الأَنَاةُ هي التصرف الحكيم بين العجلة والتباطؤ، وهي من الخصال التي يحبها الله عز وجل ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (التَّأَنِّي من الله، والعَجَلةُ من الشيطان) رواه الطبراني وحسنه الألباني، وعن زارع بن عامر بن عبد القيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له: (إنَّ فيك خَلَّتَيْن يُحِبُّهُما الله: الحِلْم، والأناة، قال: يا رسول الله! أنا أَتَخَلَّقُ بهما أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟، قال: بَلِ اللهُ جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جَبَلَنِي على خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهما الله ورسوله) رواه أبو داود وصححه الألباني. والعجلة وعدم التأني في الأقوال والأفعال يؤدِّي إلى كثير من الأضرار والمفاسد، وعدم تحصيلنا لما نريد من خير، لذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات الآية: 6). قال الشوكاني في فتح القدير: (قرأ الجمهور {فَتَبَيَّنُوا} من التبين، وهو التأمل، وقرأ حمزة والكسائي: {فتَثبَّتوا}، والمراد من التبيّن التعرّف والتفحّص، ومن التثبّت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ويربي أصحابه رضوان الله عليهم على الأناة والتثبت، والأمثلة الدالة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، ومنها: الدعاء ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم العجول في الدعاء، وعدّ ذلك من أسباب عدم الإجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجل، يقول: دعوت فلم يُسْتَجَب لي) رواه البخاري، وعن فضَالَة بن عُبَيْد رضي الله عنه قال: (دخل رجلٌ فصلى، فقال: اللهم ! اغفرْ لي وارحمْني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجِلْتَ أيها المصلِّي!، إذا صليتَ فقعدتَ، فاحمَدِ اللهَ بما هو أهلُه، وصَلِّ عليَّ، ثم ادْعُهُ، قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحَمِدَ اللهَ، وصلى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أيها المصلِّي ! ادْعُ تُجَبْ) رواه الترمذي وصححه الألباني. المشي إلى الصلاة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركْتُمْ فصلُّوا، وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري. القضاء من وسائل تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على الأناة وعدم العجلة وصيته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه قاضيا إلى اليمن، فعن علي رضي الله عنه قال: (بَعثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمنِ قاضيًا، فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ! ترسِلُني وأَنا حديثُ (صغير) السِّنِّ، ولا عِلمَ لي بالقضاء، فقال: إنَّ اللَّهَ سيَهْدي قلبَك، ويثبِّتُ لسانَك، فإذا جلس بينَ يديكَ الخصمان، فلا تَقضينَّ حتَّى تسمَعَ منَ الآخر، كما سمِعتَ منَ الأوَّل، فإنَّهُ أحرى أن يتبيَّنَ لك القضاء) رواه أبو داود وحسنه الألباني. القتال لعظم أمر الأناة والتبين أمر الله بها حتى في جهاد الكفار الذي هو من أعظم وسائل الدعوة إلى الله تعالى، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}(النساء الآية: 94). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالأناة والتثبت قبل القتال، ومن ذلك أنه كان يأمر أمير سَرِيَّته أن يتمهل ويدعو عدوه قبل القتال إلى الإسلام، فعن بُرَيدَةَ رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، وادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم، أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المؤمنين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم) رواه مسلم. قد يُدْرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل