بقى الصراع في الكوت ديفوار بين المرشحين للرئاسة عالقا لأيام، ووقعت حلالها اشتباكات، خاصّة بعد التباطؤ في الإعلان عن النتائج، بين مناصري المرشحين لورون غباغبو، والحسن واتارا، قبل أن يعلن كلّ منهما نفسه فائزا، ويقيم حكومة خاصّة به، وجلس الاثنان على كرسي الرئاسة، وعينا رئيسي حكومة، وصارت البلاد برئيسين وحكومتين. وكانت البداية عندما جاءت نتائج الاقتراع لصالح المرشح المسلم حسن واتارا، ويبدو أن الرئيس الأسبق من شدّة بعده عن شعبه حسب أنّ سينجح إذا ما أقام انتخابات نزيهة، أو أنه لم يحسن تزوير الانتخابات، او زوّرها، ولكنه اخطأ، فزوّرها لصالح خصمه، فقال أنها زُوِّرت، وانه الأحق بالحكم، ولم يفكر ولو للحظة أنّ الكرسي سيكون لغيره، ولم يُقنعه بالعكس لا حالة الطوارئ بالبلد وإمكانية نشوب صراعات دامية، ولا المنظمات الدولية ولا شيء بالعدول عن رأيه. ما نستنتجه مما حدث بالكوت ديفوار أنّ البلدان الإفريقية أكثر تخلفا منا، نحن العرب، ليس لأنّ الانتخابات فيها زوِّرت، وتزوَّر باستمرار، لأنّ التزوير صار شيئا عاديا في جميع بلاد العالم الثالث، بل ما ليس عاديا أن تتمّ الانتخابات بنزاهة وألاّ تزوّر، ولكنهم متخلفون عنا في طرق التزوير. اكتشفنا من هذه الانتخابات أنّ البلدان الإفريقية، او حكامها لا بدّ أن يزُوِّروا البلدان العربية، ليستفيدوا من تكوين في كيفيات التزوير والتضليل، فلا تحدث لا صراعات ولا مطاردات من طرف المنظمات الدولية، والتي تسارع إلى مناصرة الحق عندما يتعلق الأمر ببلد ضعيف، او ليست لهم فيه مصالح، او عندما، ببساطة تكون تتوافق مصالحهم فيه مع الحق. كان بالإمكان تجنب كلّ هذا إذا تلقوا دروسا في التزوير لدى القادة العرب، والذين تخطوا تلك المراحل كلها، وصاروا يزورون بشفافية تامة، جهارا نهارا، وأمام مرأى الناس جميعا، وبحضور كاميرات التلفزيون، بل بمباركة الناس جميعا، حيث أنهم لا يزوّرون النتائج لصالحهم، بل يفعلون ذلك مع العقول التي يخدرونها والقلوب التي يميتونها. وتزييف القلوب والعقول هذا لا يتطلب أكثر من بضع سنين من الخراب والدمار، فيتحول التخدير وتزوير الدساتير تحصيل حاصل، ولا يضطروا إلى إحداث لا صراعات ولا مطاردات دولية ولا شيء. الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه لورون غباغبو الرئيس الحالي او السابق للكوت ديفوار لا يمكن أن يحدث لحاكم عربي، فتخيلوا رئيسا عربيا ينظم انتخابات ويخسر فيها! أو تخيلوا مثلا أن تصل الديمقراطية في البلدان العربية إلى درجة أن يظهر مرشح لا يوافق الحاكم، فالترشح عندنا لا يعني تعارض المرشحين فيما بينهم، بل لا بدّ أن يكون المرشحون متحالفين مع بعضهم البعض على أمر مدبر مسبقا. لست مُبالِغا إن قلت أنّ التزوير عندنا صار فنا قائما بذاته، ولهذا وجب أن نفرح ونفتخر ببلادنا العربية التي تفوقت على الجميع في هذا الميدان، ومن غيرنا تفطن لسياسة التزوير الشفاف.