بقلم: بكر صدقي لا يدعو هذا المقال إلى التقليل من خطر داعش أو الانكفاء عن مواجهته أو تفهُّم جرائمه الفظيعة، بل فقط إلى الابتعاد عن البداهات التي يراد فرضها علينا من قبل أطراف لا تقل عن داعش شراً. وهذه الأخيرة طيف واسع من الدول والقوى والجماعات والأفراد، تنتمي إلى جبهات صراع مختلفة، تقاطعت مصالحها على شيطنة داعش وإظهار مواجهته على أنها مواجهة (أخلاقية) أو (إنسانية) وهدفاً لا يعلو عليه أي هدف. قرار مجلس الأمن الأخير الذي صدر بالإجماع، ضد داعش وجبهة النصرة، تحت الفصل السابع، هو لإضفاء هذه المسحة (الإنسانية العامة) على النسخة الجديدة من الحرب على الإرهاب. ليس فقط الأعضاء دائمو العضوية، مالكي الحق الحصري في الفيتو، أجمعوا على رسم صورة (العدو الجديد للبشرية) بل كذلك كل الدول الأخرى، وبينها دول منغمسة في دعم الإرهاب كإيران، ومعها قوى سياسية وحركات وعصابات إرهابية كحزب الله اللبناني وقوات بشار الأسد الكيماوي. أما الإدارة الأمريكية التي وقعت ترسانة من أسلحتها في الموصل في (الأيدي الخطأ) (أي قوات داعش) فقد انخرطت، حتى قبل قرار مجلس الأمن، في الحرب الجوية على (الدولة الإسلامية) جارةً وراءها المقاتلات البريطانية التي تحلق فوق شمال العراق، مع انتقائية لافتة للنظر في تعاملها مع داعش في كل من العراقوسوريا. ففي حين تكفلت المقاتلات الأمريكية بضرب قوافل قوات داعش في شمال العراق، أدى الشريك الأسدي قسطه في (الحرب المقدسة) بغارات جوية مكثفة على الرقة كان أغلب ضحاياها، كالعادة، من المدنيين _ العدو الأول لعصابة الأسد. تُزَوِّدُ (الحرب المقدسة) الجديدة على (الإرهاب) صناع الإرهاب الحقيقيين، إيران وعصابة الأسد وحزب الله، بغطاء أخلاقي ودولي، وبالتالي إنساني، لجرائمهم الإرهابية، وتتيح لهم عقد صفقات سياسية مع الخصوم تخرجهم من عمق أزمتهم ولو بصورة مؤقتة. هذا ما حصل في لبنان بظهور (إجماع وطني) نادر على دعم الجيش اللبناني في معركة عرسال، الذي كانت نتيجته العملية ارتكاب مجزرة بحق اللاجئين السوريين وترحيل ما تبقى منهم إلى سوريا التي سبق وفروا من أهوال حرب الأسد عليها. وهذا ما حدث في العراق بتنحية سبب البلاء نوري المالكي، مع ضمانات بعدم خضوعه للمحاسبة على جرائمه بحق العراق، واستبدال وجه آخر من وجوه حزب الدعوة به، حيدر عبادي، في تكريس لحصر حكم العراق بهذا الحزب الذي يمثل تقاطع المصلحتين الإيرانيةوالأمريكية. لا يتعلق الأمر بتقليد (النظام التوافقي) المحمي دستورياً بحق الطائفة الشيعية في رئاسة الوزراء، بل بحصر هذا (الحق) بحزب الدعوة وحده: إبراهيم الجعفري - نوري المالكي - حيدر عبادي! وعلى هامش الأحداث، استفادت دولة الاحتلال الإسرائيلي من هذه (الحرب المقدسة) والجو النفسي المحيط بها، لتنجو من عقابيل جرائمها الأخيرة في غزة، بعدما استفادت من أعمال عصابة الأسد في سوريا، فاستهدفت المدارس والجوامع، مثلها، للمرة الأولى في تاريخ حروبها على الشعب الفلسطيني. كم يشبه مشهد حي الشجاعية المدمر من قبل الطائرات الإسرائيلية، مشهد مخيم اليرموك في دمشق، وأحياء كثيرة في مختلف المدن السورية. داعش أو دولته الإسلامية المزعومة خطر مؤكد، بذاتهما، على شعوب المنطقة كما على الإسلام وصورته. لكن خطورته الأكبر هي في منحه الشرعية لدول وجماعات إرهابية أخرى، بل لما يسمى بالمجتمع الدولي الذي ما زال يحتضن، قبل ظهور داعش وبعده، أخطر مركز لصناعة الإرهاب وتصديره إلى الجوار الإقليمي، في قصر المهاجرين في دمشق.