لعل اسعد خبر يستقبله أي زوجين هو خبر انتظارهما لمولود جديد، وهو خبر لا تقتصر بشراه وبهجته على الوالدين فحسب وإنما يشمل العائلة جميعها، حتى ليشعر كل فرد من أفراد العائلتين، أن الأمر يخصه دون شك، ولذلك فإنهم جميعا قد يشتركون في تتبع أخبار الحمل، والتحضير لاستقبال هذا الوافد الجديد على العائلة، خاصة إن كان أول مولود، تحظى به، وعليه فإنهم يحيطون الحامل بكثير من الرعاية والاهتمام، وتصبح طلباتها أوامر تنفذ في الحال دون نقاش، خوفا على الجنين، ورغبة في أن يتمتع قبل ميلاده بصحة جيدة. غير أن ما قد يصطدم له الكثيرون، ويقفون أحيانا حائرين بين تنفيذه أو تجاهله، هو رغبة الأم الجديدة في تناول بعض الأشياء الغريبة، والتي لا يمكن تصورها، بل وقد تعافها النفس البشرية السوية، ويبرر ذلك الظاهرة المعروفة محليا ب"الوحم" التي تدفع المرأة الحامل إلى طلب واشتهاء أشياء لا تخطر على بال، وان كانت بعضهن قد تطلب مثلا نوعا من الفواكه في غير موسمه، وأخريات يشترطن مأكولات شرقية أو غربية أو تقليدية يتطلب تحضيرها وقتا وجهدا، فان أخريات لا يضعن أية شروط تعجيزية، ولكن طلباتهن قد تعد للأشخاص الأصحاء المحيطين بهن، نوعا من الخيال أو الجنون دون شك، لأنها مأكولات غير مألوفة وغريبة كطلبهن تناول التراب أو الطين أو الصابون، أو البلاستيك أو الفحم أو أصابع الطباشير وفي مواقف اقل ضرراً يصبح تناول الثلج من الثلاجة مباشرة، أكثر ما يفضلنه. هذا بالإضافة إلى مص قشور الليمون والبرتقال بمتعة كبيرة، ولا يقدر أي كان على منعن من ذلك، أو محاولة إبداء اعتراضه، بل إن الجميع قد يكتفي بمشاهدة هذه الحامل، وهي تتناول تلك الأشياء بنفسية مفتوحة، فيما تبدأ لديهم أعراض الغثيان، ويخشى الكثيرون انه إن منع الحامل من تناول الأشياء التي تطلبها فان في ذلك تأثيرا سيئا ومباشرا في الجنين الذي يتأثر بذلك، وتظهر علامات الوحم على جزء من جسده أو وجهه وهو ما قد لا يرغب فيه لا الأب ولا الأم ولا بقية أفراد الأسرة، فيما هو معروف في المجتمع الجزائري ب"الوحمة"، والغريب أن الدراسات التي أجريت في هذا الشأن قالت إن هذه المواد قد لا تشكل خطورة على الحامل ولكنها قد تسبب بعض المصاعب في امتصاص الطعام وهضمه، دون أن يتوصل أي كان إلى الحل النهائي لهذا الظاهرة، وهو ما يضع السيدات الحوامل في مواقف محرجة أحيانا وطريفة، ولكنها قد تكون مؤلمة أحيانا أخرى إن لم يجدن التفهم المناسب لحالتهن، خصوصا وان البعض قد يتهمهن بالدلال الزائد، واستغلال حملهن لفرض طلباتهن أو أوامرهن على الآخرين وكسب المزيد من الاهتمام والرعاية والتعاطف وغيرها من الاتهامات الباطلة الأخرى، رغم أن التفسير العلمي الوحيد لكافة الاضطرابات المتعلقة بالوحم عند المرأة هو أن هذا الأخير، نوع من التغيير الهرموني في جسم المرأة يؤثر على كافة وظائف الجسم فتصبح المرأة في هذه المرحلة أكثر ميلا لتناول نوع معين من الأطعمة خاصة ذات الطعم الجيِّد كما تبدي رغبة وميولاً غريبة تدفعها إلى التهام بعض المواد غير المستحبة وهي ميول حتمية لما يحدث من تغيرات هرمونية داخل الجسم ينجم عنها نوعٌ من الاكتئاب والتقلب في المزاج والكثير من المشاعر المتناقضة من بينها الخوف من الحمل ذاته والولادة في وقت لاحق، وهو ما يتطلب من الآخرين وخاصة الزوج إحاطة المرأة بكثير من الرعاية والحب والاهتمام.