيا لها، فكان معظم فلسطينيي 48 يصوتون لحزب العمل والأحزاب التي تقع على يساره، والتي كانت تخصص مقعدا مضمونا لممثل عن فلسطينيي .48 وقد شكل مشروع ''الأسرلة'' في بداية تطبيقه بعض النجاح، إذ إن نسبة من فلسطينيي 48 كانت تصوت حتى للأحزاب اليمينية مثل الليكود والمفدال وشاس، واستطاعت مؤسسة الحكم إيجاد نخبة سياسية داخل فلسطينيي 48 تعاطت مع مشروع ''الأسرلة'' وعملت على تسويقه والدفاع عنه، لكن مؤسسة الحكم في إسرائيل صعقت عندما تبين في النهاية أن مشروع ''الأسرلة'' لم يفشل فقط في تحقيق أهدافه، بل إنه دفع فلسطينيي 48 عمليا إلى تبني أجندة متحدية للدولة ومؤسساتها. وقد تمثل فشل مشروع ''الأسرلة'' لأول مرة في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عندما برزت الأحزاب العربية لتمثيل فلسطينيي ,48 وأخذ يتلاشى بشكل واضح تأثير الأحزاب الصهيونية عليهم، بحيث تدنت نسبة الفلسطينيين الذين يصوتون لصالح هذه الأحزاب بشكل كبير ولافت.