تزداد معاناة المشردين والمختلين عقليا في الجزائر مع تعاقب الفصول وإن كان فصل الصيف أرحم بالنسبة إليهم بطبيعته الهادئة، فبحلول فصل الشتاء تتضاعف مأساتهم خاصة مع البرد وغزارة المطر ويجدون الحل في الأقواس التي تكون سبب المشاجرات فيما بينهم بغية الحصول على مساحة من أجل الجلوس أو النوم بها، ففصل الشتاء هو فصل صعب بالنسبة إليهم خاصة وأن الالتفاتات التي يحظون بها لا تتعدى توزيع وجبات ساخنة بين الفينة والأخرى. لازالت شوارع الجزائر تضم المئات من المشردين والمختلين عقليا بحيث بتنا نصادفهم في كل بقعة خاصة وأن منهم من يتميزون بطباع عدوانية ألحقت العديد من الأضرار بالمواطنين في كم من مرة، بحيث يتجرعون الأمرين على مستوى الأرصفة وبقارعة الطرقات وتحرقهم أشعة الشمس صيفا ويتجمدون بالبرودة المنخفضة شتاء، والحل الذي يجده بعضهم هو الفرار تحت الأقواس أو حتى الأقبية فهي بالنسبة إليهم فنادق ذات خمس نجوم، بحيث يمكثون بها بعد تجميع أفرشتهم البالية، وتكون محل تدافع فيما بينهم بحيث يفترشون الأرض ويلتحفون أسقف تلك الأقواس ولا تنفعهم سوى تبرعات البعض الذين يسارعون إلى تسليمهم بعض البطانيات التي تقيهم من البرد والتي على الرغم من مضاعفتها لا تقاوم درجة البرودة العالية التي تنخفض إلى أقصاها في الليل والصباح الباكر، بحيث كم من مشرد عجز عن مقاومتها ولفظ أنفاسه ليترك جثة هامدة على قارعة الطريق. ويستاء الكل من حال هؤلاء الذين عجزت بعض السلطات المكلفة عن انتشالهم من بؤر البؤس والضياع، وإلى جانب الأقواس كانت الأقبية ومحطات النقل مآلهم في فصل الشتاء بحيث يذهبون في رحلة البحث عن مكان يقيهم من البلل ومن صقيع البرد وطبيعة الشتاء الغاضبة. ينتشرون بجل الأقواس المنتشرة عبر العاصمة على غرار ساحة الشهداء، باب الوادي، أقواس1ماي، بلكور.... وتعتبر تلك الأقواس مقر إقامتهم طيلة الشتاء، بحيث يصطفون هناك جماعات جماعات وكأنهم يبينون اتحادهم لمجابهة المظاهر الطبيعية الهوجاء ليصنعون ديكورا يشوه الجزائرالبيضاء، يجسده هؤلاء بملابسهم الرثة وأفرشتهم البالية وبطانياتهم الرثة. في جولة لنا عبر بعض المواقع قابلنا منظرهم البائس هنا وهناك وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويناجون من خلال نظراتهم وحالتهم البائسة أهل الخير لإنقاذهم من الموت بصقيع البرد، بحيث انتشروا بالأقواس، بمداخل العمارات، عبر محطات النقل محتمين بأطرها الزجاجية، وإن سهل عليهم مجابهة أغلب الفصول استعصى عليهم ذلك في الشتاء خاصة وأن حالتهم المزرية لا تتوافق مع غضب طبيعة الفصل وقره وصقيعه.