"بؤساء" يستغيثون لانتشالهم من الشوارع يتجرع مرارة الحياة الصعبة الآلاف من المشردين على مستوى الشوارع والأرصفة والأقواس في الجزائر، بحيث تتنوع مآسيهم مع تنوع الفصول، فبعد الحرارة اللافحة للأجساد صيفا نجدهم في مواجهة صقيع البرد في فصل الشتاء وطبيعته الغاضبة التي تنهك قواهم وتجعلهم عرضة للأمراض المستعصية التي قد تلحق إلى الفتك بحياتهم. نسيمة خباجة بحيث تزداد حالتهم سوءا على سوء عبر الشوارع من دون أن تنتشلهم أيادٍ رحيمة، بحيث يرسلون نظرات بملامحهم البائسة التي تنتظر الفرج في القريب العاجل إلا أنه لا حياة لمن تنادي بحيث وحّدتهم تلك الأقواس بعد أن جمعتهم الظروف الحياتية الصعبة لاسيما وأن المشردين ليسوا بمختلين بل رمت بهم الظروف القاسية والأقدار إلى هنالك، بحيث أن عقول بعضهم توزن بالذهب وتحمل الكثير من المحن والحكايات التي تتزعزع إليها المشاعر وتهد الجبال. ولا يحظون إلا ببعض الالتفاتات الطيبة من طرف الجمعيات وناس الخير كما يقال الذين يمسحون دمعة بأسهم بين الفينة والأخرى، لكن وبعد معاشرة هؤلاء لساعات يهمون بالعودة إلى مآلهم بعد إشباع بطونهم بأطباق الحساء الساخنة ويسارعون خطواتهم إلى الأرصفة والأسواق وهم محملون بأمتعتهم، ففعلا منظرهم يجلب الأسف والحسرة، ولا ننفي أنهم صورة مشوهة للشوارع مع احتراماتنا لجنسهم البشري، فلا يُخيّل أن يهان المرء بتلك الصفة في الجزائر ودولتنا تسهر على بناء دور الإسعاف الاجتماعي ودور للعجزة وحتى مصحات عقلية إلا أننا نجد طرقاتنا وهي مليئة بفئة المختلين عقليا كفئة ليست في منأى عن المعاناة المريرة بحيث تتضاعف مأساتهم هم الآخرون عبر الطرقات وعادة ما يكونوا عرضة لحوادث المرور والموت في أبشع الصور، ناهيك عن مظاهرهم الفاضحة وهم حفاة عراة عبر الشوارع حتى تخجل عين المرء من رؤيتهم وتتحسر على حالهم هم الآخرون. وفي جولة لنا عبر بعض شوارع العاصمة قابلنا منظرهم البائس من مختلف الشرائح العمرية نساء، أطفال، شبان، كهول، عجائز، وشيوخ، فحياة التشرد لم ترحم ولا فئة وضمّت الكثيرين في غياهب ظلماتها التي اكتست بسواد الألم والوجع في كل وقت وحين، بحيث تراموا بين أعمدة الأقواس وكان منهم من يغط في النوم، ومنهم من يجمع شراشف فراشه الرث المبعثر ويحاول لمّه بمحاذاة جدران الشوارع التي باتت مستقرهم بدون عنوان أو شهادة تثبت إقامتهم بها وتمنحهم حقوقهم البشرية التي هضمت وللأسف على مستوى الشوارع، فلا سقف بيت يحميهم ولا حياة مستقرة، وذئاب الشوارع تتربص بهم من كل جانب وفي كل مكان ولم ترحمهم ولم ترحم حالهم. اقتربنا من بعضهم لرصد أمانيهم في العام الجديد على الرغم من أنهم فئة منسية طول العام إلا أننا أبينا إلا إيصال صرخاتهم كونهم عقلاء والآفات الاجتماعية التي يتخبطون فيها هي من رمت بهم إلى ذلك المصير المحتوم. أحدهم شاب في العشرين التقيناه بشارع عميروش الذي تحوّلت أقواسه إلى إقامة ليلية لفئاتهم قال إن المشاكل مع أسرته هي من أوصلته إلى الشارع وكانت أحلامه مبنية على عودة المياه إلى مجاريها ورجوعه إلى أحضان أسرته، فالشارع لا يرحم حسب تعبيره، وقال إنه يفكر في العودة إلى أسرته كونه اشتاق إلى صدر أمه الحنون. أما شابة أخرى بأقواس ساحة الشهداء فقالت إن زوجة أبيها هي من ألقت بها إلى ذلك المصير المحتوم بعد أن مات أبوها وسطت على كامل ثروته، وحتى أقاربها لم تجدهم في كتفها على حد قولها، وكان مصيرها الشارع وكانت أمنيتها أن تجد من يسترها في الحلال لاسيما وأنها لم تألف حياة الشوارع وتفر إلى الأقبية في كل ليلة هروبا من الوحوش التي تتربص بها هناك. أما كهل آخر فقال إن المشاكل الأسرية هي من دفعته إلى الشارع مرغما فلا أبناءه ولا زوجته حاولوا فهمه وظل يعاني في صمت إلى أن وجد نفسه عبر الأرصفة بعد أن ضاقت به السبل وكانت أمنيته أن تتحسن الأحوال وتهدأ الأمور ليعود إلى أحضان أسرته في العام الجديد. أما جموع أخرى من المشردين فكانت آمالهم الوفود بهم إلى مراكز الحماية الاجتماعية وضمان حقوقهم بها ومكوثهم الدائم على مستواها كونهم ملوا من حياة البؤس والضياع على مستوى الطرقات والأقواس التي باتت العنوان الأول لإقامتهم الأبدية ومنها إلى الثرى كما عبر بعضهم في ظل بقاء مراكز الإسعاف الاجتماعي مكتوفة الأيدي وهي تتفرج على حياة العذاب للمشردين عبر الأرصفة.