الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لإنتاج الحليب بجنوب البلاد    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    تعيين نواب من العهدات السابقة في اللجنة الخاصة    هذه رزنامة امتحاني البيام والبكالوريا    سوناطراك: حشيشي يستقبل الأمين العام لمنتدى لدول المصدرة للغاز    عجّال يبحث سبل تعزيز التعاون مع سفير جنوب إفريقيا    تطبيق رقمي لتحديد التجّار المُداومين في العيد    الرجال على أبواب المونديال    2150 رحلة إضافية لنقل المسافرين عشية العيد    التبرع بالدم.. سمة جزائرية في رمضان    الحماية المدنية تدعو إلى الحيطة    مكسب جديد للأساتذة والمعلمين    فرنسا.. العدوانية    هذا موعد ترقّب هلال العيد    الجيش الوطني الشعبي: القضاء على إرهابيين و خمسة آخرون يسلمون أنفسهم خلال أسبوع    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    معركة جبل بشار... حدث هام يحمل دلالات تاريخية كبيرة    تساقط الثلوج على مرتفعات وسط وشرق البلاد ابتداء من مساء السبت المقبل    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    الرئيس الصحراوي يدعو الى التعبئة من أجل فضح السياسات القمعية للاحتلال المغربي بحق السجناء السياسيين    الجزائر تشارك في الطبعة ال 12 من الصالون الدولي للسياحة بكرواتيا    بلمهدي يستقبل المتوجين في المسابقة الوطنية لحفظ القرآن والمسابقة التشجيعية لصغار الحفظة    كأس الجزائر (الدور ربع النهائي): اتحاد الحراش أول المتأهلين إلى نصف النهائي    فلسطين: الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على طولكرم ومخيمها لليوم ال60 على التوالي    قسنطينة/ مكافحة السكن الهش : توزيع مفاتيح 1226 وحدة سكنية    المرصد الأورومتوسطي: استشهاد أكثر من 103 فلسطينيا واصابة 223 اخرين يوميا منذ استئناف العدوان على غزة    اللقاء بسفير المملكة لدى الجزائر فرصة لتأكيد "ضرورة تعزيز التعاون والشراكة"    فوز المنتخب الوطني على الموزمبيق "رسالة واضحة للمشككين"    عرض فيلم زيغود يوسف    محرز فخور    صادي سعيد    حلوى "التمر المحشي" على رأس القائمة    "الطلاق" موضوع ندوة علمية    ملابس العيد.. بين بهجة الموديلات ولهيب الأسعار    الجمعية الوطنية لتربية المائيات تطالب بلقاء الوصاية    دورية تفتيشية لمكاتب صرف منحة السفر    سوريا تواجه تحديات أمنية وسياسية خطيرة    "أطباء بلا حدود" تطالب بمرور المساعدات الإنسانية لفلسطين    خط السكة العابر للصحراء.. شريان تنموي وثقل إقليمي    تشياني يصبح رئيسا لجمهورية النيجر رئيسا لدولة    الفساد يستشري في المغرب ويهدّد مفاصل الدولة    حققنا فوزا مهما لكننا لم نضمن التأهل بعد    برامج ومسلسلات ومنوعات اختفت    أغلب رواياتي كتبتها في رمضان    حساب رسمي لوزارة الدفاع الوطني على "إنستغرام"    الأرجنتين تدكّ شباك البرازيل برباعية    بيتكوفيتش: لم نتأهل بعد إلى المونديال وراض عن الأداء    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شوال السبت القادم    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري    الجزائر تندد    استشهاد 17 فلسطينيا خلال استهداف منازل وخيام لنازحين    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    الدعاء في ليلة القدر    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    غزة تُباد..    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"التدخل" الامريكي و"الغضب" المصري
نشر في أخبار اليوم يوم 21 - 11 - 2010

في مصر ضجة هذه الايام، محورها التدخل الامريكي السافر في الشؤون الداخلية المصرية، من خلال مطالبتها، وعبر احد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الامريكية، بضرورة اجراء انتخابات حرة ونزيهة، في حضور مراقبين دوليين، والسماح بالتجمعات السياسية السلمية، وتغطية اعلامية جيدة لكل الاتجاهات.
من المفترض ان العلاقات المصرية الامريكية جيدة، وقوية، يسودها التنسيق في الشؤون الاستراتيجية الذي تدعمه الادارة الامريكية، بمساعدات سنوية، عسكرية واقتصادية، تصل قيمتها الى حوالي ملياري دولار، ولكن يبدو، ومن خلال الغضبة الرسمية المصرية التي تنعكس على شكل تصريحات غاضبة للمسؤولين المصريين، وهجمات اعلامية اكثر شراسة، ان هناك بوادر ازمة يمكن ان تتطور فيما هو قادم من ايام.
الشعب المصري بلغ سن الرشد، ولكن المشكلة تتمثل في نظامه الحاكم الذي يتعامل مع هذا الشعب وكأنه قاصر لم يبلغ مرحلة الفطام بعد، والمطالب الامريكية بانتخابات حرة ونزيهة هي مطالب الشعب المصري واحزابه وقواه الحية الشريفة التي تعتز بتراث بلدها الحضاري، وعقيدته الراسخة الجذور.
النظام يزوّر الانتخابات البرلمانية في مصر، وهذا التزوير ليس اختراعاً او افتراءً، وانما حقيقة موثقة بالوقائع الدامغة بالصوت والصورة، والاخطر من ذلك ان النظام بات يصدِّر خبراته في التزوير الى الدول العربية المجاورة، حتى تتم الاستفادة منها واساليبها الحديثة في تبديل صناديق الاقتراع، واخراج النتائج بما يرضي الحاكم ويغضب الله والشعب.
***
نعم.. الحياة السياسية الديمقراطية تتسم بالعراقة وكانت على درجة كبيرة من النزاهة والشفافية لا نرى لها مثيلاً هذه الايام، حيث كان البرلمان يمثل مختلف القطاعات الشعبية، ويمارس دوره الرقابي على السلطة التنفيذية بكفاءة عالية، ويحاسب الوزراء، ويسحب الثقة من الحكومات ورؤسائها، مدعوماً بصحافة حرة، ونظام قضائي عادل ومستقل.
الادارة الامريكية لم تنتهك السيادة المصرية بمطالبتها بانتخابات حرة ونزيهة، لأن هذه السيادة منتهكة أمريكياً منذ عقود، ولا جديد في الأمر، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وتوريط مصر في معاهدات سلام مهينة مع اسرائيل، تفرض عليها بيع الغاز والبترول بأسعار بخسة، وحراسة الحدود الإسرائيلية مجاناً، والمشاركة بحماس منقطع النظير في تشديد الحصار الظالم على قطاع غزة، والتنسيق مع أجهزة الامن الاسرائيلية لقمع المقاومة وتصفية رموزها ورجالاتها باعتراف المسؤولين الاسرائيليين انفسهم.
مطالبة امريكا بانتخابات حرة ونزيهة بحضور مراقبين دوليين تشكل انتهاكاً للسيادة المصرية، اما مطالبتها ببناء سور فولاذي لخنق ابناء قطاع غزة، يشرف على بنائه مهندسون امريكيون، فليس كذلك.
التدخل من وجهة نظر النظام يعتبر مرفوضاً ومهيناً طالما انه يصب في مصلحة الشعب المصري، وبما يؤدي الى تحقيق مطالبه في الاصلاح الديمقراطي، ولكن عندما يكون هذا التدخل في خدمة تعزيز النظام، واستمراره في الحكم، وتسهيل خططه في التوريث، فانه تدخل محمود ومرحب به، ينزل برداً وسلاماً على قلوب اهل السلطة والسطوة في قاهرة المعز.
فاذا أراد النظام اعلاء اسواره، وسد الثغرات التي يمكن ان تفتح المجال لحدوث هذا التدخل فان الوصفة السحرية لذلك هي اجراء انتخابات حرة ونزيهة، في حضور مراقبين دوليين، تماماً مثلما تفعل كل الدول والحكومات الاخرى الواثقة من نفسها ومن صلابة نظامها السياسي وشرعيته.
***
وجود مراقبين دوليين يتابعون سير الانتخابات، ويراقبون عملية الاقتراع، لا يشكل انتهاكاً للسيادة، وانما تعزيزاً لها، والانظمة التي تعارض وجود هؤلاء تضمر نوايا مسبقة بالتزوير، لانتخاب برلمان غير شرعي، تكون مهمته البصم على سياسات الحكومة، والتغطية على الفساد المستشري في مفاصلها الرئيسية.
نحن ضد اي تدخل امريكي في شؤون مصر او اي دولة عربية اخرى، لاننا نعرف نتائج مثل هذا التدخل، كما نرى بأعيننا آثار الكوارث التي ترتكبها امريكا باسم التغيير الديمقراطي في كل من العراق وافغانستان، ولكن معارضتنا لهذا التدخل تتناقض كلياً مع اسباب معارضة النظام المصري له، لان هذا النظام شريك اساسي في السياسات الامريكية في المنطقة، واحد ابرز مهندسيها تحت مسمى "الاعتدال" و"الواقعية".
***
الذين يعرفون الشأن المصري جيداً يدركون ان هذه "الهبَّة" الامريكية الداعية الى النزاهة والمراقبة الدولية، ليست جديدة، وهناك شكوك عديدة حول صدقيتها، ويبدو ان المطلوب من هذه الادارة "الديمقراطية" ان توجه هذه الانتقادات والمطالب للنظام المصري، لرفع اللوم والعتب، واسكات بعض الاصوات "الليبرالية" داخل مصر، ومن المتوقع ان يرد النظام بكلام آخر حول السيادة ويبقى الوضع على حاله إن لم يكن اكثر سوءاً.
اذا كانت ادارة اوباما جادة فعلاً فيما تقوله لدعمت القول بالعمل، وهي تملك أوراق ضغط كثيرة تستطيع استخدامها بفاعلية لو ارادت، مثل ورقة المساعدات المالية؛ فالتلويح بها كفيل باجبار النظام على اجراء التعديلات الدستورية المأمولة، واجراء الاصلاحات السياسية التي يطالب بها الشعب.
الشعب المصري في تقديرنا سيخرج الكاسب الاكبر من هذا الاشتباك بين الفيلين الامريكي والمصري الرسمي، فحالة الخوف التي دبت في اوصال النظام من جراء المطالب الامريكية هذه تعكس مدى هشاشته، ولا نستبعد ان تقلل من حالة تغوله المألوفة في تزوير الانتخابات وقمع المعارضة، والتعاطي بخشونة مع الناخبين.
الامر المؤكد ان ما كان يصلح لمصر، او اي بلد عربي آخر، قبل ثلاثين او اربعين عاماً، لم يعد يصلح حالياً، بسبب حالة التطور التكنولوجي التي تسود العالم، وخاصة على صعيد ثورة الاتصالات.
النظام المصري ربما يحاول ممارسة التزوير مجدداً، ولكن ادواته اصبحت بالية ومكشوفة، ولكنه لن يستطيع في ظل هذه الثورة اخفاء المعلومات، التي باتت الحليف الاقوى للمعارضة الشعبية المتنامية.
امتحان الانتخابات المقبل سيكون الاكثر عسراً بالنسبة الى النظام في مصر، ومع اعترافنا بقدرته على البطش من خلال آلة القمع الجبارة التي تعمل تحت امرته، وابقته على كرسي الحكم ثلاثين عاماً، فان عجلة التغيير بدأت في الدوران، ومن الصعب ان تتوقف او هكذا نعتقد.
* النظام يزوّر الانتخابات البرلمانية في مصر، وهذا التزوير ليس اختراعاً او افتراءً، وانما حقيقة موثقة بالوقائع الدامغة بالصوت والصورة، والاخطر من ذلك ان النظام بات يصدِّر خبراته في التزوير الى الدول العربية المجاورة، حتى تتم الاستفادة منها واساليبها الحديثة في تبديل صناديق الاقتراع، واخراج النتائج بما يرضي الحاكم ويغضب الله والشعب.
* الادارة الامريكية لم تنتهك السيادة المصرية بمطالبتها بانتخابات حرة ونزيهة، لأن هذه السيادة منتهكة أمريكياً منذ عقود، ولا جديد في الأمر، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وتوريط مصر في معاهدات سلام مهينة مع اسرائيل، تفرض عليها بيع الغاز والبترول بأسعار بخسة، وحراسة الحدود الإسرائيلية مجاناً، والمشاركة بحماس منقطع النظير في تشديد الحصار الظالم على قطاع غزة، والتنسيق مع أجهزة الامن الاسرائيلية لقمع المقاومة وتصفية رموزها ورجالاتها باعتراف المسؤولين الاسرائيليين انفسهم.
* التدخل من وجهة نظر النظام يعتبر مرفوضاً ومهيناً طالما انه يصب في مصلحة الشعب المصري، وبما يؤدي الى تحقيق مطالبه في الاصلاح الديمقراطي، ولكن عندما يكون هذا التدخل في خدمة تعزيز النظام، واستمراره في الحكم، وتسهيل خططه في التوريث، فانه تدخل محمود ومرحب به، ينزل برداً وسلاماً على قلوب اهل السلطة والسطوة في قاهرة المعز.
عبد الباري عطوان. القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.