وضع الوزير الأول عبد المالك سلال النقاط على الحروف بشأن سياسة التقشّف التي أعلنت الحكومة عن الشروع في تدابيرها تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، مُقدما قائمة بالقطاعات التي سيستثنيها قرار تجميد التوظيف، وهي قطاعات ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية هامة، وهو ما يعني استمرار التوظيف بصفة عادية فيها. وجّه الوزير الأول عبد المالك سلال في حوار خاص أجرته معه وكالة الأنباء الجزائرية ونشرت مضمونه أمس الثلاثاء رسائل طمأنه بالجملة إلى ملايين الجزائريين، خاصّا بالذكر البطّالين عموما وخرّيجي الجامعات بوجه خاص، حيث قال إن (قرار تأجيل التوظيف في الوظيف العمومي في بعض المجالات غير الأولوية لن يخص القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الهامّة مثل التربية والتعليم العالي والتكوين المهني والصحّة، حيث تقرّر بالعكس تعزيز التأطير والتعليمة الأخيرة الموجّهة لأعضاء الحكومة وللولاة تتعلّق بهذه المسألة تحديدا). اطمئنّوا.. ردّا على سؤال جاء فيه: (ما هي الإجراءات والمساعي التي تعتزم الحكومة اتّخاذها لمواجهة تراجع أسعار البترول؟ وما هي القطاعات التي ستمسّها إجراءات التقشّف؟ وما الذي تعتزمون القيام به لحماية الفئات الاجتماعية المعوزة؟)، قال سلال ما يلي: - (لقد تحرّكت الحكومة سريعا حيال الانخفاض المفاجئ لأسعار المحروقات في الأسواق العالمية من أجل تقييم انعكاسات هذه التذبذبات ووضع التصوّرات الميزانية التي تسمح بمواصلة التنمية الاقتصادية في البلد والحفاظ على جهود الدولة في القطاعات الهامّة). - (إثر الاجتماع المصغّر المنعقد في 23 ديسمبر 2014، والذي ترأسه رئيس الجمهورية تمّ اتّخاذ إجراءات تعديل واضحة ومن المنتظر أن تنفّذ سريعا من أجل إنجاز البرنامج الخماسي الخاص بالاستثمارات وترشيد النفقات العمومية والتحكّم في التجارة الخارجية وتدفّق الرساميل وتنشيط قطاعات البتروكيمياء والفلاحة والسياحة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة وتطويرها). - (أودّ أن أوضّح في هذا الصدد أن ورشات تنويع الاقتصاد الوطني وعصرنة المرافق العمومية وتحسين تنفيذ النفقات العمومية تمّت مباشرتها قبل تراجع السوق العالمية للمحروقات). - (لقد تمّ على سبيل المثال وبفضل تعزيز وسائل الإنجاز وتحسين إدارة المشاريع تسجيل تقدّم في تنفيذ نفقات التجهيز بنسبة 28 بالمائة، حيث انتقلت من 1.873 مليار دينار سنة 2013 إلى 2.400 مليار دينار، حسب توقّعات نهاية سنة 2014. كما أن تعليمات فخامة رئيس الجمهورية كانت واضحة بخصوص ضرورة الحفاظ على جهود الدولة في مجال العمل الاجتماعي ومواصلة البرامج في مجالات الإسكان والصحّة والتربية وخدمات الماء والطاقة وكلّ ما يساهم في تحقيق راحة المواطنات والمواطنين). - (الشبيبة بدورها ما تزال تشكّل محورا أولويا في عمل السلطات العمومية، فلقد تمّ الإبقاء على مختلف الآليات والترتيبات الخاصّة بدعم التشغيل وخلق النشاطات من طرف المقاولين الشباب نظرا للنتائج الجيّدة التي تمخضّت عنها. فمقارنة بسنة 2013 نسجّل مثلا على مستوى ترتيبات الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين على البطالة والوكالة الوطنية لتشغيل القرض المصغّر زيادة بنسبة 17 بالمائة فيما يخص عدد الملفات المموّلة و51 بالمائة في قيمة القروض البنكية الممنوحة و20 بالمائة فيما يتعلّق بإنشاء مناصب شغل [262.194 مقابل 153.165]). - (أودّ أن أطمئن أن قرار تأجيل التوظيف في الوظيف العمومي في بعض المجالات غير الأولوية لن يخص القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الهامّة مثل التربية والتعليم العالي والتكوين المهني والصحّة، حيث تقرّر بالعكس تعزيز التأطير والتعليمة الأخيرة الموجّهة لأعضاء الحكومة وللولاة تتعلّق بهذه المسألة تحديدا). - (بموجز العبارة فإن الأمر يتعلّق ومن دون تعطيل وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية باعتماد مسعى وقائي واحترازي يحافظ على متانة الاقتصاد الوطني ويجنّبه اللّجوء إلى الموارد المالية الخارجية في حال طال أمد تراجع أسعار المحروقات). الجزائر يمكنها أن تصبح بلدا ناشئا أبرز الوزير الأول عبد المالك سلال مختلف مؤهّلات الجزائر التي تمكّنها من أن تصبح بلدا ناشئا وفاعلا دوليا، وذكر حيوية اقتصادها وشعبها الفتي. وقال سلال: (لا أشكّ أبدا في هذا السياق الدولي السياسي والاقتصادي المتوتّر في قدرة الجزائريين على رفع هذا التحدّي الكبير معا في كنف التضامن)، ودعا الجزائريين إلى التجنّد من أجل وضع حدّ للتبذير وإلى الوثوق بمستقبلهم. حسب المعطيات الرسمية تمكّنت الجزائر بين سنتي 2000 و2013 من تحسين مؤشّرات اقتصادها الكلّي وإنهاء هذه الفترة (في موقف خارجي مريح) باحتياطات صرف بلغت 194 مليار دولار ونسبة مديونية خارجية ضئيلة جدّا. كما أن سنة 2013 انتهت ب (أدنى نسبة مديونية في التاريخ) ب 5ر374 مليون دولار فقط مقابل 4ر20 مليار دولار سنة 2000، وهي حصيلة مشجّعة تؤكّد وتفسّر الأداء الجيّد للاقتصاد الوطني خلال الفترة 2000-2013. وقد أمر رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة في ماي الفارط الحكومة بإجراء سباق حقيقي مع الزمن لصياغة، ما يكفل الاستجابة لتطلّعات المواطنين، لا سيّما الشباب وبناء اقتصاد متنوّع وتنافسي ضمانا لنمو أفضل يمكن أن تبلغ نسبته 7 بالمائة. وقد أوضح الوزير في هذا الصدد أن الأمر يتعلّق (بتسريع مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بما تمليه ترقية اقتصاد متنوّع وتنافسي). وفي هذا الإطار، يهدف العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو المبرم في فيري الماضي خلال اجتماع الثلاثية (الحكومة-الاتحاد العام للعمال الجزائريين-أرباب العمل) إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتنمية الأنظمة الاجتماعية، على غرار النظام الاجتماعي للصحّة وتشجيع الحصول على مناصب العمل وتعزيز الشراكة وتأهيل المؤسسات. وقد اشار رئيس الجمهورية في ذات الإطار إلى (صياغة برنامج 2015 - 2019 للاستثمار والتنمية بتضمينه أثناء إعداده نتائج المشاورات الوطنية والمحلّية المطلوبة وباستخلاص العبر من التجارب السابقة)، وقد أكّد أنه (يجب تحسين إثر هذا البرنامج على التنمية المحلّية والتنمية البشرية، بل وعلى تطوير اقتصاد منتج وتنافسي في القطاعات جميعها). ولدى تقديمه للتقرير الفصلي لبنك الجزائر حول التوجّهات النقدية والمالية في مارس الفارط كان محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي قد أشار إلى أن (الوضعية المالية الخارجية الصافية للجزائر تبقى متينة) و(في مستوى ديون خارجية منخفض غير مسبوق تاريخيا)، كما سجّل أن (المستوى الحالي لهذه الاحتياطات يفوق عتبات التناسب المعتادة للبلدان الناشئة)، ممّا يسمح للجزائر ب (مواجهة الصدمات الخارجية المحتملة والحفاظ على استقرارها الخارجي)، وهذا ما مكّن الجزائر من المشاركة في عملية الاقتراض الدولية التي أطلقها صندوق النقد الدولي بقيمة 5 ملايير دولار. للتذكير، فإن هذا القرار السيادي للجزائر يمكّنها من الدخول إلى النادي الخاص للبلدان الدائنة للصندوق بتمكينه من تعزيز قدراته على منح القروض للبلدان النامية في سياق أزمة اقتصادية عالمية. وكان السيّد سلال قد أوضح في نوفمبر المنصرم أن مؤشّرات الأداء الاقتصادي في الجزائر إيجابية ويمكن تحسينها (بقدر كبير)، مضيفا أن الجزائر تملك القدرة على تحقيق نمو قوي ومستديم. وأردف الوزير الأول: (نحن نملك القدرة على تحقيق نمو قوي ومستديم، لكن يتعيّن علينا التخلّص من التشاؤم السائد بيننا، وينبغي أن يكون لنا طموح لبلدنا، وأن نستشرف المستقبل بتثمين مزايانا وميادين أفضليتنا والقيام بالإصلاحات الضرورية). سلال يشيد بالسير الحسن للرئاسيات في تونس اعتبر الوزير الأول عبد المالك سلال أن (السير الحسن) للانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس يمثّل (إشارة إيجابية) على عودة السلم في المنطقة، مؤكّدا على دعم الجزائر لمسار تسوية الأزمات من خلال الحوار والمصالحة. واعتبر سلال أن (السير الحسن للانتخابات الرئاسية في تونس، والذي تعرب الجزائر عن ارتياحها بشأنه يمثّل إشارة إيجابية على عودة السلم في المنطقة، كما أنه يثبت مزايا المسارات السياسية السلمية). وبعد أن عبّر عن قناعته بأن السلم والاستقرار يظلاّن (الركيزة الأساسية لكل تقدم ديمقراطي واقتصادي واجتماعي)، أكّد الوزير الأول مجدّدا دعم الجزائر لمسارات الحوار الشامل في دول المنطقة، وتابع يقول: (إن بلدنا يدعّم وسيدعّم دوما كافّة المسارات السياسية التي تحبّذ الحوار الشامل والمصالحة التي تعتمدها الدول الصديقة والجارة في ظلّ احترام الشرعية الدولية ومبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لهذه الدول ووحدتها الترابية).