قامت نيجيريا بدور فاعل خلال الجلسة الختامية للدورة الثمانية والأربعين، للجنة الأممالمتحدة للسكان والتنمية والتي عقدت في نيويورك تحت عنوان: "إدماج قضايا السكان في التنمية المستدامة والأجندة التنموية لما بعد 2015م"، في الفترة من 13 إلى 17 إبريل الجاري، حيث ساهم الوفد النيجيري في إسقاط قرارات تخالف الشريعة الإسلامية، سعت عدد من الدول الغربية لتمريرها. هذا الموقف ليس غريبا على الشعب النيجيري، والذي عرف عنه حبه لدينه، وحرصه على التمسك بالإسلام والذي تجلى من خلال سعيه لتطبيق الشريعة الإسلامية مع أول فرصة أتيحت له، فما هي قصة الشعب النيجيري مع قضية الشريعة؟ وما دور المرأة النيجيرية في هذا الإطار؟ قبل الحديث عن قضية الشريعة الإسلامية في نيجيريا، نسلط الضوء على الموقف النيجيري الأخير في لجنة الأممالمتحدة للسكان والتنمية. نيجيريا تسقط وثيقة أممية تدعو لتقنين الإجهاض والشذوذ أصر الوفد النيجيري خلال الجلسة الختامية للدورة 48 للجنة السكان والتنمية على إسقاط القرارات التي تتضمن كفالة حق الشواذ أو الأقليات الجنسية في الشذوذ، وكذلك حق الإجهاض وحقوق المراهقين الجنسية. لما فيها مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، فتم تعليق الجلسة الختامية لعدة مرات؛ للضغط على الوفود لتغيير قرارها، والموافقة على الوثيقة، وكان لإصرار المجموعة الإفريقية والتي مثلها الوفد النيجيري على موقفه سبباً في إسقاط الوثيقة بكاملها. وسقوط هذه الوثيقة يقتضي عدم إدراجها في أهداف الألفية الإنمائية الجديدة (2015-2030م) التي ترعاها الأمانة العامة لهيئة الأممالمتحدة، وتلتزمها دول العالم على مستوى رؤوس الدول، ومن ثمّ مؤسسات الدول المختلفة ثقافية وصحية وتعليمية وهلم جرا. لذا كان لسقوطها في هذه الدورة تأثيرا كبيرا. وفي الجلسة الختامية التي رفعت مراراً بهدف الضغط على المشاركين؛ للخروج بالتوافق، تلا السفير عثمان ساركي رئيس بعثة نيجيريابالأممالمتحدة كلمة المجموعة الأفريقية و مما جاء فيها: جئنا بعقول متفتحة، واستعداد تام للمشاركة في المناقشات للقضايا الجوهرية المتعلقة بالنشاطات والسياسات التنموية المتعلقة بالتنمية لما بعد 2015م. توقعاتنا في المشاركة الإيجابية قوبلت بسيناريوهات وخيارات مقدمة من المنظمين، بعيدة كل البعد عن السكان والتنمية. كما أنها قضايا خلافية لا يمكن التعامل معها. نقترح في الجلسات التي يراد فيها الخروج بتوافق وانسجام، مثل اجتماعات لجنة السكان والتنمية واجتماعات لجنة حالة المرأة، أن تطرح قضايا قابلة للنقاش، وأن تراعي السكرتارية والجهات المسؤولة وضع مسودات قابلة للنقاش، ويمكن الاتفاق عليها. على وجه خاص ينبغي ألا ننحرف عن المفاهيم النسبية لحقوق الإنسان المتفق عليها عالميا، والتي توصلت لها الحكومات مع الأممالمتحدة سابقا دون ضغط أو إكراه. دعوة الأممالمتحدة ووكالاتها لأداء مهامهم بموضوعية، وتجنب طرح قضايا تهم بلدان دون أخرى. ينبغي ألا تكون الأممالمتحدة منصة للدعوة لاتجاهات وأيديولوجيات معينة، تتعارض مع المبادئ الأساسية لدول أخرى. سنركز على قضايا التنمية، والقضاء على الفقر، وتغير المناخ، وحقوق الإنسان، وكرامة الأسر، ودعم السياسات التي تدعم التنمية الوطنية. كلمة السفير النيجيري تجاوزت بلغة دبلوماسية هادئة، رفض الوثيقة إلى الإشارة إلى فساد الأممالمتحدة، واستنكار اللجوء للضغط والإكراه من قبل دول كبيرة؛ لتمرير مشاريع لا تنسجم مع عامة المجتمعات العربية والأفريقية، بل أشارت إلى إنكار تبني قضايا مرفوضة فطريا، وإحلالها محل الحاجات العالمية الحقيقية المتعلقة بالسكان والتنمية موضوع الجلسات، مع التلويح بضرورة خلو جلسات هيئات المجلس الاقتصادي والاجتماعي من مثل هذه القضايا إن أريد الخروج بتوافق. بعد هذا اضطرت رئيسة الجلسة، وهي من بلجيكا لطرح وثيقة بديلة، ومنحت الوفود عشر دقائق فقط وخيرتهم بين قبولها دون قيد أو شرط أو سقوطها. فاختارت الوفود إسقاطها. ويعد إسقاط الوثيقة المطروحة للنقاش، هو الحدث الأول من نوعه في تاريخ لجنة السكان والتنمية بالأممالمتحدة بشهادة رئيسة المؤتمر. وهو ما يؤكد مقاومة الشعوب لفرض نمط أوحد للحياة عليها، وتأتي الشعوب الإفريقية في مقدمة هذه الشعوب المقاومة خاصة الشعب النيجيري. قصة الشريعة الإسلامية في نيجيريا يشكل المسلمون أكثر من 60 بالمائة من عدد سكان نيجيريا، والبالغ أكثر من 130 مليون نسمة، ويمثل المسلمون الأغلبية المطلقة في 19 ولاية في الشمال النيجيري، من أصل 36 ولاية تتألف منها الاتحادية النيجيرية، فيما يعيشون بنسب متفاوتة في الولايات السبع عشرة الأخرى، المسلمون في نيجيريا بهذا التعداد يشكلون مخزوناً بشرياً إسلامياً كبيراً لا يمكن تجاهله في إفريقيا، يساوي في مجمله مجموع سكان المسلمين في ثلاث دول عربية بالشمال الإفريقي، أو كتلة سكانية مقاربة لتعداد المسلمين في القرن الإفريقي كله، بمجموع سكان _ وفق بيو _ يتجاوز 78 مليون نسمة. وعقب استقلال نيجيريا من الاحتلال البريطاني عام 1960م تولى إدارة البلاد عسكريون، ومع صدور القانون الفدرالي عام 1999م والذي يجيز للولايات النيجيرية إصدار قوانينها الخاصة، بدأت بعض الولايات الشمالية المسلمة تسير نحو أسلمة القوانين. وكانت ولاية زمفرة أول ولاية تعلن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مرافقها، وذلك أواخر جانفي 2000م. وتعاقب بعدها على إعلان الالتزام بالشريعة 12 ولاية شمالية، الأمر الذي أثار حفيظة جمعيات مسيحية وتنصيرية، ونشبت نزاعات دموية بين الطرفين في عدد من المدن والأرياف، سقط فيها مئات القتلى. واتخذت بعض المرجعيات المسيحية مواقف منتقدة لتطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، ومن أبرزهم البابا يوحنا بولس الثاني، كما زعم كبير أساقفة كانتربري في المملكة المتحدة جورج كاري في تصريحات له أثناء زيارته لنيجيريا عام 2001م أن تطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات الشمالية، يهدد بتقسيم البلاد بين الشمال والجنوب، وهو ما ينفيه المسلمون ويعتبرونه أحد حقوقهم، وأن التدخلات الخارجية هي التي تؤجج الخلافات. وعلى الرغم من هذه الاعتراضات، فقد حرص النيجيريون على تطبيق الشريعة الإسلامية في ولاياتهم، وفي العام 2010م احتفلت 12 ولاية بذكرى تطبيق الشريعة الإسلامية. وقال ساني يريما باكورا، الحاكم السابق لولاية زامفارا شمال غرب نيجيريا: "بالنسبة لنا..تطبيق الشريعة الإسلامية أثبت نجاحا.. وتنفيذه كان مطلبا شعبيا في ولايتي". وأضاف باكورا: "لم ندع النجاح بنسبة 100%.. لكن سيكون من السيء أن يقول أحدهم: إن التجربة فشلت"، مشيرا إلى أنه بواسطة قوانين الشريعة الإسلامية، استطاع المسؤولون في ولايته القضاء على الاحتيال والفساد. واستكمل باكورا: "أي محلل مخلص سوف يقول لك: إن مؤسسة الزكاة نجحت في خفض معدل الفقر في الولايات الإسلامية التي طبقت الشريعة الإسلامية". المرأة المسلمة النيجيرية ليست أقل من الرجل في هذا الميدان، حيث تشارك الرجل وتقف إلى جانبه، غير أن هناك العديد من العقبات التي تعترض قدرة المرأة المسلمة النيجيرية لتفعيل دورها داخل المجتمع. المرأة وتطبيق الشريعة في ظل تطبيق الشريعة بدأت الولايات النيجيرية ذات الأغلبية المسلمة، تحقق العديد من النجاحات خاصة في مجالي الأمن والتكافل، كما يقوم علماء مسلمون في شمال نيجيريا بحملة لتحسين أحوال المرأة بالبلاد، وتمكينها من الحصول على حقوقها من خلال أحكام الشريعة الإسلامية، التي أكدوا أنها توفر حماية للمرأة أكبر مما توفره الممارسات التقليدية. ويقول __إبراهيم نايا ساداصص مدير مركز الدراسات القانونية الإسلامية في جامعة __أحمدو بيلوصص بولاية __زارياصص النيجيرية: "من المؤكد أن الشريعة الإسلامية تحمي حقوق المرأة بصورة أفضل من نظمنا التقليدية". وأوضح قائلا: "الشريعة الإسلامية تشتمل على مجموعة مبادئ متماسكة للعدل الاجتماعي، يمكنها أن تدخل تحسينا على وضع النساء لو تم تطبيقها بشكل صحيحص". ويرأس سادا فريقا من القضاة والعلماء ومتخصصي علم الاجتماع من المسلمين، يشكل قاعدة لحملة التوعية التي تهدف إلى منح المرأة حقوقها التي كفلتها لها الشريعة. ويعمل هذا الفريق على توسيع قاعدته من أجل توسيع نطاق الحملة.