- 2014 سنة الفضائح الاقتصادية بامتياز.. والقادم أعظم - الانضمام إلى منظّمة التجارة قد يجرّنا إلى التطبيع مع الصهاينة - الفساد المتفشّي يفشل المشاريع الضخمة كشف الخبير الدولي في التطبيقات المعاصرة للاقتصاد الإسلامي الدكتور فارس مسدور في حوار خصّ به (أخبار اليوم) أن نتانة الجرائم التي ارتكبت في حقّ الاقتصاد الوطني هذه السنة انفجرت بشكل لا يمكن تغطيته، وما هو متداول الآن في الساحة الإعلامية حول فضائح شركات وطنية وأجنبية ما هو إلاّ جزء من سلسلة فضائح أخرى ستطفو على السطح، الواحدة تلو الأخرى. كما تطرّق مسدور إلى ملف الانضمام إلى منظّمة التجارة العالمية وإمكانية التطبيع مع الكيان الصهيوني، فضلا عن مواضيع أخرى اقتصادية واجتماعية تطالعونها من خلال هذا الحوار. حاوره: إسماعيل ضيف * بداية دكتور ما هي قراءتك الاقتصادية للعام 2014 الذي شهد استمرار مسلسل قضايا الفساد المؤسساتي وانهيار قيمة الدينار وسلسلة تعديلات حكومية مسّت وزراء المالية، التجارة والفلاحة، فضلا عن سَنّ قوانين جديدة متعلّقة بالاقتصاد الوطني؟ *** السنة الحالية هي سنة (فضائح وكوارث تاريخية، لأن نتانة الجرائم التي ارتكبت في حقّ الاقتصاد الوطني انفجرت بشكل لا يمكن تغطيته، وما هو متداول الآن في الساحة الإعلامية حول فضائح شركات صينية ويابانية وكندية ما هو إلاّ جزء من سلسلة فضائح أخرى ستطفو على السطح، الواحدة تلو الأخرى، والتالية أنتن من الأولى. وزيادة على هذا فالعام 2014 لم يشهد فقط استمرارية مسلسل الفساد الذي يعتبر مشكلة مستدامة في وسط المؤسسات العمومية، بل تعدّاه حتى إلى الشركات الأجنبية، لكن الأمر الخطير هو أن هذه الشركات على غرار (كوجال) اليابانية و(لافالان) الكندية وبعض المؤسسات الصينية لم تظهر فضائحها في الجزائر إلاّ بعدما فضحت في بلدانها الأصلية، وهو ما يثير علامات استفهام كبرى حول آليات الرقابة الحكومية. كما أن تراجع قيمة الدينار سيكرّس تدهور القدرة الشرائية وسيؤدّي إلى عدّة أثار سلبية وخيمة على الاقتصاد الوطني أوّلها المساس بالقدرة الشرائية للمواطن، لأننا بلد يلجأ إلى تغطية حاجياته من المواد الأساسية عن طريق الاستيراد. كما أن استيراد التجهيزات ووسائل الإنتاج يضعف السيولة الوطنية ويقلّل من فرص الاستثمار، كما أن انخفاض الدينار له أثر سلبي فكلّ زيادة في أجور العمال يجعلها تذهب سدى دون أن تعود بالفائدة على المواطن. * كلامك أستاذ حول فساد المؤسسات الأجنبية يقودنا إلى التساؤل حول معايير إدخال هذه المؤسسات إلى الجزائر ومن يقف وراءها، خصوصا وأنها أعطيت أولوية في المشاريع الكبرى... *** وراء كلّ حوادث الفساد في الجزائر دوائر مافيوية ولوبيات تضغط على الحكومة وتتلاعب بالصفقات العمومية مثلما تشاء، فمثلا الشركات الصينية تصنّف فاسدة عالميا ولا يتمّ التعامل معها في العديد من البلدان، لكنها تمارس الفساد في الجزائر وتعطى الأولوية في الحصول على المشاريع العمومية الكبرى رغم وجود مؤسسات عالمية وحتى وطنية أفضل منها، وهو ما يؤكّد هذا الطرح، ودعني أضيف شيئا آخر في هذا السياق. * تفضّل... *** لماذا توجد في الجزائر شركات من عدّة جنسيات كالصين، مصر، كوريا، اليابان، كندا، فرنسا، إسبانيا وحتى الولايات المتّحدة الأمريكية ولا يوجد أيّ أثر للمؤسسات الألمانية المعروفة بالجودة والإتقان؟ الجواب بسيط هو أن ألمانيا لديها قوانين جدّ صارمة في مكافحة الفساد المؤسساتي، وبالتالي فهي تعمل في شفافية تامّة داخل وخارج وطنها الأمّ، وهو الأمر الذي لا يخدم مصالح لوبيات الضغط ومافيا الصفقات العمومية الذين يتّخذون من (الرداءة) و(التلاعب) شرطا أساسيا لدخول السوق الوطنية. * حسب رأيك، ما هي الإجراءات التي يجب على الحكومة اتّخاذها لمواجهة مثل هذا الوضع المتعفّن؟ *** أنصح الحكومة بتفعيل إجراءات مكافحة الفساد الذي لم تظهر بعد الكثير من قضاياه التي تمسّ مشاريع كبرى كالطريق السيّار شرق-غرب، وأن تتبنّى فكرة حملة وطنية لتطهير مختلف القطاعات من الفاسدين لأنهم مثل النّار التي لا تشبع مهما أحرقت، ذلك أنهم لن يشبعوا من استنزاف ثروات الأمّة وتعطيل مشاريعها الكبرى، لأنهم يتغذّون على ذلك التعطيل الذي يترتّب عليه ملحق ميزانيات كنّا في غِنى عنها لو كانوا يتميّزون بالفعالية والدقّة في الآداء. كما أن الحكومة مطالبة بأن تعتمد أرقاما خضراء لمحاربة الفساد والرشوة في مشاريعها، وأن تكون لديها بوابات إلكترونية حقيقية وليس واجهة فقط لاستقبال البلاغات بالفاسدين والخروقات التي تعرفها كافّة مشاريعها الكبرى والمتوسّطة والصغرى عبر كامل التراب الوطني، ويجب أيضا إعادة النّظر في المنظومة القانونية لمحاربة الفساد، فلا يعقل أن تكون أقصى عقوبة لسارق أموال الأمّة 16 سنة فقط، في وقت لازالت فيه دول مثل الولايات المتّحدة الأمريكية التي تتغنّى دوما بالإنسانية تلجأ إلى غرف الغاز لإعدام المتّهمين في قضايا الفساد والخيانة العظمى. من هنا يظهر جليا أن هذا القانون عدّل بناء على نوايا خبيثة لكبت قضايا عظمى، على غرار (فضيحة الخليفة وفضيحة سوناطراك) وربح الوقت فيهما. * ساهمت البحبوحة المالية التي تعيشها الجزائر في مواصلة الحكومة سياسة الإنفاق العمومي، ما هي توقّعاتك لمؤشّر الاستقرار المالي للجزائر على المدى المتوسّط، خصوصا في ظلّ تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية؟ *** الجزائر تعاني من عجز في التعامل مع فوائضها المالية في ظلّ غياب الحكامة الراشدة والعقلنة في سياسة الإنفاق العمومي، حيث أن الفساد المتفشّي دائما ما يفشل التطبيق الميداني لمشاريع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ويجعل هذه المشاريع الضخمة تستنزف أموال الأمّة، على غرار الطريق السيّار شرق-غرب الذي تنفضح عيوبه يوما بعد يوم، وهو ما يثقل كاهل الاقتصاد الوطني ويكبّد الدولة خسائر فادحة. وعلاوة على ذلك فإن الاستغلال السيّئ للبحبوحة المالية التي تعيشها الجزائر بفضل الريع البترولي ساهم في تدمير المنظومة الاجتماعية للجزائر، حيث أن الممارسات السلبية لمسؤولينا عجّلت بظهور آفات اجتماعية كالجريمة والطلاق وساهمت في انتشار البطالة و(الحرّافة) في أوساط الشباب الجزائري. أمّا محاولة تخويفنا بتراجع سعر النفط فهي حجّة واهية لأنه حتى عندما انخفض إلى مستويات أقلّ من 60 دولارا كان السعر أكبر من السعر المعتمد في قانون المالية، وعليه الخطر قد يكمن لو يصل السعر إلى أقلّ من 45 دولارا وهذا لم يحصل في أسوأ أزمة عرفها الاقتصاد العالمي عبر تاريخه المعاصر، ثمّ إن الجزائر قادرة على أن تحافظ على هذا الحجم من الاستثمارات وأيضا ما هو أكبر منه، شريطة أن لا يتمّ تضخيم الفواتير من طرف الفاسدين والمختلسين للمال العام وعقلنة وترشيد نفقاتنا الاستثمارية. * العام 2014 تميّز بعقد اجتماعين للثلاثية -حكومة، أرباب عمل والشريك الاجتماعي- ودائما كان التركيز على إنعاش وتطوير الإنتاج المحلّي، فهل هنالك جهود ميدانية فعلية للمُضي قُدما في هذا الدرب؟ *** الواقع يقول إن المؤسسات الوطنية غير مؤهّلة ومنتجاتها رديئة ولا تقارن حتى بمنتجات بعض الدول العربية، لذلك فإن تشجيع الإنتاج الوطني لا يكون برفع الشعارات والخطب الاقتصادية الفارغة من المحتوى، تشجيع الإنتاج المحلّي إنما يكون بتخفيف الضرائب وإقرار امتيازات جبائية لفائدة المؤسسات، فضلا عن وضع قروض شرعية لذوي الكفاءات من شبابنا، لابد كذلك من العمل على إقامة شراكات إيجابية مع الخارج لترقية وتطوير المنتوج الوطني وإلاّ ستبقى منتوجاتنا هي الأسوأ. لابد أيضا من وقف غزو المنتوجات الصينية لأسواقنا، هذه المنتوجات التي أعتبرها (جرما اقتصاديا بأتمّ معنى الكلمة)، حيث وعلاوة على رداءة هذه المنتوجات فإن بخس أثمانها يساهم في تدمير النسيج الصناعي ل 600 ألف مؤسسة وطنية. * اجتماع الثلاثية الأخير تكلّل بإعادة بعث القروض الاستهلاكية من جديد، كيف ترى هذا القرار؟ وما محلّ التمويل الإسلامي من هذا الملف في ظلّ إصرار الحكومة على الإبقاء على الفوائد الربوية بنسب ضئيلة؟ *** لقد سبق وزن صرّحت ل (أخبار اليوم) بأن قرار إعادة بعث القروض الاستهلاكية مناف للدستور الجزائري لأن الحكومة تجاهلت الجانب العقائدي، ما يجعل هاته القروض بمثابة الهدية المسمومة للجزائريين لاحتوائها على فوائد ربوية، لكن تصريحات وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب مؤخّرا، والتي قال فيها إن الفوائد ستكون بنسب جدّ ضئيلة تفرض عليّ طرح الإشكال من جديد. فمتى تتوب حكومتنا وبنكنا المركزي من تعنّتهم ورفضهم للصيغ التمويلية الإسلامية؟ وكأننا نعيش في دولة لائيكية تحرِّم حتى التمويل الإسلامي الخالي من الربا رغم أن المعنيين به هم شعب دستورهم ينصّ على أن الإسلام هو دين الدولة ونسوا أن هذا الدين حرّم الربا (كثيره وقليله) وجعلها كبيرة من الكبائر. والسؤال المطروح ها هنا هو لماذا لا تكون قروضنا الاستهلاكية قروضا حسنة لدعم استهلاك المنتوج المحلّي؟ ولماذا لا نعمّم صيغة المرابحة لدعم استهلاك المنتوجات الوطنية وتكون المرابحة أداة لتحقيق أرباح وأرقام أعمال للشركات الوطنية؟ ولماذا لا تكون صيغة السَّلَمِ هي الصيغة التمويلية لدعم إنتاج المؤسسات الوطنية التي تحتاج لتمويل عملياتها الإنتاجية لتتطوّر خاصّة مع توفير تمويل حلال تشتري من خلالها المؤسسة المصرفية منتوجها وتتمكّن هي من إنتاج طلبياتها التي تُدعَّم أيضا بصيغ حلال لتمويل البيوع للمستهلكين؟ ولماذا لا تكون الإجارة المنتهية بالتمليك أداة معتمدة في كافّة مصارفنا بصيغة إسلامية حلال خالية من الفوائد الربوية لتمويل شراء المساكن وأدوات الإنتاج وغيرها من السلع؟ كلّ هذه صيغ إسلامية لتمويل الاستهلاك في بلادنا عوض التعنُّت في اعتماد صيغ التمويل الربوية الاستهلاكية التي دمّرت واستنزفت ثروات اقتصادنا، ما جعلنا ندفع الثمن غاليا ونترك الدول المصدّرة تحقّق نتائج جدّ متطوّرة على حساب منتوجات مؤسساتنا المحلّية. * على ذكر الإنتاج المحلّي تبدي المنظّمة العالمية للتجارة تحفّظا كبيرا حيال إبقاء الجزائر للقرض الاستهلاكي خصّيصا للسلع الوطنية، فهل ستستجيب الحكومة لضغوطات (OMC)؟ *** منظّمة التجارة العالمية تعتبر هذا القرار نوعا من الدعم للمؤسسات والسلع الجزائرية مقابل الإنتاج الأجنبي، ما يتعارض وأولى مبادئ المنظّمة المتعلّقة بالمنافسة الحرّة وتحرير القطاع التجاري، وفي ظلّ إصرار الجزائر على الانضمام إلى هذه الهيئة فأنا أتوقّع سيناريوهين، إمّا إلغاء القرض الاستهلاكي بشكل نهائي وبالتالي تدمير مكسب السلم الاجتماعي وهو الاحتمال الأضعف أو توسيعه ليشمل الإنتاج الأجنبي وهو الخيار الذي قد تلجأ إليه الحكومة، وبالتالي تتخلّى عن قرار اقتصادي سيادي. * بلغت مفاوضات انضمام الجزائر إلى منظّمة التجارة العالمية مراحل جدّ متقدّمة في وقت ما يزال فيه هذا الملف يصنع جدلا كبيرا، أوّلا ما هي ملاحظاتك حول سير المفاوضات؟ وثانيا ما هي إيجابيات وسلبيات الانضمام إلى هذه المنظّمة في الوقت الراهن؟ *** أنا حذّرت ولازلت أحذّر من تداعيات انضمام الجزائر إلى منظّمة التجارة العالمية وأعتبرها إلى جانب البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمثابة الحكومة الأمريكية في مختلف دول ومناطق العالم، بالإضافة إلى سيطرة الشركات العالمية المتعدّدة الجنسية على مفاصل تسييرها. بالإضافة إلى أن ربط مصير الجزائر بهذه المنظّمات الدولية بمثابة الانتحار اقتصادي من منطلق أن قواعدها مسخّرة لخدمة الاقتصاديات الرأسمالية القوية، عبر (إغراق) أسواق الدول الفقيرة أو النامية على غرار الجزائر بالمنتجات المستوردة، حيث أن تكلفتها ستكون 10 مرّات أغلى من إنتاجها محلّيا، والجزائر غير مستعدّة حاليا وحتى على المدى المتوسّط لتفادي سلبيات الانضمام إلى منظّمة التجارة العالمية نظرا لهشاشة اقتصادية وضعف أو انعدام تنافسية مؤسساتها. بالمقابل، فإن الدخول إلى منظّمة التجارة العالمية يفرض على الجزائر الالتزام بالبنود الواردة كشرط للدخول إلى التبادل الحرّ بصرف النّظر عن الآليات والتكاليف التي يفرضها التعامل مع المنظّمة التي يوجد مقرّها في جنيف، والتي لا يمكن للدول الفقيرة تحمّلها. * برأيك، كيف ستتعامل الحكومة مع البنود الصارمة التي تفرضها المنظّمة، والتي تتعارض مع عدّة مسلمات اقتصادية واجتماعية في الجزائر، على غرار قاعدة 51/49 السيادية؟ *** أعتقد أن ضعف قدرات مسؤولينا في التفاوض ستجعلنا نستسلم للضغوطات التي تفرضها منظّمة التجارة العالمية، وهو ما ظهر جليا خلال الأسابيع الأخيرة أين شهد الخطاب الرسمي الخاص بهذه القاعدة السياسية نوعا من (الليونة) بعدما كان إلى وقت قريب (مشدّدا)، ومن هنا أقول إن القاعدة 51/49 المنظّمة للاستثمار الأجنبي قاعدة سيادية وأيّ تخلّ عنها هو أو حتى تعديلها هو تخلّي عن سيادة الجزائر، أمّا من ينادي من الطاقم الحكومي بضرورة التخلّي عنها فهو يدافع عن مصالح أطراف أجنبية عوض الدفاع عن مصالح بلده. * تشدّد مبادئ منظمة التجارة العالمية على ضرورة تحرير النشاط التجاري كشرط أساسي للانضمام، وهو ما يعني رفع الحصار عن المنتجات غير الإسلامية كالمشروبات الكحولية وغيرها؟ فهل ستضرب الحكومة عرض الحائط أعراف وعقيدة شعبها أم أن هناك خيارا آخر؟ *** واللّه أنا ما زلت أعاني من أثر الصدمة التي تعرّضت لها حين قرأت عن وزير التجارة عمارة بن يونس أنه ينوي إعادة الاعتبار للمخمرات والورشات المتخصّصة في إنتاج الخمور وإعطائها رخصا لممارسة نشاطها بشكل قانوني، وبرّر ذلك بأن هذا من متطلّبات الانضمام إلى المنظّمة المشؤومة المسمّاة منظّمة التجارة العالمية، علما بأن من بين الدول التي انضمّت إلى هذه المنظّمة نجد المملكة العربية السعودية، والكلّ يعلم أن إنتاج وتسويق الخمور في هذا البلد المسلم ممنوع بقوة القانون، فهل فرضت هذه المنظّمة على المملكة فتح المخمرات ومصانع إنتاج الخمر وتسويقه واستيراده لتحصل على رخصة الانضمام؟ الجواب هو لا بالطبع، لذلك لا يوجد أيّ سبب يبرّر إقدام الحكومة على هذا القرار، اللّهم إلاّ إذا كانت تريد ضرب قيم وعقيدة شعبها. * من بين الأسئلة التي طرحت في المفاوضات هي هل ستتعامل الجزائر مع الكيان الصهيوني من خلال المنظّمة؟ ما رأيك؟ *** بالرغم من أن انضمام الجزائر إلى منظّمة التجارة العالمية لن يجبرها على التعامل مع الكيان الصهيوني أو مع أيّ بلد لا ترغب في التعامل معه وفقا للمادة 13 من اتّفاقية مراكش لإنشاء المنظّمة، والتي تنصّ على الموافقة على استثناء بعض الأعضاء من تطبيق اتّفاقيات تجارية متعدّدة الأطراف بين أعضاء معنيين في حالات خاصّة بناء على طلب أيّ عضو، إلاّ أن فرضية التطبيع غير المباشر تبقى واردة بالنّظر إلى قوة تأثير الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتّحدة الأمريكية على قرارات هذه الهيئة الدولية، وهو ما يبقي فرضية تسريب بضائع إسرائيلية إلى السوق الوطنية جدّ واردة، وهذا التوجّه بالنّسبة للجزائر مضادّ للمصلحة الوطنية وتاريخها الطويل في نصرة القضية الفلسطينية. وفي حال رفض الجزائر للتطبيع مع إسرائيل وهو الأمر الأكيد سنخلّ بمبدأ المعاملة بالمثل، وبالتالي سيصعب علينا التأقلم مع الوضع، ما سيجعل الفشل مصيرنا في النّهاية. * تتكلّم عن تدمير الاقتصاد الوطني في حال الانضمام إلى (OMC) بالمقابل هنالك عدّة خبراء وفاعلين اقتصاديين يتفاءلون خيرا بالقرار بذريعة تشجيع تنافسية المؤسسات الوطنية وإضفاء شفافية أكبر على التجارة الخارجية، ما تعليقك؟ *** هذا كلام منمّق وبعيد كلّ البعد عن الواقع الاقتصادي، فمعظم الدول النامية التي انضمّت إلى منظّمة التجارة كانت تجاربها فاشلة، على غرار مصر التي تعيش في فقر مدقع نتيجة انضمامها بفعل القيود التي تفرضها هذه الهيئة عليها. وعلاوة على ذلك يؤكّد الصراع داخل المنظّمة بين كلّ من الولايات المتّحدة الأمريكية والصين والبرازيل عدم وجود شفافية داخلها، لهذا من الغباء السياسي والاقتصادي الانضمام إليها في هذا الوقت، خصوصا في ظلّ هشاشة الاقتصاد الوطني الذي يسيطر عليه الريع البترولي. * رسمت واقعا سوداويا عن الاقتصاد الوطني، ما هي الحلول التي تقترحها للخروج من هذا النفق المظلم؟ *** يجب الابتعاد عن فكرة الصناديق المستنزفة لثروات الأمّة والمعطّلة لأرصدة المشاريع الكبرى المصيرية لاقتصادنا، وننصح بالإسراع في اعتماد خطّة استثمار بديلة عن الخطط التي سبق اعتمادها أو تعديلها بما يتوافق مع الوضع العالمي الحرج الذي قد يقود العالم إلى أزمة اقتصادية عالمية خانقة جديدة يتحكّم فيها الغرب كما يشاء. لابد أن تلجأ الحكومة أيضا إلى دراسة إمكانية تقوية وزيادة الإنتاج الوطني ومنه تحسين وضع الصادرات الوطنية، كما يتوجّب على البنك المركزي القيام بمهامه في الحفاظ على مصلحة الاقتصاد الوطني، والكفّ عن تقديم معطيات مغلوطة عن الوضع الاقتصادي للبلاد. ويتحتّم على الحكومة الابتعاد عن المسكّنات والبحث عن حلول جذرية لمشكل السكن والبطالة من خلال الإسراع في وتيرة الإنجاز بالنّظر إلى حجم الطلب الذي بلغ مستويات متقدّمة، وكذا الاستثمار في عدّة قطاعات لامتصاص البطالة مثل قطاع الفلاحة، الخدمات كالسياحة، البيئة وكذا المجتمع المدني من خلال دعم الحكومة للجمعيات، كلّ هذا من شأنه أن يوفّر مناصب شغل قارّة تساهم في تطوير الاقتصاد الوطني.