خرجت ريف شبنان، الطالبة السعودية، من قاعة المحاضرات في إحدى الجامعات الكاثوليكية بواشنطن مسرعة إلى غرفة مجاورة فارغة لتتمكن من أداء الصلاة في فترة الراحة بين المحاضرات. وعلى الرغم من أن هذه الغرفة ليست المكان الأمثل لصلاة للمسلمين، حيث تمتلئ بتماثيل للسيد "المسيح" ومجموعة كبيرة من الصلبان الخشبية، فإن شبنان تقول إنها وبعد عامين قضتها في هذه الجامعة أصبحت هذه الأمور عادية بالنسبة لها حيث تقول "إن الله موجود في كل مكان". نموذج الطالبة "ريف" ليس فريدا من نوعه، فصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تشير في تقرير مفصل لها إلى أن هناك تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة في أعداد الطلاب المسلمين الذين يلتحقون بالجامعات الكاثوليكية، وذلك مقارنة بأي مؤسسة تعليمية أخرى في الولاياتالمتحدة، ويشكل السعوديون الغالبية العظمى من هؤلاء الطلاب. والجامعة الكاثوليكية التي تلتحق بها ريف شبنان (شمال شرقي واشنطن) شهدت أكبر زيادة في عدد الطلاب المسلمين حيث تضاعف عدد المسلمين بها من 41 طالبا عام 2006 إلى 91 طالبا الخريف الماضي، في حين انخفض عدد الطلاب الكاثوليك، بحسب الصحيفة التي لم تعط تفاصيل أكثر عن حجم هذا الانخفاض. المفضلة للمسلمين ويفضل الطلاب المسلمون الالتحاق بالكليات الكاثوليكية لأسباب عديدة من بينها الجاذبية التي تتمتع بها مباني الحرم الجامعي، وتميز طاقم التدريس والبرامج الأكاديمية التي تتناسب مع اهتماماتهم، فضلا عن الطابع الروحي لهذه الجامعات الذي يتشابه إلى حد كبير مع قيم الإسلام في كثير من الأمور مثل الفصل بين الطلاب والطالبات في السكن الجامعي، ومنع ممارسة العلاقات الجنسية قبل الزواج. كما تعتبر الصلاة والصوم من الأمور الشائعة في الجامعة وفي هذا الشأن تقول شبنان (19 عاما) التي تدرس العلوم السياسية للصحيفة: "لديهم نفس القيم التي لدينا في الدين الإسلامي، والمكان بشكل عام مكان ديني وبالتالي ممارسة الشعائر الدينية ليست أمرا مستغربا فيه". ونتيجة للتدفق الملحوظ للطلاب المسلمين على الكليات والجامعات الكاثوليكية قامت إدارات العديد من تلك الجامعات بتخصيص أماكن للصلاة واستعانت بأئمة لإعطاء دروس للطلاب المسلمين. ومن بين هذه الجامعات التي ارتفع عدد الطلاب المسلمين بها جامعة جورج تاون الكاثوليكية الشهيرة والتي تضم قاعة للصلاة ورابطة للطلاب المسلمين بالإضافة لمركز مخصص بشكل كامل للحوار بين الطلاب المسلمين والمسحيين. وفي عام 1999 استعانت الجامعة بإمام مسلم لكي يقوم بالصلاة بالطلاب وأيضا بتقديم دروس دينية. وفي هذا الصدد يؤكد المسؤولون الإداريون الكاثوليك أنهم لم يجدوا فيما يقوم به الطلاب المسلمون ما يشكل تحديا لهويتهم الدينية كما أنهم يعتقدون بوجود فوائد كثيرة لوجود طلاب من ديانات أخرى معهم. ويجد الطلاب المسلمون في الجامعات الكاثوليكية أنفسهم محاطين بكم كبير وغير مألوف بالنسبة لهم من الرموز المسيحية الكاثوليكية، فلا تكاد تخلو غرفة أو قاعة محاضرات من الصلبان وتماثيل وصور "للسيد المسيح ومريم العذراء"، وغالبا لا يبدأ الأساتذة محاضراتهم إلا بعد الثناء على المسيح، كما أن مادة اللاهوت المسيحي تعتبر مادة إلزامية لسائر الدارسين. وتقول ريف شبنان التي ترتدي الحجاب: إنها اشترت سفر العهد القديم لأنه ضمن مقرراتها الدراسية، لكنها اختارت أيضاً دراسة الدين الإسلامي لسهولته بالنسبة لها، ولأنها أرادت معرفة ردِّ فعل الطلاب من غير المسلمين الذين يدرسون معها مادة الدين الإسلامي، وتضيف: "مجرد معرفة وجهة نظر غير المسلمين عن دينك كان أمرا ممتعا". صعوبات وروحانيات غير أن إحدى سلبيات أن تكون طالبا مسلما ضمن أغلبية طلاب كاثوليك تتمثل في الطعام، حيث تقول "واشنطن بوست" إن الطلاب المسلمين يجدون صعوبة في الحصول على الأطعمة الحلال حيث تقدم الجامعة وجبات غالباً ما تحتوي على لحم الخنزير الذي تحرمه الشريعة الإسلامية. وفي الوقت الذي سمحت فيه جامعات كاثوليكية بوجود أماكن للصلاة لم تستطع بعض الجامعات تقبل فكرة تخصيص أماكن لصلاة المسلمين، لذا يضطر الكثير من الطلاب المسلمين للذهاب خلال فترات الراحة بين المحاضرات إلى غرفة خالية لأداء الصلاة أو التوجه للكنيسة الموجودة بالجامعة للصلاة فيها. ويقول الطالب الإيراني علي بصيري الذي اعتاد الصلاة في كنيسة الجامعة منذ سنوات إنه يشق طريقه داخل الكنيسة وسط الصلبان وتماثيل المسيح والعذراء ليصلي ثم يجلس على مقعد ويستمع إلى القرآن من مسجل ال"أم بي 3". ورغم مثل هذه الصعوبات التي قد تواجه الطلاب المسلمين في الجامعات الكاثوليكية فإنهم يشعرون بروحانيات عالية أثناء وجودهم في تلك الجامعات، ويقول بصيري إن وجوده في الجامعة الكاثوليكية خلال السنوات الأربع الماضية عزز إيمانه بدينه وأعطاه نضجا روحيا جديدا". ولبصيري أصدقاء مقربون من الطلاب الكاثوليك الذين يرحبون بأقرانهم من المسلمين ويؤكدون أنهم يستفيدون منهم، فيقول أحد أصدقائه ويدعى كيني وايت (20 عاما): "إنه (بصيري) يعلمني صلواته بالعربية، لقد علمني الكثير عن الله والإسلام، ولاشك أنه أثرى تجربتي الروحية وأعتبر هذا جزءا مهما بالنسبة لي في هذه المرحلة من حياتي".