ما هي الأنواع التي يمكن أداء مناسك الحج والعمرة عن طريقها؟ وهل العمرة واجبة؟ وهل يجب الحج على الفور أم على التراخي؟ للحج والعمرة ثلاثة أوجه في تأديتهما: 1- الإفراد: وله صور، منها: أن يُحْرِم فيه بالحج أولا، ثم بعد الفراغ منه يخرج من حرم مكة إلى أدنى الحل -كالتنعيم- فيُحْرِم بالعمرة في نفس سنة حجه أي ما تبقى من شهر ذي الحجة. ومنها: أن يأتي بالحج وحده في سنته. ومنها أن يعتمر قبل أشهر الحج ثم يحج من الميقات. 2- التمتع: يُحْرِم فيه بالعمرة أولا في أشهر الحج، ثم بعد الفراغ منها والتحلل يُحْرِم بالحج من حرم مكة، على عكس الإفراد حيث يقدِّم فيه الحج على العمرة ويُحْرِم من أدنى الحل. وسمي بالتمتع لتمتع صاحبه بإحلال محظورات الإحرام له في فترة ما بين تحلله من العمرة وإحرامه بالحج، وقيل: لتمتعه بسقوط العود إلى الميقات ليحرم بالحج، وقيل: لهما معًا. 3- القِران: يُقْرِن فيه بين الحج والعمرة أي يُحْرِم بهما معًا في أشهر الحج، أو يُحْرِم بالعمرة -ولو قبل أشهر الحج- ثم قبل الشروع في طوافها يُحْرِم بالحج، فإنه يصح إحرامه ويصير قارنًا، وتدخل أعمال العمرة في أعمال الحج فيكفي طواف واحد وسعي واحد وحلق واحد لقوله : «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وأصله عند مسلم. ملاحظة أولى: الصحيح عند الشافعية أن أفضل هذه الوجوه (الإفراد)، ثم (التمتع)، ثم (القران). ملاحظة ثانية: الصحيح عند الشافعية أن النبي كان قد أحرم أولا بالحج مُفْرِدًا، ثم أحرم بعد ذلك بالعمرة وأدخلها على الحج فصار قارنًا، والأصل ألا تدخل العمرة على الحج، لكن النبي خصَّ بجواز ذلك في تلك السنة للحاجة إلى تأكيد جواز العمرة في أشهر الحج بمحضر جمع عظيم من الناس، وذلك على خلاف ما كان يعتقد في الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض. ملاحظة ثالثة: يجب على كل من القارن والمتمتع هدي –أي: ذبح شاة أو ما يقوم مقامها- شكرًا لله تعالى حيث وفَّقه للإتيان بالعمرة والحج في أشهر الحج وفي سفر واحد، فإن لم يجد لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة: 196، فإن عجز عن الصيام أطعم عن كل يوم مسكينا لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} البقرة: 184. أما المُفْرِد فيجب عليه الهدي في حالة ما إذا لم يخرج إلى الحل بعد حجه فأحرم بالعمرة من حرم مكة. ملاحظة رابعة: المفرد يأتي بعملين -عمل للحج وآخر للعمرة- ويُحْرِم من ميقاتين، والمتمتع يأتي بعملين ويُحْرِم من ميقات واحد، والقارن يأتي بعمل واحد -عن العبادتين- ويُحْرِم من ميقات واحد. حكم الحج والعمرة: أما الحج: فقد قال الله عز وجل: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" آل عمران: 97، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ... » رواه مسلم، وقد أجمع المسلمون على أن الحج فرض عين على كل مستطيع لمرة واحدة في العمر. وهل يجب الحج على الفور أم على التراخي؟ اختلف العلماء فذهب الإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم إلى الوجوب على الفور، وذهب الإمام الشافعي وأبو يوسف وغيرهما إلى الوجوب على التراخي ما لم يغلب على الظن فواته إن تأخر، وهو المختار. أما العمرة: فقد اختلف العلماء في حكمها فقيل: مستحبة، وقيل: واجبة، وللإمام الشافعي فيها قولان أصحهما أنها واجبة وهو المختار؛ لقوله تعالى: "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" البقرة: 196، أي اجعلوهما تامَّيْن، والأمر بتمام الشيء يقتضي الأمر بالشيء ذاته؛ لأن التمام صفة للشيء، والأمر بالصفة يستلزم الأمر بالموصوف لاستحالة الإتيان بها منفصلة عنه، كقوله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ" النور: 56، أي اجعلوا الصلاة قائمة، وقيامها معناه الإتيان بها مستوفاة لشروطها وأركانها، فدل هذا على وجوب الصلاة، وكذلك الأمر بإتمام الحج والعمرة؛ لأنه يعني الإتيان بهما تامين مستوفيين للشروط والأركان، فيدل على وجوب الحج والعمرة. وكذا حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" رواه أحمد وابن ماجه، فهذا يدل على وجوب العمرة للتعبير بكلمة (عليهن). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي في سؤال جبرائيل عليه السلام إياه عن الإسلام فقال: "الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الجَنَابَةِ، وَأَنْ تُتِمَّ الوُضُوءَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقْتَ" رواه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي والدار قطني، والشاهد: ذكر العمرة بعد السؤال عن فرائض الإسلام.