يستعد السودان للحظات حاسمة في تاريخه وتحديداً في التاسع من يناير المقبل، عندما تقرر صناديق الاقتراع مصير شعب جنوب السودان باستفتاء تم الاتفاق عليه عام 2005 بما يعرف باتفاقية “نيفاشا”، التي أغلقت فوهات مدافع الحرب التي استمرت بين الشمال والجنوب. بينما تضج منابر الساسة والاقتصاديين بأرقام وحقائق حول الأزمة المنتظرة التي تواجه الشمال والجنوب معا بفقد موارد كبيرة من النفط والثروات الأخرى، وكيفية تنظيم العلاقة في حالة حدوث الانفصال. تطفو العديد من المشاهد الإنسانية التي تربط بين الشعب السوداني في الشمال أو الجنوب على السطح، ولعل أبرزها مشاهد حافلات السفر التي تقل أبناء الجنوب وسط دموع خفية تنساب على أنغام الوداع، خاصة تلك الأسر التي لا تعرف عن الجنوب شيئا وتظل ذكرياتها وآمالها ترتبط بالشمال والبعض لا يعرف أن يتحدث إلا بالعربية. أخبار غير مشجعة كل تلك المشاهد كانت حاضرة في أطراف مدينة أم درمان حيث احتشد المئات في انتظار الحافلات. إلى ذلك، تقول شول دينق، التي تنتمي لقبيلة الدينكا إحدى أكبر قبائل جنوب السودان ل"الاتحاد" الاماراتية، إنها لم تتوقع أن تغادر في يوم ما دارها الذي أشرفت على بنائه بنفسها. وأضافت أن صويحباتها من الشماليات جلبن لها بعض المتاع والملابس لأطفالها الصغار. ومن أمنيات دينق أن تحصل على منزل في مدينة "ملكال" حاضرة ولاية بحر الغزال. وبدا التأثر على ملوال تونق، الذي ذكر أن الأخبار التي تردهم من الجنوب غير مشجعة، مشيرا إلى أن مصير أبنائه الخمسة الذين يتلقون تعليمهم في الشمال باللغة العربية بات مجهولا لاسيما أن التعليم الذي ينتهج في الجنوب يعتمد على اللغات الإنجليزية والمناهج الكينية واليوغندية. ويعبر تونق عن شعوره بالخوف في حالة عدم الحصول على فرصة عمل في الجنوب، خاصة أنه يعمل في مجال البناء. وذكر أن أصدقاءه أخبروه أن معظم العمالة في الجنوب يسيطر عليها الأجانب. وفي مشهد مؤثر عانقت الحاجة بخيتة، التي تنتمي إلى قبائل الشمال، جارتها ربيكا، وتقول إنها تعتبر ربيكا أكثر من شقيقة، حيث إنها ظلت جارتها لأكثر من عشرين عاماً، كانوا خلالها كالأسرة الواحدة. وبات من المألوف، الإحساس بأن هناك جزءاً مهماً من تاريخ السودان ووجدانه ينسحب من خريطة المليون ميل مربع، خاصة عندما تقف على أعتاب مدرسة "كامبوني"، التي تعتبر ملتقى المثقفين الجنوبيين، إلى جانب الطلاب الذين يتلقون التعليم بهذه المؤسسة التي ارتبطت بأبناء جنوب السودان، حيث اختفت التجمعات والتظاهرات الفنية والثقافية. في هذا السياق، يقول آدم أبكر، بائع للكتب القديمة أمام المدرسة، إن معظم الطلاب غادروا إلى الجنوب ومن بقي ينتظر دوره في الرحيل. وأضاف أنه يفكر جديا في تبديل موقعه الحالي بعد مغادرة معظم زبائنه لينتقل هو الآخر ويقيم في الجنوب مثله مثل الآلاف الذين غادروا الشمال ليستقروا في الجنوب. ويقول اتيم قلواك إن أسرته قررت البقاء في الشمال، مضيفاً أن والده الذي يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية ربما يواجه شبح الإبعاد عن وظيفته في حالة الانفصال بعد تقارير إعلامية طالعها في صحف الخرطوم. وعلى الرغم من ذلك فإن والده يرفض الذهاب إلى الجنوب لأسباب كثيرة، ومنها أنه مرتاح في الخرطوم. وأضاف أنه يدرس في الجامعة في السنة الأخيرة، ويسعى للتخرج فيها قبل بحث قرار إمكانية العودة للجنوب. عائدون من الجنوب يشهد مطار الخرطوم حركة دؤوبة ما اضطر إدارته إلى تخصيص الصالة الخاصة بسفريات الحج والعمرة لترحيل المواطنين الجنوبيين عبر الطيران، خاصة الولاية الاستوائية وبحر الغزال. تقول سمر اجانق، التي تمثل رمزاً لارتباط الشمال والجنوب باعتبار أن والدها من الجنوب وأمها من الشمال، إنها جاءت لوداع صديقاتها اللاتي قررن الرحيل إلى الجنوب، مضيفة أنها ستظل في الشمال وتزور الجنوب من وقت لآخر في حالة الانفصال. وبينما تبدو الحركة متجهة نحو الجنوب فإن العودة كانت لها عنوان جديد لبعض الأسر التي رحلت مبكراً ولكن سرعان ما رجعت إلى الشمال. في السياق نفسه، يقول أقوير أشول إنه عانى كثيرا برفقة أطفاله في الجنوب، ولم يجد خدمات مماثلة وظل لأكثر من شهر دون مأوى، ولم يجد عملاً يكفل له العيش الكريم، فقرر العودة مجدداً إلى الخرطوم، في المقابل تنشط حكومة جنوب السودان في رفع شعارات جاذبة تدعو الجنوبيين للإسراع بمغادرة الشمال، فيما تعمل الحكومة على إرسال إشارات جاذبة حتى يمنح الناخب صوته للوحدة. وتقول سلم الأمين، باحثة اجتماعية، إن الحراك الكبير الذي يعيشه المجتمع السوداني يمثل واحداً من مخرَجات اتفاقية السلام الشامل، إلى جانب أن الشعب السوداني الذي عاش متحداً طيلة تاريخه يصعب عليه الآن اتخاذ قرار الانفصال، لافتة إلى أن هنالك الكثير من الإفرازات السلبية، حيث يذهب شعب الجنوب إلى واقع مختلف، وهنالك الكثير من المخاوف التي تجعل من عملية العودة هاجساً للعديد من الأسر، خاصة الفقيرة أو تلك التي ترعرعت في الشمال طيلة فترة الحرب الأهلية، بالإضافة إلى العديد من المصاعب التي ستواجههم، ومنها لغة التعليم، وحتى لغة التخاطب نفسها، والأوضاع الخاصة بالنسبة للمسلمين الجنوبيين في ظل ارتفاع وتيرة التعصب الديني في الجنوب. * بدا التأثر على ملوال تونق، الذي ذكر أن الأخبار التي تردهم من الجنوب غير مشجعة، مشيرا إلى أن مصير أبنائه الخمسة الذين يتلقون تعليمهم في الشمال باللغة العربية بات مجهولا لاسيما أن التعليم الذي ينتهج في الجنوب يعتمد على اللغات الإنجليزية والمناهج الكينية واليوغندية. ويعبر تونق عن شعوره بالخوف في حالة عدم الحصول على فرصة عمل في الجنوب، خاصة أنه يعمل في مجال البناء. * يقول أقوير أشول إنه عانى كثيرا برفقة أطفاله في الجنوب، ولم يجد خدمات مماثلة وظل لأكثر من شهر دون مأوى، ولم يجد عملاً يكفل له العيش الكريم، فقرر العودة مجدداً إلى الخرطوم، في المقابل تنشط حكومة جنوب السودان في رفع شعارات جاذبة تدعو الجنوبيين للإسراع بمغادرة الشمال، فيما تعمل الحكومة على إرسال إشارات جاذبة حتى يمنح الناخب صوته للوحدة.