ما يعانيه المتشردون يثير شفقة الكل بسبب الأوضاع المزرية التي يمرون بها عبر الشوارع في هذه الفترة بالذات التي تشهد بردا وصقيعا وأمطارا غزيرة وثلوجا لم يحتملها حتى من هم في البيوت فما بالنا الأناس الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، بحيث ظهروا بمظهرهم البائس وهم تحت الأقواس وبالأرصفة حفاة عراة منهم مجانين ومشردون وأشخاص آخرون رمت بهم الظروف المستعصية إلى الشوارع. بحيث يحتار المار عبر الشوارع من تواجد هؤلاء في وضعية مزرية في ظل الغياب الكلي لدور مراكز الإسعاف الاجتماعي أمام المعاناة الرهيبة التي يتكبدها من جعلوا الشوارع مأواهم، وما زاد من تأزم الوضع هي التعليمات الفوقية الصادرة بمنع الأفعال التطوعية الموجهة لتلك الفئات المحرومة لتي كانت الجمعيات الخيرية تنظمها بين الفينة والأخرى وتتمثل في توزيع الأطباق الساخنة على المشردين لسد رمقهم، وكانت تلك الخطوة جبارة للأخذ بأيدي هؤلاء، إذ نراهم وهم يتلهفون على أطباق الحساء الساخن الذي يشربونه بالعلب ولا يسعهم الوقت حتى إلى استعمال الملاعق كباقي البشر من شدة الجوع. تقربنا من بعض هؤلاء لمعايشة الوضعية الصعبة التي يتجرعونها عبر الشوارع في فصل شتاء غاضب فوقفنا على حالات يندى لها الجبين، شيوخ تجاوزوا العقد السادس يمرون بوضعية صعبة فلا مأكل ولا مشرب ولا ملبس يقيهم من صقيع البرد مما أدى إلى إصابتهم بأمراض شتوية حادة من دون أن ننسى تأثرهم بغياب المساعدات الإنسانية التي كانت تطلقها الجمعيات بين الفينة والأخرى والتي كانت تفك غبنهم وتضمن لهم عشاء ليلة باردة تتضور فيها أمعاؤهم من شدة الجوع. قالت السيدة حليمة التي تعاني من مشاكل أدت بها إلى الخروج من المنزل وافتراش الأرصفة. إنها تتذوق الأمرين فهي من شارع إلى آخر وتحتمي عادة بالأقبية والأقواس والكارتون. وأضافت أن الفصول الباردة لا تمر بالسهل على فئتهم ويمرون بأصعب الأحوال، ولا تنجيهم من ذلك إلا بعض صدقات المحسنين الذين يزورونهم ويقدمون لهم بعض الملابس والأغطية وأحيانا يزودونهم بوجبات العشاء، لتختم بالقول لولا قنوطي من المشاكل التي كنت أتخبط فيها مع زوجي وضرتي لما خرجت إلى الشارع، فإما الشارع أو الجنون ففضلت الشارع خصوصا أنني لا أملك في هذه الدنيا لا ابنا ولا ابنة يساعدوني في كربتي، ولا أملك إلا رحمة الله بي ورحمة عباده الذين لا يتوانون عن إسداء المساعدة لنا بما أوتوا من قوة وأجرهم على الله تعالى. أما أحد الكهول الذي تحكي ملامحه الحزينة معاناته فقال إنه فرّ من ولاية أخرى تحفّظ عن ذكر اسمها إلى العاصمة هروبا من بعض الضغوطات التي كان يعاني منها مع العائلة ووجد نفسه بين أحضان الشوارع التي لا ترحم، فهو يعاني من قساوة الطبيعة على جسده الهزيل شتاء، وعادة ما تظهر عليه معالم المرض من سعال وزكام من شدة البرد، يتنهد ويقول (ما يحس بالجمرة غير اللي كواتو). فهل فعلا ساد هذا المنطق في مجتمعنا أم لازالت هناك قلوب رحيمة تقف مع إخوانها الضعفاء في وقت الشدة، وبالفعل هؤلاء يعيشون أحلك أيامهم في أيام شتوية غاضبة ويستغيثون لانتشالهم من الشوارع فهل من مستجيب؟