يصدر المعنيون في العراق، تقديرات متفاوتة حول حجم الخسائر الاقتصادية التي تحملها، ولا يزال، الشعب العراقي، منذ ابتلع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مساحة شاسعة تتجاوز 40 بالمائة من إجمالي مساحة البلاد، علي مدار عام ونصف. لكن ثمة ركائز وفواصل مشتركة بين تقديرات المسؤولين، لعل أهمها أنها جميعاً (تفوق الخيال)، وفق تصريحات مسؤول حكومي. وقال مصدر مسؤول في وزارة المالية العراقية، إن الدولة قد تحتاج إلى حدود 70 مليار دولار على الأقل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل المعارك التي دخلتها البلاد مع تنظيم داعش. وحسب المسؤول ، فإن أكبر الخسائر التي خلفها داعش في العراق، تتركز في البنى التحتية. وأشار إلى وجود 218 جسراً تم تدميرها، خلال العام والنصف الماضي، ما بين جسور على أنهار الفرات ودجلة أو جسور تربط المدن، أو جسور على الطرق السريعة. وقدم المصدر بيانات تُظهر تدمير 14 نفقاً مرورياً، ونحو 300 كم من شبكتي سكك الحديد في غرب وشمال العراق، إضافة إلى 870 مبنى حكومياً، ما بين مبانٍ خدمية وأخرى سيادية أو تنفيذية كمقرات الحكم في المحافظات والمدن ومراكز الشرطة ودوائر البلدية والضريبة، فضلاً عن عشرات المباني التابعة للبنوك والمصارف و543 مشروعاً صناعياً مملوكاً للحكومة أو للقطاع الخاص. وحسب المصدر، فإن استمرار الخسائر، في ظل سيطرة داعش على شبكات مهمة للطاقة والنفط والمياه والصرف والاتصالات والطرق الداخلية، يصيب العراقيين بالإحباط. وأضاف "أن (داعش) دمر آخر ما تبقى من معالم الدولة الحضارية في العراق في المناطق الشمالية والغربية وجزء من الوسط". وقدر المسؤول أن الدولة قد تحتاج إلى حدود 70 مليار دولار على الأقل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل المعارك التي دخلتها البلاد مع تنظيم داعش. وقال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي العراقي، ضرغام محمد علي، "إن العراق خسر، خلال العام ونصف العام الماضي قرابة 35 مليار دولار؛ بسبب الحرب الشرسة التي يشنها ضد مسلحي التنظيم من أجل تحرير البلاد". واستطرد علي، أن الرقم سالف الذكر هو أدنى التقديرات، إذ لا يشمل تكلفة تقديم الخدمات وبناء البنية التحتية لاستيعاب اللاجئين، أو تكلفة إعادة بناء الأصول المادية المهدمة. وأشار محمد علي إلى أن متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي انخفض بنحو 25 بالمائة مقارنة بالمستوى الذي كان يمكن أن يبلغه لو لم تنشب الحرب. وبلغ إجمالي الدخل القومي للعراق في عام 2013 نحو 499 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي. فيما قدر المستشار في وزارة التخطيط العراقية، محمد حميد الموسوي، أن البلاد تكبدت نحو 43 مليار دولار منذ سيطرة داعش على الموصل (شمال العراق)، صيف العام الماضي 2014 وحتى الآن. وأوضح أن تقديراته تشمل خسائر الاقتصاد المباشرة فقط بما فيها، الجسور والأنفاق وشبكات النفط والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي والمياه والطرق السريعة والمباني الحكومية، فضلاً عن عشرات الآلاف من المنازل والمتاجر والمجمعات السكنية التي دُمرت. وقال: "43 مليار دولار. هذا أقل رقم يمكن توقعه بشأن خسائرنا الاقتصادية منذ ظهور داعش محتلا للأراضي العراقية". عمليات سرقة وسلب بالجملة وقالت عضو اللجنة المالية البرلمانية، ماجدة التميمي، "إن الرؤية الاقتصادية للبلد يشوبها الضبابية والغموض بعد احتلال داعش، فالحكومة لا تعرف حجم الأموال التي سُلبت أو حجم الآثار التي نُهبت من المتاحف وتم بيعها". وأضافت أن تنظيم داعش عمد إلى تخريب الاقتصاد العراقي بكل أشكاله، وذلك عبر تدمير عدد كبير من الطرق والجسور الاستراتيجية المهمة، والعشرات من المشاريع الخدمية المتمثلة بشبكات الصرف الصحي ومحطات الطاقة الكهربائية والمنشآت النفطية وغيرها من المؤسسات التابعة للحكومة. وأوضح التميمي أن العراق الذي يعاني في الوقت الحالي أزمة مالية واقتصادية حادة قد تطول لسنوات عدة، يواجه عائقين مهمين أولهما، صعوبة تسديد القروض التي تسلمها من أكثر من جهة دولية لشراء أسلحة تساعده في حربه ضد التنظيم، بينما يتمثل العائق الثاني في صعوبة إعادة إعمار المناطق السكنية والبنى التحتية التي دمرها داعش. وتوقعت البرلمانية أن يُعلن العراق إفلاسه، قريباً، في حال عدم قدرة الحكومة على سداد القروض. وقال الخبير الاقتصادي وعضو مجلس النواب العراقي، مهدي الحافظ، إن سيطرة داعش على بعض حقول النفط والمصارف الموجودة في المنطقة الشمالية، قد أثر سلباً في الاقتصاد العراقي. ويرى حافظ أن أهم الحلول لوقف هذا التدهور الاقتصادي هو استعادة الأراضي التي احتلها تنظيم داعش، موضحاً، أن على اقتصاديي العراق وضع خطة للحكومة المركزية بشأن وتيرة النمو الاقتصادي خلال ال 25 عاماً القادمة، ليكون للبلاد رؤية استراتيجية تستهدف تجاوز الدمار الذي حل بسبب الحرب. وقال نائب رئيس جمعية الاقتصاديين العراقيين، باسم جميل أنطوان، إن ثمة مشاكل أخرى كان يعاني منها الاقتصاد العراقي قبل دخول داعش، ساهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الخسائر. ومن ذلك، تأخر إقرار الموازنة وعدم تنفيذ المشروعات والخطط الاستثمارية التي تُقرها الحكومة في الموازنة العامة سنويّاً. وقال أنطوان إن نسبة الفقر التي لم تكن تتعدى 19 بالمائة من إجمالي السكان، قفزت خلال العام ونصف الماضي إلى أكثر من 30 بالمائة بعد سيطرة داعش على بعض المحافظات، وما ترتب على ذلك من نزوح أكثر من 1.8 مليون شخص. وقدّر أعداد العاطلين في البلاد بحدود 4 ملايين شخص.