هكذا تدفع بعض المساجد ثمن تجميد التبرّعات لا مسابقات قرآنية وثقافية في رمضان! بعدما تسبّب قرار وزارة الداخلية القاضي بالتجميد المؤقّت لجمع التبرّعات عبر مساجد الجزائر في تعطيل عديد مشاريع بناء بيوت اللّه عبر الوطن، ها هي مخلّفات ذات القرار (تجهض) فعاليات دينية تعوّد عليها الجزائريون في شهر رمضان، على غرار الدورات القرآنية والمسابقات الثقافية بفعل انعدام الحوافز المادية. يبدو أن تعليمة وزارة الداخلية في عهد الطيّب بلعيز بتجميد التبرّعات في المساجد لم تساهم في شلّ أشغال بناء 5000 مسجد غير مكتمل عبر الوطن فحسب، بل كان لها ذات المفعول على بعض الفعاليات الدينية التي تعوّد الجزائريون عليها خلال شهر رمضان، على غرار الدورات القرآنية التي كانت تموّل ممّا يجود به المتبرّعون من دعم مادي شأنها شأن المسابقات الثقافية التي عكفت عدّة مساجد في الجزائر على تنظيمها خلال السنوات الماضية تزامنا مع شهر العبادة والغفران. وفي السياق، أجرت (أخبار اليوم) اتّصالات مكثّفة مع لجان مسجدية بالجزائر العاصمة وضواحيها أكّد خلالها جلّ المتدخّلين أن مساجدهم تسير نحو إلغاء المسابقات القرآنية والثقافية لهذا الموسم بفعل إمّا انعدام مصادر تمويلها كلّية أو ضعفها إلى درجة ستجعل اللّجان المسجدية في حرج كبير. وللتدقيق في الموضوع تنقّلت (أخبار اليوم) إلى عدّة مساجد بالجزائر العاصمة وضواحيها فلاحظت غيابا تامّا للملصقات الإعلانية التي عادة ما كانت توضع على مشارف الشهر الكريم لإعلام جمهور المصلّين بتنظيم مسابقات حفظ القرآن الكريم والحديث وغيرها من الفعاليات التنافسية فيما يرضي اللّه. وفجّر هذا الواقع غضب المصلّين، خصوصا وأنه يقضي على طموح بعضهم في إعمار المساجد والتنافس فيما يرضي اللّه في ظروف ملائمة قبيل حلول شهر العبادة، ومنهم من طالب المصالح المعنية بالتعجيل بإيجاد حلول أو صِيّغ بديلة لضمان المُضي في هذه العادة الحميدة. بالعودة إلى تبريرات الداخلية للقرار يستبعد بعض الملاحظين أن تكون مصالح الوزير السابق والمستشار الحالي الطيّب بلعيز قد درست عواقبه الوخيمة على المئات من مشاريع المساجد والكتاتيب التي ستتوقّف عن الإنجاز والفعاليات الدينية بحكم منع جمع الأموال دون مراعاة إيجاد حلول أو صِيّغ بديلة لضمان مواصلة التمويل، وهو ما جعلهم يناشدون الوزير الجديد نور الدين بدوي العدول عنه. يحدث هذا في وقت نجد فيه أن كثيرا من الجمعيات غير الدينية تتمتّع بحرّية كبيرة في جمع الأموال تحت غطاءات كثيرة دون أن تواجه أيّ عراقيل، بل إن كثيرا من الجمعيات تحصل على مساعدات من الدولة ومن عطاءات وهِبات متعدّدة من مؤسسات رسمية وغير رسمية مثلما تموّل فعاليات أقرب إلى (السخافة) منها إلى الثقافة ومهرجانات (الشطيح والرديح) والشعر القبيح، ما يطرح عديد علامات الاستفهام حول خلفيات قرار وزارة الداخلية. يذكر أن وزارة الداخلية في آخر تعليق لها على هذه القضية أكّدت أن الوُلاّة مجبرون مستقبلا على إرسال كلّ طلبات التبرّع إلى وزارة الداخلية قبل الإذن بجمعها بما فيها التبرّعات التي تجمع من أجل بناء المساجد، وذكرت أن الأمر يتعلّق بإخطار الوزارة وليس بتوقيف التبرّعات ولا يخصّ (جمع الأموال من قِبل المحسنين لبناء المساجد فقط وإنما كلّ التبرّعات مهما كانت طبيعتها)، فيما أوضح الوزير السابق الطيّب بلعيز أن (التعليمات لم تعطَ بصفة نهائية)، مشيرا إلى أن المعلومات المتوصّل إليها أكّدت بالأدلّة والبراهين أن (هناك أموالا طائلة تجمع من أشخاص غير مؤهّلين وتذهب إلى مصادر مجهولة غير تلك التي جمعت من أجلها).