بقلم: عبد القادر حمداوي ساهم الشهيد في تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي وكانت له عدة محطات هامة في تاريخه وحياته الجهادية وصموده ضد العدو المحتل. إنه الشهيد المرحوم قاسي بالقاسم المعروف بسي الميلود، ولد بتاريخ 20 مارس 1931 بقرية تملول بلدية مناصر ولاة تيبازة، تبعد عن شرشال ب 10 كلم، ينحدر من عائلة بسيطة تمتهن الفلاحة وتربى يتيم الأب، وبعد بداية الحركة النضالية بالمنطقة انخرط هو وأصدقاؤه ومساعدوه في خدمة الفلاحة وفي نفس الوقت تغلغل في سن مبكرة سنة 1956 م في المجال السياسي حسب شهادات أصدقائه المجاهدين ممن عاشوا معه، كان ضمن المجموعة التي تشبعت بفكر سياسي ووعي وطني هذا ما جعله يلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، وبمجرد سماع فرنسا بتحضير المجاهدين لأماكن التدريب والتحضير للثورة في الجهة، وبالتحديد انطلاقا من جبل بوحرب قامت فرنسا بجيوشها لاقتحام المنطقة والبحث عن المجاهدين الذين انضموا إلى جيش التحرير الوطني باكرا. الذين كانوا ينشطون في عين المكان ويتقاسمون الويلات ويتحملون كل شيء من برد وجوع وحرمان، شعارهم لا للاستعمار الغاشم الذي اقترف جرائم لا تعد ولا تحصى في حق سكان القرى والأرياف. وقد شارك في الحرب العالمية الثانية التي كان على علم بخباياها، كما أنه كان لنشاطه وعمله الدءوب، كما تقلد عدة رتب في نفس المجال الذي برع فيه، حيث كان مع إخوانه المجاهدين في المنطقة الرابعة قبل أن ينظم إلى فوج الكتيبة الحمدانية، التي كان يتأهب في رد الفعل للعدو بكمائن ومعارك، وبعدما دخل في صفوف الحمدانية تولى قائد فصيلة، أصبح الشهيد ضابطا في صفوف جيش التحرير الوطني ورقي بعد ذلك إلى قائد فصيلة. أين تمكن الشهيد في هذه الظروف أن يساهم بفعالية في تشكيل أفواج جديدة بعد حل الكتائب إلى أفواج صغيرة. لم يقتصر نشاطه على المنطقة الرابعة فقط، بل استطاع أن يجول هو والكتيبة على جبال من تنس إلى مدية عبر جبل زكار، إلا أن شدة كتمانه للسر وحنكته وذكائه جعل عدوا يعجز عن كشف المهام التي كان يقوم بها من جهة وقوة ثقة المسؤولين فيه وحبهم له من جهة أخرى، وكان يتمتع بثقة كبيرة لدى سي العربي وكانت له سياسة أكثر من جميع المناضلين الذين كان يترأسهم، وله سمعة كبيرة في أوساط سكان القرية يصفه بعض زملائه بأنه كان مخلصا حقا وكان ذكيا جدا، ويجمع بين الجد والمرح وكثير السرية في الأمور الخطيرة، وشجاعا لا يهاب الموت والمخاطر، يعجز كل من يخالفه في الأمور السياسية، ويمتاز بالمهارة النادرة في إصابة الهدف كالقناص الماهر. عندما أسندت إليه مهمة قائد فصيلة لدعم الجانب العسكري للكتيبة معنويا وغرس مبادئ الثورة في صفوف المجاهدين وتعبئتهم وتجنيدهم حولها منذ التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني عمل الشهيد على نشر وتوسيع رقعة الثورة بتعبئة المجاهدين وتجنيد شباب القرى في صفوف الثورة. وعندما تتوجه الكتيبة إلى جبال المدية فإنها تتشابك مع العدو في الكمائن والمعارك وقد تواصل الطريق إلى أن تصل إلى جبل أولاد بوعشرة أو تمزقيدة. شارك الشهيد في عدة معارك مع الكتيبة، كما حضر عددا من الاجتماعات مع مسؤولي المنطقة الرابعة والثانية، وفي يوم من أيام سنة 1958 كلف بمهمة في جبل شنوى ببلدية تيبازة هو وصديقه زعميش جمال أدى مهمته كما ينبغي وبرهن من خلالها على مدى قدرته على القيادة وتحمل المسؤولية وعند عودته وقصد التشاور والتعاون وتنسيق الجهود واتصالاته بقيادة الولاية خاض خلالها عشرات المعارك ضد قوات المحتلين الفرنسيين أشهرها: معركة بوحرب، معركة زكار، معركة تيطويلت، معركة تمزقيدة. قيادة ومسؤولية كان يمتاز بشخصية أهلته إلى القيادة الحكيمة والنجاح في مهامه ومسؤولياته، وقد حظي بالتقدير والإعجاب والاحترام من طرف جميع المجاهدين وتمكن من تحمل المسؤولية، فهو رجل متواضع يمتاز بالحكمة والرزانة مما جعله يؤثر على المحيط ويشده إليه، كان شديد اليقظة وقوة الحس لتوقع الأشياء، حيث يبيت في موقع وتجده فجأة يأمر بتغيير المكان، كان يمتاز بمظهر القائد من حيث العناية بهندامه وأناقته، وقد اجتمعت فيه جميع صفات القائد المحنك المتواضع. عرفت فيه مثال الرجل العظيم والقائد المحنك والسياسي البارع المتواضع المتصف بالرزانة والطيبة يحبه الجميع لإخلاصه وتواضعه، متسامحا، يستخدم المنطق في الحجة والإقناع. كان للشهيد سي بلقاسم مواقف جليلة وأعمال عظيمة يسجلها له التاريخ بكل فخر واعتزاز منها ما وصفه بها رفقاء الشهيد. قام بدور مشرف وكبير في التوعية وكان يمتاز بروح المبادرة وتكهن الوقائع والأحداث التي يمكن أن تقع في خضم الحرب والظروف الصعبة، ومن مواقفه أنه رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية الفرنسية وعند عودته إلى جبل شنوى ليلتحق بجبل بوسمام للاجتماع مع مسؤولي المنطقة وجد كمينا في مكان قرب ثكنة تابلاط وضعه العدو الفرنسي، واشتبك مع العدو وقد أصيب في هذا الكمين، وسقط شهيدا وسلاحه بيده. وهكذا خسرت الثورة بطلا من رجالها المعروفين بالوطنية الصادقة والأخلاق الفاضلة والشجاعة النادرة في سبيل الوطن. كان مناهضا للاستعمار واجه قوة عسكرية عظمى عن طريق خوض معارك كبرى أين واجه مدافع ورشاشات ومدرعات وطائرات. فقد أعطت جبهة التحرير الوطني أوامر بمهاجمة رمز الاستعمار كالثكنات ومزارع المعمرين وأعوان الإدارة والخونة، وكما يجب إحداث عدم الاستقرار لهؤلاء. كانت حياته مليئة حقا بمواقف شجاعة وأعمال مأثورة طبعت مساره، فقد كان مع الثورة الأوامر بالمنطقة الرابعة وكان هناك أيضا رجال حرب لا يزال بعضهم حيا مثل: ملود عربوز، بوركايب، زاوي موسى زواني، أمعمر بونيهي، كان محترما من طرف الجميع في أدائه المسؤولية كأنه خرج من مدرسته حربية (من المؤمنين رجال صدقوا بما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) صدق الله العظيم.