تعد الحظيرة الوطنية للشريعة واحدة من الأقطاب السياحية الهامة التي تجتذب يوميا مئات الزوار المقبلين عليها من مناطق وولايات مختلفة، سعيا وراء سحر طبيعتها وجمال مناظرها وانتعاش ونقاوة هوائها، ولا تختلف درجة الإقبال باختلاف الفصول، فلكل موسم بالشريعة عشاقه وزواره المأخوذون بروعة المنطقة، صيفا وشتاء، وفي كل أيام السنة. فعلى ارتفاع أكثر من 1500 متر عن سطح البحر، وعلى امتداد نحو 26 ألفا من المساحات الغابية والجبلية، تفتح الحظيرة الوطنية لشريعة أبوابها أمام عشاقها، المتعطشين للنهل من منابع الجمال الرباني الأخاذ، والمولوعين بالجبال والغابات، ورقرقة المياه، ممن يأتون إليها فتمتلئ صدورهم بنسائم عليلة منعشة ونقية وسط هدوء طبيعي خلاب، يحمل زائرها إلى عوالم الصفاء والغبطة والجمال، فيسبح بحمد الخالق الذي أبدع صنع هذه التحفة الطبيعية وجعلها كأنها قطعة من الجنان، تسحر العقول والألباب، يهرع إليها الصغير والكبير، هاربين من صخب وضوضاء المدن، إلى أحضان الطبيعة النقية، يمتعون أنظارهم بخضرة الأشجار والنباتات الممتدة أمامهم، وينصتون لصوت الطبيعة المنادي في زقزقة الطيور والعصافير وخرير المياه. وتستقبل الشريعة يوميا مئات الزوار، ممن يستغلون بشكل خاص المصاعد الهوائية، التي سهلت للكثيرين زيارة هذه المنطقة والاستمتاع بمناظرها الخلابة، خاصة في المواسم التي تعرف أجواء ملائمة حيث يعد النقل بهذه الوسيلة، أسرع وأسهل من الوسائل الأخرى. يعود تاريخ إنشاء الحظيرة الوطنية للشريعة إلى سنة 1912 وتعد بذلك أقدم محمية طبيعية في الجزائر والثانية من حيث المساحة بعد الحظيرة الوطنية للقالة، وهي تتوفر على حوالي 816 نوعا نباتيا من بين 3666 نوعا موجودا في الجزائر، فضلا عن 394 صنفا حيوانيا، 64 منها محمية قانونا، وهو ما يمثل 75 بالمائة من إجمالي الأنواع الحيوانية التي تتوفر عليها بلادنا. كما أنها تتشكل من ثماني وحدات ايكولوجية متنوعة التضاريس أهمها، غابة الأرز التي تغطي مساحة قدرها 1200 هكتار، وغابات السنديان الأخضر الذي يغطي جزء ا كبيرا أيضا من الحظيرة، بالإضافة إلى غابة السنديان الفليني وغابة الزان وغابة الصنوبر الحلبي، وتنتشر في كل وحدة من هذه الوحدات أنواع حيوانية مختلفة، حيث تحصي حوالي 394 نوعا، منها 25 صنفا من الثدييات أهمها، قردة الماغو، النسر الملكي، القط المتوحش، النمس، العناق، والشيهم، فضلا عن طيور الباز البربري، الحسون القادسي والشامين.. وجميعها أنواع محمية بقوة القانون، وتشكل الثروة الحقيقية للحظيرة الوطنية للشريعة. ولا يمكن الحديث عن روعة الشريعة دون الحديث عن موسم الشتاء فيها، والفترة التي ترتدي خلالها حلتها البيضاء كعروس متألقة في ثوبها الأبيض الناصع، يتطلع إليها هواة ممارسة الرياضة والتزلج والعائلات التي تجلب أطفالها للفسحة واللعب والاستمتاع بمناظر الثلوج، التي تغطي قمم الجبال والأشجار والطرقات، حيث تغدو المنطقة خلالها وجهة مفضلة لمئات العائلات التي لا يمكنها تفويت فرصة الاستمتاع بتساقط الثلوج للعب والاستكشاف والتقاط الصور، ولأن الزائر للشريعة لا يمكنه نسيان اللحظات الرائعة التي قضاها فيها، ولا المتعة والراحة التي وفرتها له طبيعتها الرائعة، فان اقتناء بعض التذكارات منها، أمر متاح للجميع، بفضل عدد من الحرفيين الذين عشقوا المنطقة فراحوا يحاكون ما يجدونه فيها، لتبدع أناملهم قطعا فنية وتحفا مميزة، يقتنيها الزوار والسياح لإهدائها أو للاحتفاظ بها كذكرى جميلة تبقي روعة اللحظات التي قضوها فيها منتعشة في أذهانهم. وللصيف بالشريعة متعته الخاصة، بفعل الأجواء الباردة والمنعشة التي تميزها عن بقية المناطق الأخرى، وكذا سهولة التجول عبر غاباتها ومساحاتها الخضراء مما يجعل الكثيرين ينتقلون إليها في أفواج كشفية تستطلع المنطقة، محاولة كشف الغطاء عن كنوزها وثرواتها المخبوءة والتعرف على مختلف حيواناتها وشلالاتها ومنابعها المائية، حيث تحتوي الشريعة على مصادر معدنية هامة تصل إلى حوالي 140 ينبوعا وهو ما يجعل الإقبال على المنطقة صيفا ملفتا للغاية. غير أن التوغل إلى أعماق الغابات، وسير الكثيرين خلف فضولهم ورغبتهم الملحة في اكتشاف المزيد من المناطق واتخاذهم المسالك الصعبة والوعرة، غالبا ما ينتهي ببعض الحوادث المأساوية، التي تدفع أعوان الحماية المدنية دائما إلى مناشدة المواطنين والزائرين احترام مختلف التعليمات والإرشادات والإجراءات الرامية إلى حمايتهم وتسهيل تجوالهم واستجمامهم. كما يساهم المواطنون من حين إلى آخر في بعض الحملات الرامية إلى المحافظة على التوازن الايكولوجي بالمنطقة من خلال المشاركة في بعض عمليات التهيئة والبذر وغرس بعض الأنواع من الأشجار، خاصة الأصناف المهددة فيها كالأرز الأطلسي، وهي حملات تدعو إليها مصالح حماية الغابات بالتنسيق مع بعض الجمعيات الفعالة و المهتمة بهذا المجال. لتبقى الحظيرة الوطنية للشريعة، فضاء عائليا، مميزا لمئات العائلات الجزائرية التي ترغب في قضاء أوقات ممتعة في حضن الطبيعة، شريطة المحافظة عليها وإبقائها للأجيال المقبلة.