بدأ العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية في الغرب إجراء دراسات معمقة تتعلّق بمستقبل المسلمين في الجغرافيا الغربيّة، وقد تناول بعض هذه الدراسات عدد المسلمين وحجمهم الحقيقي في سنة 2050 وما سوف تكون عليه الجاليات العربية والمسلمة في تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة. يقول أحد الباحثين في السويد إنّ نصف سكّان السويد في سنة 2050 سيكونون من المهاجرين، وتحديداً من العرب والمسلمين، حيث سيصبحون قوة بشرية مؤثرة في المعادلة السياسية الغربية. والذي دفع هذه المراكز إلى إجراء مثل هذه البحوث.. الأحداث الأمنية الأخيرة التي عرفتها بريطانيا والتي كان يقف وراءها أشخاص ولدوا في بريطانيا وتلقوا تعليمهم في مدارسها وشبّوا وترعرعوا ضمن قيمها الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك فإنّ بعض المراكز الصهيونية المتخصصة في مجال الدراسات الاستخباراتية أرسل أكثر من رسالة إلى عواصم القرار في الغرب مفادها أنّ الوجود الإسلامي خطر على أوروبا في المستقبل وخطر على الكيان الصهيوني نفسه! لقد كشف تقرير أعدّه مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب والذي يقع في مدينة جليلوت في فلسطين المحتلة (أنّ الجيل الحالي من الساسة الأوروبيين مازال يتذكّر أهوال الحرب العالمية الثانية ويعرف كيف قامت دولة إسرائيل وعلى أيّ أساس، ولذلك فهو يفهم تعقيد الصورة الإسرائيلية الفلسطينية أكثر من فهم الرأي العام الأوروبي لها، ولا يزال هؤلاء الأوروبيون المتقدمون في العمر ملتزمين بأمن وشرعية الكيان الصهيوني، ويضعف هذا الالتزام لدى جيل الشباب الذي يكتسب لنفسه مكانة سياسية وصوتاً سياسيّاً في أوروبا). وجاء في التقرير أيضاً: (قد نشهد بعد سنين قليلة أوروبا تختلف عن تلك التي اعتدنا عليها، أوروبا التي تنظر بعين الاعتبار إلى العنصر الإسلامي والعربي أكثر مما تفعل الآن، أوروبا التي يكثر فيها الساسة من أتباع محمّد) بحسب التقرير. ومما زاد في (شرعنة) هذه المخاوف لدى صنّاع القرار في الغرب هو الدراسة التي نشرها المجلس الأوروبي، حيث أكدت هذه الدراسة أنّ عدد سكّان أوروبا سيتراجع وأنّ الشعب الأوروبي سيصبح شعباً مسنّاً بنسبة تتراوح بين 13 بالمائة و22 بالمائة بحلول عام 2050. كما أشارت الدراسة إلى تراجع مؤشّر الخصوبة الذي سيفضي إلى تراجع عدد الأوروبيين بنسبة 564 مليون نسمة، كما قدر خبراء المنظمة الأوروبية. وتعليقاً على هذه الدراسة قالت (شارلوت هون) رئيسة اللجنة الأوروبية حول السكّان: إنّ عدد الأوروبيين في تراجع، وارتفاع عدد سكّان القارة الأوروبية ناجم عن الهجرة من العالم الثالث والعالم الإسلامي ضمناً إلى أوروبا. عدد المسلمين: في الوقت نفسه تشير بعض التقديرات غير الرسميّة إلى أنّ عدد المسلمين في الغرب أوروبا على وجه التحديد وصل إلى ثلاثين مليون مسلم، والواقع أنّ هذه التقديرات غير دقيقة وغير رسميّة لعدم وجود إحصاء رسمي لعدد المسلمين في الغرب، غير أنّ عدد المسلمين ليس بعيداً عن هذا التقدير المبدئي، حيث تحول الصعوبات السياسية والفنية دون معرفة العدد الحقيقي للمسلمين في الغرب، إذ تخشى بعض الدوائر الغربية إن هي قدمّت الرقم الحقيقي للمسلمين في الغرب تحفيز اليمين المتطرّف ليتحرّك في الاتجاه المعاكس للسياسات الغربية الرسمية المؤمنة بمبدأ الهجرة من أجل تحقيق التوازن السكاني وخصوصاً في دول شمال أوروبا. بالإضافة إلى ذلك فإنّ عشرات الآلاف من الأوروبيين قد أسلموا وباتوا يُحسبون بحكم عقيدتهم الجديدة على الوجود الإسلامي في الغرب، بل أصبح هؤلاء المسلمون الجدد من الغربيين يديرون المعاهد والمساجد والمؤسسات الإسلامية. ويضاف إلى ذلك أنّ الوجود الإسلامي في الغرب ليس وليد الهجرات الأخيرة التي انطلقت قبل 50 سنة من العالم الإسلامي، بل هي قديمة تعود إلى وصول المسلمين إلى فرنسا سنة 716 المجتمع عندما فتحوا مدينة ناربون ثمّ مدينة تولوز سنة 721 المجتمع ومدينة ليون سنة 726 المجتمع ومدينة بوردو سنة 731 المجتمع . كما أنّه إبان الاحتلال الفرنسي لإفريقيا الذي بدأ في القرن السادس عشر، استقدم جيش الاحتلال الفرنسي آلاف الأفارقة المسلمين للعمل في المناجم والمصانع الفرنسية! أمّا هجرة الهنود والباكستانيين المسلمين إلى بريطانيا فقد كانت مزامنة للاحتلال البريطاني لشبه القارة الهنديّة. وفي مرحلة الاحتلال البريطاني للهند تدفقّ عشرات الآلاف من الهند وباكستان وبعض دول آسيا إلى بريطانيا وهم يشكّلون الرعيل الأول من المسلمين في المملكة المتحدة. وأولّ من أشار إلى عدد المسلمين في الغرب وأنّهم يقدرّون ب25 مليون مسلماً كان الرئيس البوسني علي عزّت بيجوفيتش. وتشير إحصاءات أخرى إلى أنّ عدد المسلمين في الغرب تجاوز الثلاثين مليون مسلم أي ما نسبته 6 بالمائة من مجموع سكان أوروبا البالغ 705 ملايين نسمة. ففي فرنسا يبلغ عدد المسلمين 6 ملايين، وهو الأمر الذي جعل الإسلام، الديانة الرسمية الثانية بعد الكاثوليكية و70 بالمائة منهم قدموا إلى فرنسا من المغرب العربي، وحسب دراسة للمجموعة الأوروبية صدرت في العاصمة البلجيكية بروكسل في سنة 2001 فإنّ المهاجرين يساهمون بنسبة 14 7 بالمائة من الناتج المحلي الفرنسي، وللإشارة فإنّ عدد سكّان فرنسا يبلغ 57 مليون نسمة. نسب الإنجاب: أما في ألمانيا فإنّ عدد المسلمين قد تجاوز 3 ملايين ونصف المليون نسمة من أصل 80 مليون ألماني، وفي بريطانيا تجاوز عدد المسلمين فيها مليوناً و700 ألف مسلم، وفي إيطاليا تجاوز عدد المسلمين المليون، وفي هولندا بلغ عدد المسلمين 900 ألف مسلم، وبلجيكا 600 ألف مسلم، وفي السويد نصف مليون مسلم، وفي سويسرا 400 ألف مسلم، وفي إسبانيا قرابة 4000 ألف مسلم، وفي النمسا قرابة النصف مليون، وفي اليونان 700 ألف مسلم، وفي الدانمارك قرابة 200 ألف مسلم، وفي فنلندا أكثر من 60 ألف مسلم، هذا بالإضافة إلى وجود مئات الآلاف من المسلمين في الدول الأوروبية التي انضمت أخيراً إلى الاتحاد الأوروبي. وقد كشفت هذه الأعداد الهائلة من المسلمين في مختلف الدول الأوروبية أنّ حركة الإنجاب بين المسلمين كبيرة للغاية. وحسب الخبراء الذين درسوا هذه الظاهرة قوة التناسل والإنجاب وسط الأقليات المسلمة في الغرب فإنّ ذلك يعود إلى التقاليد الإسلامية الحريصة على مفهوم العائلة الكبيرة المتضامنة، أو أنّ ذلك يعود إلى رغبة هذه العائلات المسلمة في الاستفادة من الامتيازات التي يوفرها الضمان الاجتماعي الأوروبي للعائلات الكبيرة من خلال ما يعرف بنقدية الأطفال. لماذا تخاف أوروبا من الإسلام؟! (..على غير المتوقع فإنه سيكون للمسلمين والإسلام الدور الأساسي، ومع انتصاف القرن الحادي والعشرين سيكون الإسلام العامل الأبرز في تحديد ونحت معالم أوروبا، سواء أكانت موحدةً أم دولاً).. هذا ما انتهت إليه دراسة خطيرة أعدها الدبلوماسي الأمريكي (تيموثي سافيج)، ونشرتها مجلة (ذي واشنطن كوارترلي) الفصلية في عددها لصيف عام 2004م، في موقعها على شبكة الإنترنت تحت عنوان (أوروبا والإسلام.. الهلال المتنامي وصدام الثقافات). تأتي أهمية هذه الدراسة، التي نقلها للعربية عدد كبير من المواقع على شبكة الإنترنت، من كون معدها (تيموثي سافيج)، يعمل في قسم الدراسات التحليلية المتعلقة بأوروبا، كما عمل قنصلا عاما للولايات المتحدةالأمريكية بألمانيا. وتقول الدراسة: إنه رغم الهيمنة الغربية وتوسيع سيطرة الولايات المتحدة والعديد من القوى العظمى في العالم، فإن هناك من المحللين من يعتقدون أنه لن يكون للإمبراطورية الأمريكية الجديدة، ولا حتى لدول الاتحاد الأوروبي التأثير الرئيس على مستقبل أوروبا. ويرى (سافيج) أن التحدي الإسلامي الذي تواجهه أوروبا اليوم له بُعدان: أولهما: داخلي، وهو ضرورة العمل على إدماج الأقليات الإٍسلامية التي تعيش في عزلة (في الجيتوهات)، وثانيهما: خارجي، وهو كيفية بلورة طريقةً للتعامل مع الدول الإسلامية المحاذية لأوروبا جنوبًا وشرقًا، والتي تمتد من الدار البيضاء جنوبًا إلى القوقاز شرقًا. ويعتقد الكاتب أن تفعيل الإستراتيجية الأمنية (أوروبا آمنة في عالم أفضل)، ومبادرة (أوروبا الواسعة- وجوار جديد)، يكتسي أهميةً قصوى في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها أوربا. ويصل الكاتب إلى القول بأنه: على الرغم من أن التعاون الأوروبي الإسلامي يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية إذا تم استحداث أفق جديد في التعامل مع هذا النمو الإسلامي، فإن الدول الأوروبية ما زالت حذرةً، وتُفضِّل الحفاظ على الوضع القائم بمعادلاته التقليدية، ولعل نفس المنطق سيقود الأقليات المسلمة نفسها في الغرب. مخاوف أوروبية: كثيرًا ما ترفض الدول الأوروبية أو تتردد في دعم- أو حتى مجرد الاعتراف- بتغييرات يمكن أن تحدث في مناطق مثل شمال إفريقيا، أو الشرق الأوسط، أو القوقاز، حتى وإن كان معلومًا لديها أن الحكومات والأنظمة المستهدفة بالتغيير فاسدة واستبدادية، ومنبع ذلك أنها لا تغامر بدعم أي تغيير من شأنه أن يحمل معه مجرد احتمالات عدم الاستقرار في العلاقة مع الدول الأوروبية. ومن المثير أنه في الوقت الذي تفضل فيه الدول الأوروبية محيطًا أوروبيًّا مزدهرًا اقتصاديًّا شفافًا وخاليًا من الفساد، وفي الوقت الذي تعرب فيه عن استعدادها للمساعدة على ذلك في أوروبا الوسطى والشرقية دعمًا لاقتصادات هذه البلدان، وتشجيعًا على سياسات أكثر احترامًا لحقوق الإنسان والديمقراطية.. فإن هذه الدول الأوروبية وغيرها لا تبدو مستعدةً للدخول في شراكة جادة مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أما داخليًّا فتعمل الدول الأوروبية على محاولة (تبيئة) الإسلام واستيعابه من منظور وطني أو علماني؛ بحيث يصبح تابعًا للدولة وخاضعًا لمعايير التعامل مع الظواهر الثقافية والأديان، ولعل استحداث بعض المؤسسات الناطقة باسم المسلمين أو الممثلة لهم إحدى التعبيرات الأساسية على هذا التوجه. لعل وضع المسلمين في أوروبا لم يصل بعدُ إلى مرحلة مفصلية، ولكن الثابت أن أوضاع المسلمين- حجمًا ووضعًا واجتماعيًا بدأت تأخذ بُعدًا لا يجب تجاهله، وعدم الوعي بذلك أو سوء التفاعل معه من شأنه أن يفجِّر العديد من المشكلات قد يصل مداها إلى ما وصلت إليه بعض الأحداث العنصرية في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فالتهميش الاقتصادي والاجتماعي للمسلمين قد يتحوَّل إلى لغَم ينفجر في كل وقت، خصوصًا مع التزايد الملحوظ في أعدادهم، وتردد المسلمين في الاندماج هو أيضًا من شأنه أن يعقِّد الأمور وينحرف بها عن مسارها الطبيعي. ويختتم الدبلوماسي الأمريكي تيموثي سافيج دراسته بالقول: (لعل أوروبا تتجاوز كل هذا الأفق السلبي، وتجعل من الحضور الإسلامي لديها فرصةً لتأسيس نهضة جديدة، وإذا كانت نهضة أوروبا الماضية قد تأسست على التصارع والتشابك مع الإسلام، فلا مناص لها اليوم من أن تؤسس نهضتها الجديدة على التحاور ومعانقة الإسلام، وكما بدأت الألفية الماضية بالحرب الصليبية فإن الألفية الجديدة تؤشر على بدايات مختلفة، خاصةً مع انغراس الإسلام في قلب العواصم الأوروبية).