مزاح... خداع ومقالب فكاهية الأستاذ طايبي: هي ثقافة غريبة عن مجتمعنا الضحك والترويح عن النفس ضرورة لا بد منها لاستمرار الحياة لذلك هناك بعض الأيام من السنة يستغلها الناس لإحداث المقالب لبعضهم البعض، ولعل أبرز هذه الأيام يوم الفاتح من أفريل المعروف عند العام والخاص بكذبة أفريل أو سمكة أفريل الذي يجعله الكثيرون فرصة للمزاح، إلا أن هناك بعض الأشخاص الذين يتعدى مزاحهم في هذا اليوم حدوده المعقولة.
عتيقة مغوفل أن القصة الشائعة عن أكذوبة أفريل تقول إنها بدأت عندما غير الملك شارل التاسع سنة 1564 الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، الذي كان يمتد من 21 مارس إلى غاية الفاتح من أفريل وجعل رأس السنة الجديدة أول جانفي، إلا أن هناك بعض الناس الذين بقوا يتبادلون الهدايا في التاريخ القديم من أجل المزاح وأطلق عليهم فيما بعد بضحايا كذبة أفريل، ومن أجل معرفة كيف ينظر الجزائريون إلى سمكة أفريل قمنا بالتجوال في بعض شوارع العاصمة أين التقينا ببعض المواطنين على اختلاف أعمارهم وسألناهم ماذا تعني أكذوبة أفريل بالنسبة لهم؟ وما هو نوع المزاح الذي يختارونه في مثل هذا اليوم بالذات.
يصدم بخبر الخيانة أول من التقته (أخبار اليوم) كان رضا شاب يبلغ عمره 21 عاما طالب جامعي، سألناه عما يعرف عن كذبة أفريل، فأجابنا أنه يستغل هذا اليوم من كل سنة من أجل الإيقاع بأصدقائه في المقالب الطريفة حسبه، فمثلا السنة الماضية أوقع صديقه سفيان في مقلب شرير على حد تعبيره لأنه قام بالكذب عليه كذبة بيضاء فقد أخبره أنه شاهد خطيبته مع شاب آخر تتجول معه في الجامعة التي يدرسون بها بن يوسف بن خدة بالجزائر العاصمة، إلا أن سفيان ثار غضبا مما سمعه وهو الأمر الذي دفع به للاتصال بخطيبته التي أخبرته أنها في المنزل ولكنه لم يصدقها فقام باستئجار سيارة كلوندستان من حي الموز الذي يقطن فيه إلى غاية زرالدة مكان إقامتها، حتى يداهمها أن كانت فعلا في المنزل أولا لأنه لم يصدقها وبقي الشك يراوده، إلا أنه وحين وصوله إلى المنزل وجدها نائمة مستمتعة بقيلولة ما بعد الظهر، وحين عاد في المساء إلى حيه وجد صديقه رضا ينتظره حتى يضحك عليه وهو الأمر الذي دفع بسفيان لمخاصمته مدى العمر لأنه أحدث به مقلبا تافها شكك به في شرف خطيبته وكاد أن يوقع بينهما ويفسد العلاقة التي كانت بينهما من أجل سمكة أفريل. اختارت حادث السيارة كمزحة في حين السيدة (فتيحة) تعرضت لمقلب كان أشد وقعا وتأثيرا من المقلب الذي أحدثه رضا بصديقه سفيان، فقد اتصلت الآنسة زكية ابنة شقيقتها بها هاتفيا وقالت لها: (اركضي إلى المدرسة ياسين ابنك دهسته سيارة عند خروجه)، وهو الأمر الذي دفع بالسيدة(فتيحة)للخروج من المنزل مهرولة دون أن ترتدي حتى حجابها من أجل التحقق من المعلومة، وحين بدأت تركض في الحي باتجاه المدرسة لمحت ابنها ياسين قادما رفقة أبناء الجيران يمشي ويلعب مع أقرانه، فأجهشت بالبكاء حين رأته وأخذته إلى المنزل وفي نهاية الأسبوع ذهبت السيدة (فتيحة) لزيارة والدتها والتقت هناك بشقيقتها رفقة أبنائها من ضمنهم (زكية) التي انفجرت ضحكا بمجرد مقابلة خالتها، ففهمت السيدة فتيحة أن ابنة شقيقتها هي المتصلة في ذلك اليوم الملعون وصاحبة الكذبة المشئومة، ومن شدة غضبها عليها صفعتها أمام الجميع وأقسمت أن لا تكلمها مدى الحياة لأنها فولت الشر لابنها وكادت أن تفقدها صوابها بسبب كذبة تافهة.
خطبة وهمية أما السيدة (دليلة) فقد أحدثت هي الأخرى مقلبا بابنة خالتها واختارت أن تكون خطوبة ابنتها الوهمية فكرة مناسبة حتى تدعوها للغداء ولا ترفض الضيفة الدعوة، تتحدث قائلة: (في كل مرة أدعو فيها ابنة خالتي من أجل أن تأتي وتتغدى عندي تتحجج بأنها لا تملك الوقت لفعل ذلك فما كان علي إلا أن أغتنم فرصة أكذوبة أفريل حتى أوهمها بأنه يوم خطوبة ابنتي فتقبل الدعوة وتأتي للغداء في بيتي، بعد ذلك أخبرتها أنها مزحة فقط حتى تقبل دعوة غدائي، وفي اليوم الموعود جاءت ابنة خالتي إلى بيتي في كامل أناقتها من أجل استقبال أهل الخطيب فوجدتني قد حضرت لها قصعة من الكسكسي الذي تحبه ولم تجد لا خطابا ولا أي شخص آخر فاستأنست من الرواية وأصبحت حكاية ترويها للجميع). أكذوبة أفريل عادة غريبة عن مجتمعنا ومن أجل معرفة تأثير هذه الكذبة على المجتمع الجزائري ربطت(أخبار اليوم) اتصالا هاتفيا بالأستاذ (طايبي) المختص في علم الاجتماع، الذي أخبرنا بدوره أن الدعابة موجودة في كل ثقافة للمجتمعات لما فيها من ترويح عن النفس وتلطيف للجو بين الناس، ولكن قد تكون فيها المغالاة في أحيان عديدة إلى أن تصل إلى ما لا يحمد عقباه بسبب سذاجة بعض البشر، لذلك فقد اعتبرها الدكتور(طايبي) أنها ثقافة غريبة عن المجتمع الجزائري كما أنه لا يحبذها تماما لما لها من تأثير سلبي يؤثر على العلاقات الاجتماعية بين الناس بسبب دعابات تكون تافهة في الكثير من الأحيان. الكذب شرعا من مساوىء الأخلاق ومن أجل معرفة المنظور الشرعي حول كذبة أفريل ربطت (أخبار اليوم) اتصالا هاتفيا بالإمام (علي بروالي) الذي أكد بدوره أن الكذب من مساوئ الأخلاق، والتحذير منه جاء في العديد من الشرائع، ولم يأت في الشريعة الإسلامية جواز (الكذب) إلا في أمور معينة لا يترتب عليها أكل حقوق، ولا سفك دماء، ولا طعن في أعراض، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين، أو مودة بين زوجين، بالإضافة إلى ذلك لم يأت في الشريعة تخصيص يوم يجوز أن يكذب فيه المرء ويخبر بما يشاء من الأقوال، أو مما انتشر بين عامة الناس ما يسمى (كذبة أفريل) التي تبيح الكذب من غير ضابط شرعي. فيعتقد الكثيرون أن الكذب في هذا اليوم مزاحا جائزا وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في غيره من الأيام وهذا خطأ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهر، والكذب حرام سواء كان صاحبه جادا أو مازحا.