هل حرية التعبير مطلقة أم مقيدة؟ عاد الحديث عن حرية التعبير بعد اغتيال صحافيين من شارلي إيبدو من طرف إرهابيين وبعد إعادة نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام. فهناك من يتمسك بأن حرية التعبير مطلقة لا حدود لها، وهناك من يرى ضرورة تقييدها في بعض الحالات. إن حرية التعبير في الولاياتالمتحدةالأمريكية مطلقة بمقتضى التعديل الأول للدستور الأمريكي، إذ لا يمكن لأية سلطة أن تضع قيودا لهذه الحرية ولا يمكن التشريع في هذا المجال. ولكن الصحافي الأمريكي المحترف هو الذي وضع قيودا لنفسه وخطوطا حمراء لا يتجاوزها لكون الحرية مسؤولية. وهذا ينطبق على بريطانيا. أما فرنسا، فإنها ترى أن حرية التعبير بكل الوسائل مطلقة ولكنها قيدتها بقوانين في ما يخص المعاداة للسامية أو مراجعة كل ما يتعلق بالمحرقة النازية. أما الإسلاموفوبيا والإساءة للرسل والأديان، فتعتبرها من حرية التعبير. لا شيء يبرر القتل ولا شيء يبرر الإرهاب. وعلى كل إنسان أن يندّد بجرائم القتل مهما كان سببها، وبالإرهاب مهما كانت الضحية. بعد نشر العدد الخاص لشارلي إيبدو وقعت مسيرات سلمية منددة في بلدان، ومسيرات وقعت فيها أعمال عنف في بلدان أخرى، ومنها حرق الكنائس ردا على القيام بأعمال تخريبية وتدنيسية للمساجد في فرنسا. إذا كنا كمسلمين نرفض الخلط بين الإسلام والإرهاب، وإذا كنا ننادي بأن الإسلام لا علاقة له بالأعمال الإجرامية في فرنسا وغيرها من البلدان، فينبغي أن نقول كذلك أنه لا علاقة للمسيحية بنشر ما نشرته شارلي إيبدو ولا علاقة للديانة اليهودية بالجرائم التي ترتكبها دولة إسرائيل في فلسطين، بدليل أن البابا يندّد بالإساءة للأديان وأن عددا كبيرا من اليهود يتظاهرون في إسرائيل نفسها ضد الحرب في غزة. إن أي عمل إرهابي في الدول الغربية خاصة وفي جميع المناطق عامة سيؤدي حتما إلى الإضرار بالجالية المسلمة عن طريق وضع قوانين خاصة تقيد حرياتها وتخلق العداوة بينها وبين غيرها من مواطني هذه الدول. ولعلّ الإجراءات المتخذة من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كوضع أشخاص في غوانتانامو وأبو غريب وفي معتقلات في الدول العربية والإسلامية نفسها دون محاكمة وممارسة التعذيب تنفيذا لقانون وتعليمات جورج بوش الإبن The Patriot Act لدليل على ذلك. إذا أردنا أن ندافع عن مصالحنا وكرامتنا وأمننا، فلا بد أن نستعين بالعقل والذكاء والقانون الدولي. فالمادة 19 الفقرة 2 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية تنص على: (لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها). والفقرة 3 تنص على: (تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة . وتنص المادة 20 من نفس المعاهدة على: تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف . إن الإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام يمكن أن تؤدي إلى تهديد النظام العام ونشر الكراهية الدينية، مما قد يؤدي إلى حروب. ومن ثم، فعلى الدول الإسلامية أن تقوم بمبادرات سياسية ودبلوماسية، خاصة في الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي، للتوصل إلى تجريم الإساءة للأديان والرسل، قصد المحافظة على النظام العام وتجنب الكراهية وتشجيع الحوار بين الأديان والحضارات، لأن الكراهية تؤدي إلى حروب والحروب تؤدي إلى تهديد السلم العالمي. وإن استمرت هذه الوضعية دون إيجاد حلول للفعل ورد الفعل، سنعرّض المسلمين للخطر. وعلى الدول ألا تتساهل في معاملة الإرهاب والإرهابيين بالوسائل القانونية. وعلينا كمسلمين أن ندرك أننا ضحايا الإرهاب بالدرجة الأولى ولعل ما حدث في الجزائر يُغنينا عن الإطالة في الشرح.