التدخين تحول إلى ظاهرة تفرض نفسها بالمجتمعات دون أي جدال، لكن ما يهز البدن ويفقد الصواب هو أن نرى هذه الظاهرة وقد طالت أطفال دون الخامسة عشر مما يجعل ناقوس الخطر يدق حول هذا الوضع، لاسيما أن تلك التصرفات تعد بداية لانحراف قريب والغريب في الأمر أن المؤسسات التربوية أضحت مرتعا خصبا لشتى الممارسات ولم يقتصر الأمر على تدخين السجائر العادية بل شاع عن بعض المدارس ترويج أنواع من السجائر المحشوة بالمخدارات خلف أسوارها من دون أن ننسى إرفاق الأسلحة البيضاء التي باتت الرفيق الدائم لبعض التلاميذ من باب الدفاع الشرعي، حسبهم. حسيبة موزاوي إن كان التدخين مشكلة حقيقية ووباء طال الكبار وبدأ يفتك بالصغار الذين يتفاخرون بحمل السجائر بدون خجل أو خوف وكأن التدخين دليل على الرجولة المبكرة، فكيف للأولياء السكوت عن هذا الوضع الخطير خاصة أن الله عز وجل أمرنا في كتابه الكريم بأن نحافظ على أولادنا ونحميهم من المهالك والأخطار، ومما يهدد مستقبل حياتهم، حيث قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ . تصريحات جريئة على أفواه التلاميذ
قادنا الإحساس بالمسؤولية إليهم، طرقنا أبواب المؤسسات التعليمية بمختلف أطوارها نتفقد أحوالهم ونقف بجدية على واقعهم، أردنا الاطمئنان على رجال الغد، حاملي المشعل في المستقبل القريب، فوجدناهم بأسوأ حال، كنا نتوقع ذلك لكن ليس بالحجم والكثافة التي عايناها، أطفال لازالوا في أول الطريق، أعمارهم بين 15 و16 وأحيانا تحتها بسنوات، يافعون في عمر الزهور سنهم لم يتجاوز العشرين عاما، اختاروا جميعا طريق الظلام وانغمسوا في عالم الإدمان الذي تقتل فيه كل معاني الحياة. أهلي لا يعلمون أنني أدخن، لم ينتبهوا للأمر قط، خصوصا أنهم لا يهتمون بمواعيد دخولي وخروجي من البيت ، قالها أحد التلاميذ، وقال آخر أختي تمنحني نقودا كلما التقتني بالشارع، حتما هي تعرف أنني مدمن على السجائر لذلك تفضل أن تمدني هي بالمال خير من أن أسرق أو أعترض سبيل المارة وأسلبهم أموالهم تلبية لرغبتي في التدخين، ليس في السجائر عيبا فكل الناس تدخن، الطبيب يدخن والأستاذ يدخن والمدير يدخن والبنات يدخن، لما نقلع نحن إذن عن التدخين؟ هل تضرنا نحن وحدنا؟ ثم هذا المدرس الذي يدخن أمامنا في القسم وذاك الحارس العام في الساحة المدرسية أليسوا رجال تعليم وأصحاب رسالة ويدركون جيدا مضار التدخين؟ إلم يكن أولى بهم عدم التدخين على الأقل أمامنا؟ لماذا يقع اللوم علينا نحن الصغار وتبرأ ذمة الكبار؟ أنا والدي يدخن وأعرف آباء كثر يفعلون نفس الشيء وأبناؤهم. كانت هذه اعترافات ووجهات نظر مختلفة، لم نستقها من الشارع الذي تعودنا على مثل هذه السلوكات فيه وتعايشنا معها جبرا، إنما كانت تصريحات تلاميذ مؤسسات تعليمية، من داخل أسوار المدارس والثانويات تكلموا عن واقع غريب فعلا لم نعهده من قبل، أيام كانت المدارس فعلا مدارس، يقصدها طلبة العلم باختلاف مستوياتهم الدراسية لتحصيل العلم والمعرفة، لتثقيف النفس وتكوين الذات لمستقبل أحلامه وردية، عكس ما يشهده الواقع الحالي، حيث التلميذ قادم إلى المدرسة بفكر ملوث، قادم ليضحك على أستاذ يقف أمامه يلقنه درسا يفيده، قادم لينشر السموم بين زملائه وإن صده أحد أشهر السلاح الأبيض في وجهه وهدد بالأسوأ، قادم ليفخر بين أقرانه بكل وسائل الانحراف والضياع، ويبقى السؤال مطروحا لماذا هذه الصورة المؤلمة عن تلامذتنا؟ أبناؤنا في خطر... فهل من مجيب؟ من جهتنا، حاولنا التحدث مع معلم بمؤسسة تربوية الذي دافع عن دور المدرسة بعدما نسبت إليه التهمة إحدى أولياء التلاميذ فقال إننا في المدرسة لا نتحمل أية مسؤولية، فالتلميذ عندنا محاط ومراقب طالما هو موجود في هذا الإطار التربوي، إضافة إلى أن بعض المواد التي تدرس تحتوي على دروس توعوية وتثقيف صحي (تلوث، تدخين، عنف...) أما إذا ما خرج من هذه المدرسة فإن مراقبة الطفل ومعرفة أجوائه وطبيعة المحيط الذي يقحم نفسه فيه أمر موكول للأولياء . من جهتها، كشفت الدكتورة ساحلي جويدة عن وجود عادة التدخين بين الأطفال، خصوصا في العالم الثالث وعالمنا العربي، حيث تنتشر ظاهرة التدخين بين الأطفال فنرى بأن الأمراض التي كانت تصيب كبار السن سابقا بدأت بالظهور الآن في الأطفال، ونصحت الأمهات بالاهتمام بصحة أولادهن ومراقبتهم لأن التدخين خطير جدا، كما أن تدخين الصبيان والأطفال يسرع من إصابتهم بأمراض مهلكة تنتج عنها حالات تؤثر على صحتهم في المستقبل ولربما يتعرضون بسببها للموت، خاصة أن الظاهرة تأخذ أبعادا خطيرة في مقدمتها الاضطرابات الأسرية وسوء معاملة الآباء لأطفالهم، إضافة إلى تقليد الكبار، وتلك تجارب تعبر عن البيئة المحلية التي تحيط بالطفل، مؤكدة أن سلامة صحة أطفالنا مسؤولية الجميع، طبعا المسؤولية تعود لنا جميعا، ليست المؤسسات التعليمية وحدها، بل الآباء والمجتمع والأسرة والمحيط الذي يعيش فيه هذا التلميذ، والشارع الذي يقضي فيه وقتا لا يستهان به، والدولة بمختلف أجهزتها وأركانها، كلنا مسؤولون عن هذا الوضع المؤسف، أبناؤنا في خطر، إخوتنا وفلذات أكبادنا في الهاوية، فهل من مجيب؟