بقلم: جازية بايو منذ شهر جويلية 2014 وأسعار النفط في تراجع مستمر حيث هبط سعر البرميل إلى دون ال50 دولارا مع بداية السنة الجديدة 2015 وهو أدنى مستوى يصل إليه منذ حوالي 5 أعوام. نتيجة لهذا الوضع المفاجئ والسريع الذي يمس قطاعا حساسا كقطاع البترول والذي تتوقف عليه اقتصاديات العديد من دول العالم أثيرت تساؤلات وفرضيات عديدة، تعمق خبراء اقتصاديون وبعض العارفين بشؤون السوق النفطية، في إعطاء تفسيرات لها. ومع تعدد التحليلات تعددت الآراء ووُجهات النظر في إعطاء إجابات واضحة وموحدة عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الانهيار في أسعار البترول ومع هذا أجمع الكثير من المحللين على وصف هذا الوضع بالكارثي في حال استمراره لفترة أطول. رغم تضارب الآراء حول تفسير الظاهرة إلا أن الكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين من يعتبرون أن هذا الوضع الجديد في انهيار السوق النفطية ناتج عن قرار سياسي مُسبق تم اتخاذه لاستخدام النفط كسلاح ليس بإيقاف إنتاجه وإنما بإغراق السوق به. سلاح ضد من ولماذا * سلاح ضد إيران هناك ثلاث فرضيات تصف المملكة العربية السعودية على أنها هي العقل المدبر لهذه الحالة التي آلت إليها السوق النفطية. أولى هذه الدلائل تقول إن السعودية زادت من إنتاج النفط بشكل كبير ودفعت دول الخليج العربي إلى انتهاج نفس الخطوة، لا لشيء إلا للضغط على إيران. عن هذه المسألة كتب ديفيد غارنيرDavid Gardner، المعلق في صحيفة (فايننشال تايمز) Financial Times، أن السعودية تستخدم تراجع أسعار النفط سلاحا ضد عدوها اللدود إيران. ويؤكد غارنير على أن إيران هي التهديد الإقليمي لآل سعود خاصة بعد أن قامت طهران بتشكيل محور شيعي من بغداد إلى بيروت. بحسب الكاتب (لم يتخل السعوديون أبدا عن استخدام البترودولار لخدمة أهدافهم السياسية، فهو سلاحهم الدبلوماسي الرئيسي، ويبدو أنهم وحلفاءهم من دول الخليج يستخدمونه سلاحا سياسيا موجها ضد إيران). ويستغرب غارنير أنه مع تراجع أسعار النفط لأدنى مستوياتها منذ خمسة أعوام، تتصرف السعودية بهدوء غير طبيعي. كيف لا والسعودية أولى المتضررين من تراجع أسعار النفط حيث تتكبد لوحدها خسارة مالية تصل ل350 مليون دولار يوميا. ومع هذا، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن السعودية بإمكانها تحمل هذه الخسارة لمدة تصل إلى 3 سنوات. السبب راجع إلى امتلاك السعودية احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 700 مليار دولار. ومع هذا، وفي آخر إجراء وقائي لها، سحبت السعودية خلال شهر سبتمبر الماضي أكثر من 13 مليار دولار من الاحتياطي العام لأول مرة منذ العام 2009. ويأتي هذا الطرح ليتأكد أكثر بعد التصريح الأخير الذي أدلى به النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي لوكالة الأنباء السعودية، ففي إجابته عن سؤال يتعلق بمدى تأثر المملكة بالانخفاض الحالي للأسعار أجاب الوزير (أن المملكة لديها اقتصاد متين وسمعة عالمية ممتازة وصناعة بترولية متطورة وعملاء يصل عددهم نحو ثمانين شركة في غالبية دول العالم واحتياطيات مالية ضخمة) وأردف قائلا إن (المملكة قامت بمشاريع ضخمة في البنية التحتية وبتطوير الصناعات البترولية والتعدينية والبتروكيمائية وغيرها بشكل متين خلال السنوات العشر الماضية مما يجعل الاقتصاد والصناعة السعودية قادرة على تحمل تذبذبات مؤقتة في دخل المملكة من البترول، و أكد وزير البترول السعودي أن تذبذب الأسعار في أسواق السلع ومن ضمنها البترول هو أمر طبيعي. وعن مستقبل السوق النفطية أبدى النعيمي عن تفاؤله الكبير مشيرا إلى أنه (ما تواجهه السعودية والعالم بأسره يعتبر حالة مؤقتة وعابرة فالاقتصاد العالمي وبالذات اقتصاديات الدول الناشئة سيعاود النمو باضطراد ومن ثم يعود الطلب على البترول في النمو هو الآخر). حالة التفاؤل هذه لا تتقاسمها معظم الدول المنتجة للنفط وبالأخص منها إيران التي يعرف اقتصادها بعض الهشاشة جراء العقوبات الدولية وهذا حتى قبل أن تسيء الأمور بالنسبة للسوق النفطية. فانهيار أسعار النفط وإن كانت لا تعاني منه السعودية فإنه في المقابل يُحرج الكثير من الدول التي تعتمد بدرجة كبرى على مداخيل صادرات النفط لإنعاش اقتصادها ومن بين هذه الدول إيران. بحسب بعض المحللين الاقتصاديين، لن تستطيع إيران تحمل الخسائر الناجمة عن انهيار أسعار النفط لوقت طويل. فإيران بحاجة إلى أن تكون الأسعار فوق سقف 100 دولار لتحقيق موازنتها لمواجهة العقوبات الاقتصادية وكذا لدعم حلفائها في سوريا والعراق. ونتيجة لذلك وجهت طهران أصبع الاتهام إلى السعودية متهمة إياها بمحاولة الضغط عليها اقتصاديا من خلال سياستها النفطية المبنية على استمرار رفع إنتاج النفط رغم انهيار الأسعار. ففي أول ردة فعل لها جراء هذا الانخفاض صرحت طهران على لسان محمد باقر نوبخت المتحدث باسم حكومة حسن روحاني أن السعودية تحاول الضغط عليها وقال نوبخت (للأسف بعض دول المنطقة التي تعتبر نفسها إسلامية تتعاون مع الأعداء لتخفيض سعر النفط). مصائب قوم عند قوم فوائد لقد اتهمت إيران السعودية بأن قرارها بالاستمرار في رفع الإنتاج النفطي يأتي فقط لخدمة مصالح حلفائها من الدول الأجنبية المستوردة للبترول. هذا ما أكده القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية فيروز أبادي حيث قال صراحة إن (المملكة العربية السعودية من خلال استمرارها رفع الإنتاج النفطي تسعى فقط لخدمة مصالح أمريكا والدول الغربية غير مبالية بالدول الأخرى المنتجة للنفط التي قد تتضرر كثيرا من هذا الوضع). في الحقيقة قد لا يبدو هذا الاستنتاج خاطئا عندما نرى ردة فعل الكثير من الدول الغربية جراء هذا الوضع الراهن الذي آلت إليه السوق النفطية لتتأكد حينها المقولة الشهيرة (مصائب قوم عند قوم فوائد). فبينما تبدي الكثير من الدول المصدرة للنفط تخوفاتها من استمرار انهيار الأسعار النفطية تبدي الكثير من الدول الأخرى ارتياحها الشديد لهذا الوضع الجديد الذي ترى فيه فرصة لإنعاش اقتصادها وهذا ما دفع بالكثير من الدول المستوردة للنفط إلى اغتنام فرصة هبوط الأسعار لتخزين كميات هائلة من النفط. وفي مؤتمر صحفي نشطته جانيت يلين Janet Yellen رئيسة الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، عبرت يلين عن ارتياحها الشديد لانهيار أسعار النفط قائلة إن (هذا الوضع جد إيجابي بالنسبة للاقتصاد الأمريكي). كيف لا وقد سمحت هذه الأزمة -التي تعاني منها السوق النفطية- للولايات المتحدةالأمريكية من اغتنام فرصة هبوط الأسعار لشراء كميات هائلة من النفط وكذا توقيف نشاطها المتمثل في عملية استخراج النفط الصخري، بصفة مؤقتة. علما أن (هذا النشاط قد كلفها أموالا جد باهظة). فرضية تحالف السعودية مع أمريكا لضرب روسيا في الوقت الذي وصفت فيه أمريكا وضع السوق النفطية الحالي بالإيجابي، بالنسبة إليها، عبرت روسيا من جهتها عن استيائها الشديد لهذا الانهيار في أسعار النفط حيث ظهرت نتائجه الوخيمة على الاقتصاد الروسي وعلى عملة الروبل الذي انهارت قيمته بشكل سريع في الآونة الأخيرة. هذا ما يشكل خطرا على اقتصادها الذي يعتمد بشكل كبير إن لم نقل كلي على صادرات النفط. فلإنعاش اقتصادها كانت روسيا قد حسبت موازنتها للعام 2015 على أساس 100 دولار للبرميل. لعل هذا ما يُغذي الفرضية الثانية القائلة إن استمرار هبوط أسعار النفط ما هو إلا سلاح موجه من قبل السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية لضرب روسيا اقتصاديا جراء موقفها من الأزمتين : السورية والأوكرانية. هنا نشير إلى سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي سابقا حيث قامت السعودية وقتها بزيادة إنتاج النفط مما أدى إلى انخفاض سعره بشكل رهيب دفع نتائجه الاتحاد السوفيتي فساهم في انهياره. هذا ما جعل البعض يستخدم مصطلح (الحرب النفطية) لاستنزاف الاقتصاد الروسي. وهكذا يتجدد السيناريو نفسه. ومع استمرار انهيار أسعار النفط ستضطر روسيا إلى استنزاف احتياطاتها من العملة الصعبة أو تخفيض الإنفاق الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى تراجع الاقتصاد الروسي. حسب بعض التقديرات فإن استمرار هذا الوضع سيجعل روسيا تخسر 100 مليار دولار من إيراداتها السنوية من تصدير النفط كما ستعرف انهيار عملتها الروبل التي خسرت في الآونة الأخيرة ثلث قيمتها إزاء اليورو. ورغم هذا الوضع الذي يبعث على التشاؤم وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة إلى مواطنيه والعالم أجمع أكد فيها أن بلاده التي تشهد أزمة اقتصادية حادة ستعود إلى تحقيق النمو في غضون عامين على أقصى تقدير واصفا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي لمواجهة الأزمة ب (المناسبة). وفي مؤتمره الصحفي السنوي رد بوتين على سؤال يتعلق بخلفيات تدهور أسعار النفط قائلا (كلنا نرى تراجع أسعار النفط وهناك الكثير من الأقاويل حول الأسباب التي تقف خلف ذلك. هل هناك اتفاق بين أمريكا والسعودية لمعاقبة إيران والتأثير على الاقتصاد الروسي ربما !!). بعلامة استفهام فضل بوتين الإجابة إذا عن خلفيات الوضع الجديد الذي آلت إليه السوق النفطية معترفا في الوقت ذاته، أن الإدارة الروسية قد ارتكبت بعض الأخطاء ولم تباشر بإيجاد بدائل أخرى لإنعاش اقتصاد البلد وبقيت معتمدة بشكل كبير على المصادر النفطية فقط لتحريك الآلة الاقتصادية في البلاد. فرضية محاولة الأوبك فرض هيمنتها على السوق النفطية بالإضافة لهذه التفسيرات المختلفة الموضحة لخلفيات تراجع أسعار النفط، هناك فرضية ثالثة مفادها أنّ الأوبك ومنها السعودية تحاول الضغط على الولايات المتّحدة لتعطيل إنتاجها القادم من مصادر حديثة آخرها النفط الصخري. فمع زيادة السعودية ودول الخليج العربي لإنتاجها النفطي، أصبحت عملية استخراج النفط الصخري غير مُجدية اقتصاديا. لعل هذا ما دفع بالشركات الأمريكية والكندية إلى إيقاف إنتاجها من النفط الصخري في الوقت الراهن. وهكذا يتحقق المسعى السعودي الرامي إلى استرجاع اعتماد هذه الدول على مخزونها النفطي تماما كما اعتادت فعله في السابق قبل أن تشرع في ابتكار آليات حديثة لاستخراج النفط من باطن الأرض. ويستدل مقدمو هذا الطرح بآخر تصريح أدلى به وزير البترول السعودي النعيمي أمام نظرائه من دول الأوبك حيث قال بصريح العبارة إن (عليهم أن يكافحوا طفرة النفط الصخري في الولاياتالمتحدة)، رافضا في الوقت ذاته خفض إنتاج الخام بهدف الضغط على الأسعار وتقويض ربحية المنتجين في أمريكا الشمالية. وفي السياق ذاته أبدى رفاييل راميريز وزير الخارجية الفنزويلي تأييده للطرح السعودي مصرحا أن (النفط الصخري كارثة). و في مقال نشرته صحيفة (ذا ديزرت صن) الأمريكية The Desert sun المختصة بأخبار البترول، تطرق الخبير الاقتصادي الأمريكي مايكل سنايدر Michael Snyder إلى مسألة تدهور أسعار النفط موضحا أنها مفتعلة من قبل المملكة العربية السعودية لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة أولها منع الولاياتالمتحدة من الهيمنة على سوق النفط. ويرى الكاتب الأمريكي أن السعودية قد نجحت في ذلك بعد أن تمكنت من إقناع أغلب الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك بأن طفرة النفط الصخري بالولاياتالمتحدةالأمريكية تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل سوق النفط العالمي. وأوضح سنايدر أنه في حال قيام الأوبك بخفض إنتاجها فهذا يعني أن المنظمة ستمنح فرصة ذهبية لشركات النفط الصخري لرفع إنتاجها ما سيؤدي لا محالة إلى خفض حصة الأوبك في سوق النفط العالمي. لهذا السبب ربما وافقت معظم الدول الأعضاء في الأوبك على قرار السعودية بمواصلة رفع الإنتاج إلى حدود ال30 مليون برميل يوميا. موافقة لم تحظ بتأييد واسع من قبل العديد من الدول الأقل ثراء في الأوبك من بينها فنزويلا، الجزائروإيران. هذه الدول لم تكتف فقط برفض قرار السعودية وإنما دعت إلى ضرورة خفض الانتاج للتصدي لانهيار أسعار النفط الذي لا يخدم مصالحها الاقتصادية. ومع هذا رضخت هذه الدول في النهاية لمطالب السعودية رغم تخوفاتها الكبيرة من الوضع الحالي الذي آلت إليه السوق النفطية. يأتي هذا بعد اجتماع منظمة الأوبك الأخير الذي جرى في فيينا في ال27 نوفمبر 2014 حيث انتهى بموافقة أغلب الدول الأعضاء على استمرار رفع الإنتاج إلى حدود ال30 مليون برميل يوميا. وبهذا تكون المملكة العربية السعودية قد نجحت في تحقيق مساعيها. هذا ما أكده الكاتب الأمريكي سنايدر حيث قال إن (المملكة قد أوضحت للعالم أجمع أنها تستطيع بما لديها من احتياطي نقدي يوشك أن يقارب تريليون دولار الصمود أمام هذا الانخفاض التاريخي لأسعار النفط بينما لن تستطيع شركات النفط الصخري الأمريكية الصمود كثيرا أمام هذا الانخفاض الذي سيضطرها إلى الحد من نشاطاتها). الجدير بالذكر أن أسعار النفط قبل أن تعرف انهيارا في الآونة الأخيرة كانت مرتفعة وتدور حول 100 دولار للبرميل وهذا ما أدى إلى قيام العديد من الدول من بينها أمريكا وكندا إلى البحث عن مصادر طاقوية أخرى ما جعلها تلجأ إلى تقنيات حديثة لاستخراج النفط من أعماق الأرض من خلال الاعتماد على النفط الصخري. وقد أدت هذه التقنية الجديدة إلى ضخ حوالي 4 ملايين برميل إضافي من النفط إلى الأسواق. تحليل منطقي لعل هذا ما جعل وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعى يفسر سبب انهيار أسعار النفط بالإنتاج (غير المسئول) من قبل بلدان منتجة غير أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وقد أدلى المزروعي بهذا التصريح أمام منتدى للطاقة المنعقد في أبوظبى يوم ال21 ديسمبر الجاري. ومع تراجع الطلب على النفط من الاقتصادات الكبرى لا سيما في ألمانيا والصين واليابان أصبح هناك تراكم في الإنتاج النفطي ما عجل من عملية انخفاض الأسعار. بهذه المعطيات فسر الكثير من الخبراء والمحللين سبب انهيار أسعار النفط من بينهم الكاتب والمحلل السياسي نهاد اسماعيل الذي أكد لنا أن (الأساسيات خلف انهيار الأسعار هو وجود كميات كبيرة من النفط في السوق لأن السعر المنخفض يشجع على شراء المزيد وخزن المزيد خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة ضف إلى ذلك تراجع الطلب العالمي بشكل عام وتصاعد المخزون الإستراتيجي ودخول السوق مصادر حديثة خارج نطاق أوبك كالنفط الصخري). وعن المتضررين من هذا الوضع يقول نهاد إسماعيل (إن انخفاض الأسعار سيؤثر سلبا على دول الخليج المنتجة للنفط وبشكل أكبر على الشركات التي تنتج النفط من الرمال والصخور الزيتية حيث تكلفتها باهظة جدا). ومن أكبر المتضررين من هذا الانهيار في الأسعار يذكر المحلل السياسي نهاد إسماعيل روسيا ففي اعتباره (سيتضرر الاقتصاد الروسي بشكل رئيسي لأن خسارتها اليومية تزيد عن 350 مليون دولار وستحتمل ذلك شهرا أو شهرين لكن لا تستطيع أن تتحمل أسعارا منخفضة جدا لأعوام أخرى. وستتآكل قيمة الروبل بحيث يصبح لا قيمة له وهذا قد يؤدي إلى ثورة أو حرب). وعن مستقبل السوق النفطية يضيف نهاد (إن التوقعات تشير إلى هبوط أكثر للأسعار على المدى القصير وستتصاعد أثناء عام 2015 خاصة إذا ازداد الطلب واتفق أعضاء أوبك على تخفيض مدروس في الإنتاج). قد يبدو هذا التحليل منطقيا بعض الشيء وقد تعرف الأسعار في المستقبل القريب استقرارا يُرضي جميع الدول المنتجة للنفط خاصة المتضررة منها بشدة كروسياوإيران وبعض الدول غير الثرية والتي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط لتحريك الآلة الاقتصادية كالجزائروفنزويلا. وبما أن الجميع يلقي باللائمة على الدول الغير أعضاء في الأوبك باعتبارها السبب الرئيس في إغراق السوق بمنتجات النفط الصخري فهل ستوقف هذه الدول نشاطها لتتعافى السوق النفطية من جديد منطقيا لا نتوقع أن تتخلى هذه الدول كالولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا عن شركاتها المستخرجة للنفط الصخري بعدما أنفقت الملايير من أجل تشييدها اللهم إن تدخلت عوامل اضطرارية غير متوقعة تسببت في الحد من نشاطها. من المعروف أن ودائع النفط الصخري تُستنزف بشكل أسرع بكثير على عكس النفط الخام. وفي بحث تحليلي شامل عن الإنتاج الصخري الأمريكي قام به دافيد هيوجز David Hughes، الخبير الكندي في جغرافيا النفط، خلص البحث إلى تراجع حجم إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة بشكل كبير ما جعل شركات النفط الصخري تفكر في ضرورة الحفر أعمق حتى تستطيع الإبقاء على معدلاتها الإنتاجية لكن ما يجعلها تتردد في ذلك هو التكلفة المالية الكبيرة التي تتطلبها هذه العملية. فالحفر أعمق يعني إنفاق أكثر ما يؤدي إلى خسارة في الأرباح. وعليه لم تكن النتائج النهائية للبحث الذي قام به الخبير الكندي إيجابية بخصوص استخراج الولاياتالمتحدة للنفط الصخري. فمن نتائج البحث التي خلص إليها هيوجز، انخفاض متوسط معدلات الإنتاج من السبعة أحواض الرئيسية للصخر الزيتي على مدى ثلاث سنوات الأولى بنسبة رهيبة. ويُفهم من هذا أن ما يعادل نصف مستخرجات النفط قد تحققت خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر البئر بينما أربعة من السبعة أحواض الأخرى متراجعة من حيث قدراتها الإنتاجية. هذا ما أدى بهيوجز إلى القول صراحة: (إذا كان مستقبل الولاياتالمتحدة من النفط والغاز الطبيعي يعتمد على الموارد في ودائع الصخر الزيتي العميق في البلاد...فنحن في خيبة أمل كبيرة). في الحقيقة لا يمكن أن نتصور أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تعتمد فقط على منتجات الصخر الزيتي لإنعاش اقتصادها. فمواردها الإنتاجية المتنوعة وتكنولوجيتها المتطورة قد مكنتها على المدى البعيد من تحقيق نمو اقتصادي قوي وفعال يمكنها من التصدي لأي أزمة اقتصادية عالمية مفترضة. ومع هذا، وفي اعتقادنا، لا يمكن التكهن بشكل دقيق بما قد سيحدث من تطورات فعلية على الساحة الدولية تغير مجرى سوق النفط العالمية بل ستظل السوق غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات. وعلى كل، لن يتعافى الاقتصاد العالمي من الأزمة المزمنة التي يمر بها في الوقت الراهن، إلا إذا ازداد الطلب على البترول ما سيسمح بارتفاع الأسعار من جديد.