بقلم: محمد قروش (الوضع الاقتصادي للجزائر أصبح يشبه وضع سفينة التيتانيك التي غرقت في المحيط نتيجة تجاهل قائدها للتنبيهات والرسائل المحذّرة من وجود جبل جليدي قد تصطدم به في أيّ لحظة) هذا التشبيه الخطير ليس من وحي الخيال، بل هو ما وصلت إليه مبادرة (نبني) الاقتصادية المنعقدة بالجزائر الأسبوع الماضي، والتي حاولت دقّ ناقوس الخطر الذي يداهم الاقتصاد الوطني في حال مواصلة سيره بهذه الوتيرة وتجاهل المعطيات الاقتصادية الدولية الحالية المتّسمة بانهيار أسعار البترول وتراجع المداخيل واختلالات الميزان التجاري التي أصبحت تهدّد توازن الاقتصاد الوطني. ليست هذه هي المرّة الأولى التي نسمع فيها مثل هذه التحذيرات المتشائمة، حيث عبّر كثير من الاقتصاديين والمحلّلين منذ بداية انهيار أسعار البترول عن هذه التوقّعات، معتبرين أنه في حال عدم اِتّخاذ قرارات جوهرية تمسّ آليات الاقتصاد الوطني المعتمد أساسا على الريع النفطي وتواصل سياسة الإنفاق الحالية فإن الجزائر ستتعرّض لهزّات عميقة قد تؤدّي إلى خلخلة الاقتصاد وإحداث أزمات عميقة قد تؤدّي إلى التأثير على البُنى الاجتماعية والاقتصادية والمالية في البلاد. ولعلّ أكبر المتشائمين ما يزالون مطمئنّين إلى أن الوقت لم يفت بعد لانتهاج سياسات إصلاحية للاقتصاد الوطني تقوم على إعادة النّظر في الميكانيزمات الحالية القائمة على سياسة الإنفاق المموّل حصريا من مداخيل النفط ومحاولة خفض النفقات وكبح التبذير وترشيد الاستهلاك، والأهمّ من ذلك البحث عن بدائل إنتاجية وتصديرية على المدى المتوسّط للحدّ من الاعتماد المطلق على المحروقات، وهو ما سيساعد على اِجتياز مرحلة تراجع أسعار النفط وعدم استقرار الأسواق العالمية. من جهة أخرى، ينادي كثير من الخبراء بضرورة خلق تحالفات جديدة خارج منظمة (الأوبيك) من أجل الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحمايته، خاصّة في ضوء اِنهيار التوافق القديم الذي كانت تقوم عليه المنظّمة بسبب كثير من العوامل الجيو-استراتيجية التي أصبح يسعى إليها كثير من أعضاء المنظّمة المتحكّمين في السوق النفطية مثل السعودية ودول الخليج، والتي أصبحت تتعارض مع أهداف كثير من الدول الأعضاء ومن بينها الجزائر، وهو ما يعرّض اقتصاديات الدول الأخرى للخطر ويجعلها رهينة مساومات خطيرة. تأتي هذه المؤشّرات كلّها لتأكيد ضرورة الخروج من دائرة الاعتماد على النفط الذي لم يعد خاضعا لسياسة العرض والطلب، بل لعوامل سياسية أخرى، والبحث عن آليات جديدة لتطوير الاقتصاد الوطني بدعم وتحسين الإنتاج الوطني عن طريق تنويع الاستثمارات الفلاحية والصناعية والتجارية وتقليص الاستيراد ومضاعفة التصدير خارج المحروقات وفتح أسواق جديدة للمنتجات الجزائرية والقضاء على التهريب والفساد المالي ومحاربة الآفات التي تنخر الاقتصاد الوطني، وحينها يتمّ إنقاذ سفينة الجزائر من الغرق.