الجدير بالذكر أن أسعار النفط قبل أن تعرف انهيارا في الآونة الأخيرة كانت مرتفعة وتدور حول 100 دولار للبرميل وهذا ما أدى إلى قيام العديد من الدول من بينها أمريكا وكندا إلى البحث عن مصادر طاقوية أخرى ما جعلها تلجأ إلى تقنيات حديثة لاستخراج النفط من أعماق الارض من خلال الاعتماد على النفط الصخري . وقد أدت هذه التقنية الجديدة إلى ضخ حوالي 4 ملايين برميل إضافي من النفط إلى الأسواق. لعل هذا ما جعل وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعى يفسر سبب انهيار أسعار النفط بالإنتاج "غير المسئول" من قبل بلدان منتجة غير أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وقد أدلى المزروعي بهذا التصريح أمام منتدى للطاقة المنعقد في أبوظبى يوم ال21 ديسمبر الجاري .10 ومع تراجع الطلب على النفط من الاقتصادات الكبرى لا سيما في ألمانيا والصين واليابان أصبح هناك تراكم في الانتاج النفطي ما عجل من عملية انخفاض الأسعار. بهذه المعطيات فسر الكثير من الخبراء والمحللين سبب انهيار أسعار النفط من بينهم الكاتب والمحلل السياسي نهاد اسماعيل الذي أكد لنا أن "الأساسيات خلف انهيار الأسعار هووجود كميات كبيرة من النفط في السوق لأن السعر المنخفض يشجع على شراء المزيد وخزن المزيد خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة ضف إلى ذلك تراجع الطلب العالمي بشكل عام وتصاعد المخزون الإستراتيجي ودخول السوق مصادر حديثة خارج نطاق أوبك كالنفط الصخري."11وعن المتضررين من هذا الوضع يقول نهاد إسماعيل " إن انخفاض الأسعار سيؤثر سلبا على دول الخليج المنتجة للنفط وبشكل أكبر على الشركات التي تنتج النفط من الرمال والصخور الزيتية حيث تكلفتها باهظة جدا." ومن أكبر المتضررين من هذا الانهيار في الأسعار يذكر المحلل السياسي نهاد إسماعيل روسيا ففي اعتباره "سيتضرر الاقتصاد الروسي بشكل رئيسي لأن خسارتها اليومية تزيد عن 350 مليون دولار وستحتمل ذلك شهرا أوشهرين لكن لا تستطيع أن تتحمل أسعارا منخفضة جدا لأعوام أخرى. وستتآكل قيمة الروبل بحيث يصبح لا قيمة له وهذا قد يؤدي إلى ثورة أوحرب". وعن مستقبل السوق النفطية يضيف نهاد "إن التوقعات تشير إلى هبوط أكثر للأسعار على المدى القصير وستتصاعد أثناء عام 2015 خاصة إذا ازداد الطلب واتفق أعضاء أوبك على تخفيض مدروس في الإنتاج". قد يبدو هذا التحليل منطقيا بعض الشيء وقد تعرف الأسعار في المستقبل القريب استقرارا يُرضي جميع الدول المنتجة للنفط خاصة المتضررة منها بشدة كروسيا وإيران وبعض الدول غير الثرية والتي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط لتحريك الآلة الاقتصادية كالجزائر وفنزويلا. وبما أن الجميع يلقي باللائمة على الدول الغير أعضاء في الأوبك باعتبارها السبب الرئيس في إغراق السوق بمنتجات النفط الصخري فهل ستوقف هذه الدول نشاطها لتتعافى السوق النفطية من جديد منطقيا لا نتوقع أن تتخلى هذه الدول كالولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا عن شركاتها المستخرجة للنفط الصخري بعدما أنفقت الملايير من أجل تشييدها اللهم إن تدخلت عوامل اضطرارية غير متوقعة تسببت في الحد من نشاطها. من المعروف أن ودائع النفط الصخري تُستنزف بشكل أسرع بكثير على عكس النفط الخام. وفي بحث تحليلي شامل عن الإنتاج الصخري الأمريكي قام به دافيد هيوجز David Hughes ، الخبير الكندي في جغرافيا النفط، خلص البحث إلى تراجع حجم إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة بشكل كبير ما جعل شركات النفط الصخري تفكر في ضرورة الحفر أعمق حتى تستطيع الإبقاء على معدلاتها الإنتاجية لكن ما يجعلها تتردد في ذلك هوالتكلفة المالية الكبيرة التي تتطلبها هذه العملية . فالحفر أعمق يعني إنفاق أكثر ما يؤذي إلى خسارة في الأرباح. وعليه لم تكن النتائج النهائية للبحث الذي قام به الخبير الكندي إيجابية بخصوص استخراج الولاياتالمتحدة للنفط الصخري. فمن نتائج البحث التي خلص إليها هيوجز، انخفاض متوسط معدلات الإنتاج من السبعة أحواض الرئيسية للصخر الزيتي على مدى ثلاث سنوات الأولى بنسبة رهيبة. ويُفهم من هذا أن ما يعادل نصف مستخرجات النفط قد تحققت خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر البئر بينما أربعة من السبعة أحواض الأخرى متراجعة من حيث قدراتها الإنتاجية. هذا ما أدى بهيوجز إلى القول صراحة:Çإذا كان مستقبل الولاياتالمتحدة من النفط والغاز الطبيعي يعتمد على الموارد في ودائع الصخر الزيتي العميق في البلاد ...فنحن في خيبة أمل كبيرة". في الحقيقة لا يمكن أن نتصور أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تعتمد فقط على منتجات الصخر الزيتي لإنعاش اقتصادها . فمواردها الإنتاجية المتنوعة وتكنولوجيتها المتطورة قد مكنتها على المدى البعيد من تحقيق نمواقتصادي قوي وفعال يمكنها من التصدي لأي أزمة اقتصادية عالمية مفترضة. ومع هذا، وفي اعتقادنا، لا يمكن التكهن بشكل دقيق بما قد سيحدث من تطورات فعلية على الساحة الدولية تغير مجرى سوق النفط العالمية بل ستظل السوق غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات. وعلى كل، لن يتعافى الاقتصاد العالمي من الأزمة المزمنة التي يمر بها في الوقت الراهن، إلا إذا ازداد الطلب على البترول ما سيسمح بارتفاع الأسعار من جديد. المصادر 1 David Gardner: "End western deference to saudi petrodollars" /financial times 07/08/2014 2 Daniel.J : "oil prices land blow to OPEC,EIA says" /Reuters, 17 12 2014 3 وكالة الأنباء السعودية /18 ديسمبر2014 4 وكالة الأنباء الإيرانية /18 ديسمبر2014 5 وكالة الأنباء الأمريكية/17 ديسمبر2014 6 Russia puts losses from sanctions, cheaper oil /Reuters, 24 novembre 2014 /18 ديسمبر 2014Ria Novosti, 7 وكالة الأنباء الروسية 8 وكالة الأنباء السعودية /18ديسمبر 2014 9 Michael Snyder: "Saudis assert oil dominance" /The desert sun ,6/12/2014 10 وكالة الأنباء الإماراتية/20 ديسمبر 2014 11 اتصال مباشر مع الكاتب والمحلل السياسي نهاد إسماعيل الجزائر 20/ديسمبر/2014 12 David Hughes: Drilling Deeper,a reality check on U.S government forecastsfor a lasting tight oil &chale gas ,report, 27 oct 2014