قد يكون من المفيد للأسر الجزائرية العودة لثقافة السياحة والتجوال التي غابت عن برنامجها السنوي والموسمي لعديد السنوات، وهذا منذ اكتواء البلد بنار الفتنة التي حرمت على الجزائريين الإقبال على المناطق السياحية والمحميات والحظائر الوطنية التي تعد آية في الجمال خاصة الجبلية منها والتي حرم الجزائريون من جمالها لسنوات، فلم يتسن لهم الاستمتاع بروعتها لا من السفوح ولا من السهول المتمدة أمام شموخها وقد يكون من جمال هذه المناطق الجبلية وأروعها "الحظيرة الوطنية للشريعة" الجوهرة الجبلية التي تعد عروس الأطلس البليدي وتاجه المطل على سهول متيجة الخضراء ووديانها. " حظيرة الشريعة" هي تلك الجبال الجميلة الساحرة بطبيعتها البكر و الممتدة على جزء من جبال الأطلس البليدي منطقة المنطقة التي يبلغ مساحتها ما يعادل 26587 هكتار مساحات جبلية يغطيها الغطاء النباتي الأخضر الذي شد إليه قلوب الكبار قبل الصغار بروعته اللا متناهية والممتدة من عبق مدينة الورود الممتدة على سفحه. "الأمة العربية" تنقلت إلى المنطقة رفقة أزيد من 50 طفلا وشابا من جمعية ترقية الشباب والطفولة لبوروبة "صدى الشباب" في جولة سياحية أرادها المنظمون كي تكون خاتمة لبرنامج الجمعية الشتوي الذي أدرجت فيه عددا من النشاطات لصالح أطفال وشباب هذا الحي الشعبي وسعيا منها لإنقاذهم من مخالب الآفات الاجتماعية التي تنخر في شباب وأطفال المنطقة خصوصا والجزائر عموما، جمعية "صدى الشباب" التي تنشط بهذا الحي الشعبي لما يقارب العشر سنوات وساهمت في توجيه العديد من الشباب هم طلبة في الجامعات وإطارات في مؤسسات كبرى وحتى أكاديميين. الانطلاقة التي كانت مبكرة على وقع أناشيد وأهازيج دينية ووطنية هز بها الشباب والأطفال حافلة الرحلة، وسط بهجة ارتسمت على وجووه العديدين منهم فمنهم من يزور هذه المنطقة الخلابة لأول مرة ولم يسبق له النظر إلى الجبال لى من السفوح والسهول. لا وجود للوحة تشير إلى أنك متجه إلى مكان سياحي ولا إلى منطقة تعتبر حظيرة ومحمية وطنية تعتبر قبلة السواح الجزائريين والأوروبيين لسنوات عديدة، أنك بصدد الارتفاع إلى قمة تعتبر الأعلى في سلسلة الأطلس البليدي، ولكن بمجرد ما تبدأ الطريق بالتعرج والارتفاع سرعان ما تترك زحمة مدينة الورود وراءك وتخف كثافة العمران وزحف الإسمنت تاركا المساحات الجبلية المتعالية تنتصب أمام ناظريك وهي مرتدية غطاء نباتيا كثيفا بأشجار الأرز الشامخة وشجار البلوط المعمرة بأوراقهما الخضراء على مدار السنة التي لم تنل منها الفصول ولا السنون، لتصنع بامتزاجها مع غطاء نباتي متنوع يربو بتنوعه عن 75 نوعا نباتيا وبمشاركة ما لا يقل عن 220 نوع حيواني، بداية لملحمة طبيعية أطلق عليها السكان اسم "الشريعة"، لوحة طبيعة تجعلك تنبهر لجمالها ومسبحا لما أبدعت يد الخالق في صنعه، وأنت ترتفع على مسافة 07 كلم لمسكان يعلوا 1627 متر عن سطر البحر تتراءى أمام ناظريك سهل متيجة باخضراره يزاحم البحر المتوسط بلونه الأزرق بشماله، وهو محتضن لمدنه المترامية في أرجائه، البليدة مدينة الورود، العاصمة البيضاء، القليعة من على ربوتها محصنة، بوفاريك والعفرون ...منظر قد لا يتسنى لك الظفر برويته من مكان آخر لتتأكد بأنك الآن في جنة من جنات الأرض التي أنعم الله بها بلد الأحرار والشهداء، ليذكرك هذا السهل المخضر بأنه كان رئة لأوروبا لسنوات طويلة أسرف المحتل الفرنسي في استنزافه وامتصاص عرق سكانه، إلا أنه لا يزال خصبا معطاء برغم الإهمال الذي يتعرض له. بعض الأطفال وقف مبهورا أمام روعة المكان والطبيعة الساحرة الخلابة بالرغم من أن الجو كان صحوا ولا ثلج يعلوا قمم الشريعة، بمجرد نزول أطفال الجمعية من الحافلة حتى تراموا في أطراف المكان الذي لم يتسن لعدد منهم رؤيته من قبل، حتى أنهم لم يحسوا للجو البارد نسبيا، برنامج الرحلة الذي كان ثريا حيث فضل المنظمون أن يكون أحد ملاعب الشريعة هو مكان اختتام الدورة الكروية التي كانت على مدار أيام العطلة، حيث جرت المقابلة في أجواء حماسية جدا وسط حضور لمتفرجين من السواح الذين شدهم لعب الأطفال ومنافستهم فيما بينهم. لينطلق بعدها الأطفال للتجول في الحضيرة الوطنية التي شدتهم بجمالها واخضرارها وأمام مرأى منهم سلسلة جبال الأطلس التلي الذي يمتد على مرمى البصر لمئات الكيلومترات. سياح.. جمعيات وأفواج كشفية من مختلف ولايات الوطن جمعيات أخرى وأفواج كشفية من مختلف ولايات الوطن كانوا في الموعد بالإضافة إلى مئات السواح الذين لم يثنيهم غياب الثلوج عن قمم الشريعة من أن تكون هذه الحظيرة على أجندتهم كي يستمتعوا بهوائها النقي ويقدموا لبصرهم فرجة مريحة لهم ولعوائلهم ، ولعل ما يعطيك الانطباع على تعدد أماكن الوافدين هو لوحات الترقيم السيارات والحافلات التي حملت مختلف الأرقام (02)، (26)،(16)، (42)،... الفوج الكشفي للفلاح كان أحد الافواج الكشفية الذين تقربنا منهم حيث أكد لنا أحد قادته بأن روعة المكان دفع بقادة الفوج إلى تسطير زيارة له بالرغم من بعد المسافة كاشفا لنا بأن الفوج ينشط على مستوى بلدية حاسي بحبح بالجلفة، إلا أنهم فضلوا القدوم لمدينة الورود وعروس الاطلس البليدي الشريعة على أي مكان آخر. الشريعة تعتبر منطقة سياحية على مدار العام، ففي الشتاء البارد تتوج الحظيرة ببردة من الثلج حيث يستقطب بياضها القطني آلاف السواح الذين يزدحم بهم المكان، غير أن لفصل الربيع والصيف سواحه أيضا وهذا بالنظر إلى الجو اللطيف الذي يسودها في تلك الأيام حيث تبهر الشريعة كل مريدها. وسط هذه الطبيعة العذراء تستقبل الشريعة أصدقاءها وعشرات المتيمين بجمالها ولكن بهياكل منهكة أكل عليها الدهر وشرب وبخدمات جد محدودة، تجعل من الصعب على المنطقة استيعاب العدد المتزايد من الزوار والمركبات التي تقصدها وبقوة في فترات العطل والراحة. فموقف السيارات محدود الاستيعاب، ونادي التزلج لا يزال على حاله منذ عشرات السنين وطاقته الاستعابية ضعيفة كما أن المرافق الاستجمام تكاد تكون منعدمة، غير أن عزاء الزوار الوحيد يكاد يكون في الطاولات الخشبية وتلك المقاعد المترامية وسط الغابة الكثيفة الخضراء، بالإضافة إلى بعض المحلات وعدد من الطاولات المتواجدة بالقرب من مكان التزلج حيث يجد سكان بلدية الشريعة وشبابها ممن ضاقت بهم سبل العيش والعمل فرصة في كسب بعض المصاريف من بيع "الفول السوداني"، "الشاي" و"الشيبس" وحتى "التبغ"، "وآلات التصوير" بالإضافة إلى كراء المزلجات في أيام تساقط الثلوج وتغطيتها لمنحدرات مقابل مبالغ زهيدة. هذه المدينة الجبلية التي لا يربطها بمدينة البليدة سوى طريق متعرج طويل على يتجاوز ال 18 كيلومترا، أو بواسطة المصعد الهوائي الذي كثرت عيوبه وتعطلاته بالرغم من تدشينه الحديث بعد عملية تجديد وتأهيل تكنولوجي حديث قدرت كلفتها المالية بأكثر من مليار و 512 دينار، هذا المصعد الهوائي الذي كان رابطا آخر بين البليدة والشريعة والذي ظل متوقفا لقرابة خمسة عشر سنة وهذا عقب عمليات التخريب التي تعرض لها سنة 1993 على يد جماعات إرهابية، ويتشكل المصعد الهوائي من 77 عربة تسع كل واحدة منها لنقل ستة أشخاص بمعدل 900 شخص في الساعة. حيث كان من المنتظر أن يساهم هذا المشروع بالإضافة إلى فك الخناق عن حركة المرور في إنعاش النشاط السياحي بالمنطقة الجبلية، إلا أن الأوضاع لم تتحسن بالشكل المطلوب بالرغم من استتباب الأمن الذي أعرب لنا عديد الزوار ممن تحدثنا إليهم بأنهم قد عاينوه بالشريعة، أحد أعوان حماية الغابات الذين تحدثنا إليهم بالمنطقة كشف لنا بأن السواح المقبلين على المنطقة يتوافدون على طول السنة وقال أن تهيئة المنطقة تسير ولكن بخطى ثقيلة، وأكد لنا بأن المشكل الوحيد الذي تعاني منه الحظيرة هو الحرائق الناجمة عن الأشخاص والتي تقضي على مساحات هائلة في ساعات قليلة، وأضاف بأن الجمعيات التي تأتي للمنطقة قد غدت تدرج على جدول نشاطاتها بالشريعة حملات تشجير. وهذا برعاية من مصالح حماية الغابات بالمنطقة المحمية. سكان الشريعة وبعد سنوات من العزلة يعانون الآن من لبطالة التي تمس شبابها والذين لم يستفدوا من أي برامج استثمارية تلائم المنطقة السياحية قد تفيد في خلق فرص للعمل تخفف عنهم حسرتهم وتدفعهم للشغف بمنطقتهم التي تزخر بإمكانات سياحية كبيرة تعرضت لعشرات السنوات للإهمال وعدم الاستغلال. عودة "الأمة العربية" برفقة أطفال وشباب جمعية "صدى الشباب" كان قبيل الغروب أين استمتع الأطفال بالمناظر الرائعة لأنوار مدن السهل المتيجي أنوار تدل على عودة الحياة إلى العاصمة وضواحيها، أضواء اختلطت بمنظر الغروب وبإسدال لليل لأستاره على منطقة ظلت تخطف ألباب الزوار السياح . لجبال باتت بشموخها تدل على عظمة بلد ثري بثرواته السياحية والطبيعية.