انتهى الحلم المونديالي بالنّسبة للجزائريين، لكن لن تمحى تلك الصور الجميلة التي رسمها شبّان الجزائر أمام كلّ من كوريا الجنوبية وتعادل أمام روسيا وخسارة بطعم الفوز أمام ألمانيا. وباستثناء مباراة روسيا التي لعبت في مدينة كوريتيبا فإن مبارتي كوريا الجنوبيةوألمانيا التي لعبت في مدينة بورتو أليغري ستبقى خالدة بما قدّمه شبّان الجزائر أمام هذين المنتخبين، والأكيد أن هذه المدينة مسحت ألم خيخون من قلوب الجزائريين بعد مباراة العار بين ألمانياوالنمسا التي تواطأ فيها هذان المنتخبين على حساب الجزائر من أجل حرمانه من بلوغ الدور الثاني. على مدار 32 عاما ظلّت مدينة خيخون الإسبانية المدينة التي شهدت أبرز انتصار في تاريخ المنتخب الجزائري خارج أرضه عندما تغلّب على نظيره الألماني (2 - 1) في بطولة كأس العالم 1982 بإسبانيا، والتي كانت أوّل مباراة ل (الخضر) في تاريخ بطولات كأس العالم. وخلال أكثر من ثلاثة عقود، ظلّت مدينة خيخون محفورة في أذهان مشجّعي (الخضر) الذين اعتبروها بمثابة الفأل الحسن لفريقهم رغم المؤامرة التي حاكها المنتخبان الألماني والنمساوي سويا للإطاحة ب (الخضر) من الدور الأوّل للمونديال الإسباني. لكن مدينة خيخون وجدت أخيرا من ينافسها في قلوب أنصار (الخضر) بعدما تركت مدينة بورتو أليغري وقعا رائعا في نفوس مشجّعي المنتخب الجزائري، حيث شهدت في غضون تسعة أيّام فقط اثنتين من أبرز المباريات في تاريخ (الخضر). من دموع الأسى إلى دموع الفرح الخسارة أمام بلجيكا كانت نعمة على "الخضر" بعد الهزيمة من المنتخب البلجيكي (1 - 2) في بيلو هوريزونتي كانت معظم التوقّعات التي أحاطت بالفريق تشير إلى أنه على وشك تسجيل نتيجة أخرى سلبية في مواجهة منتخب كوريا الجنوبية ليودّع البطولة مبكّرا. لكن المنتخب الجزائري فاجأ الجميع بعرض رائع وفوز عريض ومستحقّ (4 - 2) على نظيره الكوري بملعب (بييرا ريو) في بورتو أليغري، ليصبح هذا الفوز مفتاح الفريق لإنعاش فرصه في التأهّل. وبالفعل نجح الفريق في استكمال مسيرة التأهّل إلى الدور الثاني ليعود مجدّدا إلى بورتو أليغري، حيث المواجهة الصعبة مع المنتخب الألماني في دور الستّة عشر، والتي اعتبرها كثيرون مواجهة محسومة مسبقا لصالح (الماكينات) الألمانية. وفي تحت أمطار غزيرة ودرجة حرارة لا تزيد عن عشر درجات خاض (الخضر) المواجهة العصيبة مع (المانشافت) ووصلوا باللّقاء إلى وقت إضافي إثر التعادل السلبي في الوقت الأصلي، لكن اللياقة البدنية والخبرة حسمتا المواجهة لصالح (المانشافت) ب (2 - 1). فيما خرج العديد من الجزائريين إلى الشوارع أنصار "الخضر فجّروا" بورتو أليغري خرج الآلاف من المشجّعين الجزائريين إلى الشوارع للتعبير عن تقديرهم وامتنانهم للمنتخب الوطني الذي ودّع نهائيات كأس العالم المقامة بالبرازيل بعد خسارته أمام نظيره الألماني (1-2) بعد الوقت الإضافي في الدور ثمن النّهائي. ردّد المشجّعون من الجنسين الذين نزلوا إلى الساحات والأماكن العامّة حاملين العلم الجزائري مباشرة بعد نهاية المباراة أغاني تمجّد المنتخب واللاّعبين وتكرّر المشهد في كلّ المدن الجزائرية. على غرار الجزائريين في أرض الوطن، أنصار (الخضر) بمدينة بورتو أليغري (فجّروا) هذه المدينة بالطريقة الجزائرية. وإلى جانب الهتافات المعتادة لأنصار (الخضر) وفي مقدّمتها (وان تو ثري.. فيفا لالجيري)، حرص المشجّعون على تحية هذه المدينة التي شهدت اثنين من أقوى عروض (الخضر) وكانت شاهدة على المشاركة الأولى للفريق في الأدوار الفاصلة في بطولات كأس العالم. وانطلقت هتافات بعض المشجّعين (وان تو ثري.. فيفا لالجيري.. وان تو ثري.. بورتو أليغري) ورفع بعضهم لافتات كتب عليها (الجزائر) و(بورتو أليغري) وبينهما قلب للإشارة إلى عشق الجزائريين للمدينة. ورغم حزن مشجّعي الجزائري لعدم زيارة ريو دي جانيرو، المدينة الأشهر في البرازيل وربما في أمريكاالجنوبية بأكملها، كانت سعادتهم كبيرة لأنهم يودّعون البرازيل من مدينة بورتو أليغري التي عاشوا فيها الحلم الرّائع على مدار الأيّام الماضية. صور ستبقى خالدة في أذهان الجزائريين دموع فغولي وحليلوزيتش ستبقى صور بكاء كلّ من فغولي والمدرّب وحيد حليلوزيتش عقب نهاية المباراة أمام ألمانيا راسخة في ذاكرة الجزائريين، كيف لا وقد تأثّر لها الملايين من الجزائريين وراح الكثيرون يبكون حرقة لخروج منتخبنا من المونديال. كان المنتخب الجزائري الممثّل العربي الوحيد في هذا المونديال خير ممثّل، فقد قدّم مردودا فنّيا مميّزا، ربما أنه أفضل من كثير من المنتخبات الكبيرة، كتيبة وحيد حليلوزيتش شرّفت العرب ككلّ بكلّ ما قدّمته منذ المباراة الأولى للأخيرة. اليوم هزمنا من طرف ألمانيا، لكنها هزيمة بشرف باعترافات الجميع في مختلف أنحاء العالم، الكلّ أجمع على أن المنتخب الجزائري كان الأفضل طوال ال 90 دقيقة أمام ألمانيا وقدّم مباراة لم تكن في الحسبان، فكان البعض يظنّ أن (المانشافت) سوف يهزم (الخضر) بنتيجة كبيرة أو حتى سوف يجد انتصارا سهلا دون أدنى صعوبة، لكن كلّ التنبّؤات جاءت خاطئة تماما بعد ما قدّمه الفريق. بداية من حارس المرمى ووصولا إلى المهاجم ال 11 لاعبا والثلاثي الاحتياطي كلّهم كانوا رجالا في الملعب ونفّذوا تعليمات (الثعلب البوسني) حليلوزيتش بكلّ ذكاء وحكمة، ولولا فقط مانويل نوير لانتصرت الجزائر في الوقت الأصلي بكلّ سهولة ودون أيّ عناء هجوميا أو حتى دفاعيا. سبق وأن كتبنا بعد وصول زملاء سفيان فغولي إلى الدور ثمن النّهائي على حساب روسيا في مباراة مميّزة أن الجزائر فخر العرب، فقد صنعت ما لم يستطع أحد عربيا صنعه منذ أجيال كثيرة، والآن وبعد هذه المباراة مع منتخب كبير بحجم ألمانيا ومع لاعبين على شاكلة نوير ومولر وأوزيل ولام وشفاينشتايغر فمجدّدا أنتم فخر العرب. لقد فازت الجزائر سابقا على منتخب ألمانيا الغربية في المونديال وكادت اليوم تفوز على ألمانيا الموحّدة، ولو صنعوا هذا لكان استحقاقا تامّا، لكن الهزيمة جاءت بسبب قلّة الخبرة ومعدلات اللياقة البدنية. وأخيرا، مرّة أخرى أنتم فخر العرب، شرّفتم العرب أولاّ ثمّ قارّة إفريقيا ثانيا منذ مباراة بلجيكا وإلى مباراة ألمانيا. أرقام وحقائق من تاريخ المشاركة الجزائرية * جابو ثالث لاعب جزائري يسجّل هدفين في المونديال أصبح المهاجم عبد المؤمن جابو الذي سجّل ضد ألمانيا (1-2 بعد الوقت الإضافي) اللاّعب الجزائري الثالث الذي يسجّل هدفين في نهائيات كأس العالم. إذ يلتحق جابو لاعب النادي الإفريقي التونسي بكلّ من إسلام سليماني وصالح عصّاد في (الكتاب الذهبي) للمنتخب الوطني، حيث سجّل هدفه الأوّل ضد كوريا الجنوبية في الدقيقة ال 38 في الجولة الثانية من الدور الأوّل لنهائيات كأس العالم 2014. * أمّا سليماني فقد سجّل هدفيه ضد كلّ من كوريا الجنوبية في الدقيقة ال 26 وروسيا في الدقيقة ال 60 في هذا المونديال، في حين وقّع صالح عصّاد هدفيه خلال مونديال إسبانيا 1982 ضد الشيلي (3-2) يوم 24 جوان 1982 بملعب (كارلوس تارتيار) بأوفيدو إسبانيا خلال الدور الأوّل (المجموعة الثانية) لمونديال 1982. * رفع المنتخب الوطني أهدافه في المونديال إلى 13 هدفا، أكثر من نصفها سجّلها في المونديال الحالي سبعة أهداف، فيما سجّل الأهداف الستّة الأخرى (خمسة في مونديال إسبانيا 1982 وهدف واحد في مونديال المكسيك 1986). * اهتزّت شباك المنتخب الوطني على مدار أربع مشاركات في نهائيات كأس العالم، 19 مرّة موزّعة كما يلي: (5 في إسبانيا 1982 ومثلها في المكسيك 1986 و2 في جنوب إفريقيا 2010 و7 في المونديال الحالي). * خاض المنتخب الوطني 13 مباراة في نهائيات كأس العالم، زائد شوطين إضافيين أمام ألمانيا أوّل أمس. * فاز المنتخب الوطني في 3 مباريات (أمام إلمانيا 2 -1 وعلى الشيلي 3 - 2 في 1982 وعلى كوريا الجنوبية 4 - 2 في البرازيل 2014)، فيما خسر خمس مباريات (أمام النمسا 2 - 0 عام 1982 وأمام البرازيل 1 - 2 وإسبانيا 3 - 0 عام 1986 وأمام سلوفينيا والولايات المتّحدة الأمريكية بنفس النتيجة 1 - 0 وأمام كلّ من بلجيكا 2 - 1 ومثلها أمام ألمانيا في المونديال الحالي)، فيما تعادل في ثلاث مباريات أمام كلّ من إيرلندا الشمالية 1 - 1 في 1986 ودون أهداف أمام إنجلترا عام 2010 وبهدف لمثله في المونديال الحالي أمام روسيا. * أعلى معدل فوز للمنتخب الجزائري في كأس العالم كان عام 1982 حين تمكّن من الفوز في مباراتين في دور المجموعات. * بات المدافع حلّيش اللاّعب الجزائري الأكثر مشاركة في نهائيات كأس العالم ب 7 مباريات بعد أن لعب المقابلات الثلاث للجزائر في مونديال جنوب إفريقيا 2010، إضافة إلى أربع مباريات خلال هذا المونديال، متقدّما بذلك وبمقابلة واحدة على زميله مجيد بوفرة الذي لازم مقعد الاحتياط أمام روسيا في ختام الدور الأوّل. أهمّ ما قاله لاعبو ألمانيا بعد الفوز على "الخضر" ميرتيساكر: "لا تهمّني الطريقة التي فزنا بها على الجزائر" (لا أهتمّ بالآداء المهمّ أننا في الدور ربع النّهائي في هذا المونديال، ماذا تتوقّعون منّي أو من الفريق؟ هل تعتقدون أننا سنجد فريقا كرنفاليا للمشاركة في الدور ثمن النّهائي؟ كلّ مباراة الآن صعبة، لا أفهم ما تريدون من المنتخب، تريدون منّا أن نلعب كرة جميلة ونخسر!). فيليب لام: "المنتخب الجزائري قدّم مباراة بطولية" (عرفنا أنها ستكون مباراة صعبة، كنّا نعلم بأن علينا التسجيل من الفرص المتاحة وإلاّ سوف نعاني. المنتخب الجزائري قدّم مباراة بطولية وكان بإمكانه هزمنا، لكن خبرتنا حسمت النتيجة). شورل: "سجّلت في شباك الجزائر بالحظّ" (لقد حالفني بعض الحظّ في هذا الهدف، منذ فترة قريبة أحرزت هدفا مماثلا وأطالب بتحسين الصورة التي ظهرت عليها أمام فريق يعتبر نظريا أقلّ من الناحية الفنّية)، إلاّ أنه أكّد في الوقت ذاته أن العبور إلى دور الثمانية هو الأهمّ، وأضاف: (يجب علينا أن نؤدّي بشكل مختلف أمام فرنسا، كنّا نتمنّى أن نظهر بصور مغايرة في المباراة، لكن الجزائر لعبت بشكل جيّد جدّا، على أيّ حال عبرنا إلى الدور ربع النّهائي). مانوير نوير: "كنت أنتظر في كلّ لحظة أن تهتزّ شباكي" (آداء منتخب الجزائر فاجأني، قدّم لاعبوه مستوى رائعا، لديهم لاعبين في المستوى، خشيت أكثر من مرّة أن تسجّل عليّ أهداف وكنت أنتظر في كلّ لحظة أن تهتزّ شباكي). وقال نوير مبرّرا خروجه المتكرّر خارج منطقة جزاء فريقه للتصدّي لهجمات المنافس: (تمكّنّا من الحفاظ على نظافة شباكنا طوال 90 دقيقة، لم أغيّر أسلوب لعبي، لقد تعوّدت على فعل هذا سواء مع البايرن أو مع المنتخب). توماس مولر: "اعتقدنا أننا سنفوز بسهولة" (لقد اعتقدنا أننا سنفوز بسهولة في التسعين دقيقة، لكن لم تجرِ الأمور كما توقّعنا، لقد كانت مباراة صعبة للغاية. صحيح أننا سيطرنا في الشوط الثاني وخلقنا فرصا، لكن الكرة لم تدخل المرمى وهذا هو المهمّ).