من الواضح جدا أن سكان منطقة القبائل لايزالون متمسكين بعاداتهم الأصيلة، فما إن يحل الربيع حتى يحط الجميع أمتعتهم للعودة إلى أرضهم الطيبة للاستمتاع بنسيمها واغتنام فرصة زيارة مختلف الأماكن التي ترعرعوا ونشأوا فيها، على غرار بلدية تيمزريت التي تشهد توافدا كبيرا على المنطقة من طرف الزوار لاسيما في فصل الربيع. حطت أخبار اليوم رحالها هذه المرة في إحدى المناطق الجبلية وبالضبط في بلدية تيمزريت الجبلية الواقعة على الحدود الشرقية لولاية تيزي وزو، المنطقة كغيرها من المناطق الجبلية الوعرة تمتد أعاليها إلى 800 كلم على سطح البحر لها موقع خلاب، حيث تقابل جهاتها الشمالية البحر ومن الجهة الشمالية جبال أعالي جرجرة، مناخها معتدل مما يثير رغبة الزوار إليها والتمتع بنسيمها المنعش، لم نرغب بتضييع الفرصة بحيث قررنا أن نزور إحدى العائلات هناك ليعرفونا على المنطقة أكثر. عائلة سعيد وزوجتة الجوهر أحد المنتسبين إلى المنطقة رحبوا بنا عندهم واستضافونا على المائدة، الزوجة الجوهر وضعت لنا على رأس المائدة خبزا تقليديا بعشبة خضراء ملفت للانتباه سألناها حول هذا الطبق فعرفتنا به قائلة إن هذه العشبة هي عشبة ربيعية تنمو في الأماكن الرطبة هي تشبه البصل وهي من أحد فصائله نحن نسميها هنا (الببراس) ومناطق من الجزائر تطلق عليها اسم (البوصيلة)، وبالضبط هي تنمو على رفوف الوديان وتتكاثر بشكل عجيب ولها رائحة مميزة ومن عاداتنا أننا نذهب لجلب هذه العشبة ونقوم بغسلها وتنظيفها جيدا ونقطعها بشكل رقيق جدا ونرحيها حتى تطلق ماءها كما نقطع معها نبات النعناع، فالنعناع حسبها يضيف للأكلة نكهة مميزة ونأخذ بعدها كمية من الدقيق بعد أن نضيف له كمية من زيت الزيتون ونقوم بإضافة هذا الدقيق إلى العشبة ونشكل كريات من هذه العجينة ونقرصها ونقطعها قطعا ونقوم بطبخها على الفرن فوق طاجين من الطين لكي لا تفقد نكهتها، وعلى حسب ما قالته الجوهر لنا كذلك إن هذه العشبة يتهافت عليها الناس هنا فهي تعد بمثابة طبق رئيسي فوق المائدة في أيام الربيع حتى أن هناك من الناس الغرباء على المنطقة من يأتون خصيصا لنزع هذه العشبة التي وصفتها لنا بالمفيدة. فالجوهر تقول إن هذه العشبة تسهل عملية الهضم وهي مفيدة للمعدة كثيرا كما تحارب الأمراض التي تنتج عن التغير الفصلي كالزكام. الجوهر تقول إن هذه العشبة تتناولها منذ كانت صغيرة ومثل حال كل القاطنين هناك وأكدت لنا أنها لم تعان في حياتها من مرض خطير كونها تتناول الأكلات التقليدية، وأضافت لنا كذلك أنها تضيف إلى أكلها زيت الزيتون وتأكل الأعشاب الأخرى ك(القرنينة) التي قالت بأن الطبيب نصحني بتناولها بكثرة نظرا لفوائدها. والجوهر حسبها كذلك تقول إن نتيجة كثرة الأمراض الآن يعود الناس إلى نوعية الغذاء فمعظمهم يتبعون العصرنة في كل شيء حتى في الغذاء، وينسونا تقاليدهم وهذا خطير جدا لأن حسبها أن جدودها لم يعرفوا ولم يسمعوا بهذه الأمراض التي وصفتها بالمرعبة وتهدد الإنسانية، وتقول (لو كل الناس يضعون في حسبانهم التغيير في نوعية الغذاء ويعودون إلى الطبيعة لساهموا في التقليل من مثل هذه الأمراض الخطيرة). وهكذا غادرنا المنطقة التي ترك أهلها في قلوبنا حبا لهم لا ينسى، فرغم المسالك الوعرة للمنطقة إلا أن اهلها يعرفون التعايش معها بكل بساطة فهم يملكون الخبرة في الحياة جيدا يتجهون إلى البساطة في العيش للتأقلم مع الظروف رغم قساوتها، وهكذا تبقى المنطقة أنموذجا لبعث الحياة من جديد، وللحياة البسيطة بهوائها العليل وأكلها الطيب ومائها العذب وجوها اللطيف.