بقلم: الشيخ قصول جلول * أيها العلماء.. أنتم من تعرفون الحق أنتم قادة هذه الأمة أنتم المؤتمنون على أبناها وبلادها أنتم ورثة الأنبياء أنتم من تبلغون عن الله وعن رسول الله أنتم من تخشون الله بشهادة الله لكم إنما يخشى الله من عباده العلماء أنتم من تؤمنون الأفكار والعقول الأمن الفكري الأمن العقلي أنتم أهل رسالة تنيرون العقول وتخرجون الناس من الظلمات إلى النور ولكن ولكن إذا كان رب البيت على الدف ضاربا ؟ ولكن كم من عالم مد العلوم حبالا لوقيعة وقطيعة وفراق ولكنهم إما أن يلبسوا الحق بالباطل أو أنهم يكتمون الحق وهو بالضبط ما نفهم (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة (42). أيها العلماء إن أهمية الفتوى الدينية في توحيد توجيه مسيرة حياة الناس إلى جادة الصواب وهي حق المواطنين على الخاصة والعلماء لا شك هم من يتحملون مسؤولية وفوضى الإفتاء وتبعات الفتوى التي شتتت أفكار الناس وعائلاتهم ويسوّقونها للعامة على أنها مشتقة من أصول الدين وأنها من قول الله ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وأن هذه الأفكار والفتاوى المتضاربة في الجرائد والمجلات والقنوات التلفزيونية فقد تسأل عن أبسط شيء فلا تجده وقد تسأل عن شارع أو عنوان فلا يوجهك أحد ولكن عندما تسأل عن الفتوى وعن الحلال والحرام فكل يقول ويفتي ويدلل ويعلل وكأنك في مجمع علمي. إن هؤلاء وهاؤلاء يتصدرون للإفتاء بدون علم والتي غالباً ماتكون فتواهم تبهم ولا تجلّي الحقيقة فيبيت حتى الحليم حيرانا ولكن المفارقة أن الإسلاميّين يستندون إلى مرجعية عقائدية في تصوراتهم فهم يعتقدون أن في هذا الظن سلوكاّ دينياً ومن حقه أن يقول ولو بغير علم لأن الإسلام هو قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم.... هي كلمة حق أريد بها باطل. أيها العلماء إن عدم خروج العلماء بفتوى موحدة تبيّن للناس الحق من الباطل ربما يقع في باب اختلاف الرأي وكأن لسان حالهم يقول إنّ في اختلاف العلماء رحمة للأمة وفي اتفاقهم وتوحيدهم عذاب ؟ أن هذا الاختلاف كان ولا زال من أهم الأسباب التي أبعدت الناس عن قبول الدين في حياتهم العملية في أسرهم ووو وقد كان هذا الشعار على الدوام هو الشعار الزائف (بل الأكذوبة) التي تم من خلالها تم تسويق وتمرير المئات (بل الآلاف) من الأكاذيب على البسطاء من أبناء المسلمين فحتى يتم لكل من يسمي نفسه عالما تسويق فكره كان لا بد أن يتسلح بهذه الفرضية الخاطئة ونحن نظن أنها خاطئة لأننا نؤمن أن ليس لله طريقان فالسبيل إلى الله هي سبيل واحدة مصداقاً لقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. يوسف (108) أيها العلماء.. حتى لاتقعوا في شرك الذين يسمّون أنفسهم بالعلماء وما هم بأكثر من مرتزقة يميلون حيث يميل هوى أنفسهم أو شيطانهم فينفّذون لهواهم ونزعاتهم وشهواتهم تحت غطاء الدين. إن جميعنا يعرف أنّ علماء المسلمين قد انقسموا إلى متضاديين في مسألة ما قد يبيح بعضهم الأمر لا بل ويشجّع عليه يجد آخرون أنّ هذه المسألة ما مخالفة واضحة للشرع وهنا يقع العامة إلى من ينتمي: إلى من يبيح.....أم إلى من يحرّم؟ والحالة هذه أين يا ترى تكمن الحقيقة؟ هل هذا هو فعلاً ديننا؟ هل أصبح من المتعذر أن نجد في شريعتنا ما يهدينا إلى جادة الصواب ويجمع شمل الأمة على كلمة سواء؟ أيها العلماء نحن على يقين أن السواد الأعظم من عامة أبناء الجزائر هم طلاب حقيقة أكثر من غيرهم فهم على استعداد كامل أن يميلوا حيث تميل الحقيقة وأنتم أدرى فقد مشى هذا الشعب وراء الإديولوجيات المختلفة وكان بسرعة يعود من حيث أتى باحثا عن الحقيقة ولكن -يا ترى- أين هي؟ هل هي مع العلماء الذين يظهرون في التلفزيون الجزائري أم مع القنوات العربية ؟ ثم كيف لي أن أميّز؟ أيها العلماء إن المسؤول عن هذا التشرذم وهذه الحيرة هم العلماء الذين غالباً ما قسّموا الناس إلى طوائف وفرق بسبب زيف فتواهم وتحقيق أهدافهم السياسية بالخصوص والمشهد السوري صورة مصغرة على الأزمة العميقة التي تعيشها الأمة الإسلامة فنحن نظن أنه لو كانت النيّة خالصة لله باحثة عن الحقيقة المطلقة مجردة عن الرغبات والأجندة الخفية لتوصلنا إلى الفتوى الصحيحة والفكرة الصحيحة والتوجيه الصحيح التي يسير بالأمة إلى بر الأمان ويجعلها في مأمن من أعدائها المتربصين بها ولكن لمّا كان الهدف هو البحث عن أدلة تؤيد رأيي وموقف فرقتي وطائفتي كان التذرع بالحجج الواهية الجانبية تقدم على أولويات الأمة بأكملها فهمّ علماء طائفة معينة غالباً ما يقدّم على همّ الأمة جمعاء ومصلحة شرذمة من الناس تسبق مصلحة الأمة كلها لا لشيْ وإنما لظنهم أنهم هم الفئة الناجية. ومن هنا ظهر المكائد والمصائد يتعلمون لا لذات العلم يتعلمون ما يفرقون به ويدافعون عن أنفسهم ألفوا في ذالك كتبا سموها تحت عناوين رهيبة أسماء حذر منها العلماء وكتب حذر منها العلماء وعلماء حذرت منهم كتب ووو. أيها العلماء إذا اعتبرنا أن المسلمين في تعدادهم أكثر من مليارين هذا عند أعداء الإسلام ولكن عندما يعد المسلمين عددهم فإن كانوا سنيين يقصون الفرق الأخرى وإن كانوا سلفيين فيبقى عدد المسلمين مئات الملايين فقط بمفهوم الإقصاء.. انقسام.. وسنبدأ من الحديث النبوي الذي غالباً ما يردده علماء المسلمين عن النبوءة في انقسام الأمة إلى بضع وسبعين شعبة كلها هالكة إلاّ واحدة ففحوى الحديث النبوي هو: انقسمت اليهود.......وانقسمت النصارى..............وستنقسم أمتي............. فمن هم الفئة التي كان عليها محمد وصحبه؟ الجواب: كل فرقة وكل حزب من أحزاب الأمة يظنون أنهم هم تلك الفئة الناجية أليس كذلك؟ ولكن -يا ترى- أين أنا وأنت منها؟ فأنا لا أنتمي لأي منها؟ هل يعني ذلك أني هالك لا محالة؟.... أين أذهب؟ إلى من أنتسب؟ لا شك أنك ذاهب إلى جهنم وبئس المصير سيرد أهل السنة ما دمت أنك لست منا وهكذا سيرد أهل التشيع ما دمت أنني لست منهم وهكذا سيرد أهل..... وأهل.... وأهل.... إذا اعتبرنا أهل السنّة مثلاً الكتلة الأكبر بين التكتلات الإسلامية ولكن لا زال هناك مشكلة: إلى أي من فرق أهل السنّة سأتبع؟ هل كلها على حق؟ إنّ هذا التوصيف لا ينطبق فقط على أهل السنّة وإنما ينطبق كذلك على أهل التشيع فإلى أي فرقة وإلى أي شيعي يجب أن أنتمي لكي ينتهي بي المطاف إلى الفرقة الناجية ؟ ومن هم الذين يملكون مفتاح الجنة ويخفونه عن غيرهم؟ سيرد الجميع قائلاً (وإن لم ينطقها صراحة): لا شك أنا هو من تبحث عنه. فنحن نتحدى أن يظن أي من هذه الفرق أنه على خطأ فمن الخطأ أن يظن البعض أن الفريق الآخر يعتقد أنه متمسك بفرقته مخطئاً فلا شك أن كل فريق وكل حزب يظن أنه الفرقة الناجية؟ فأين -يا ترى- تكمن الحقيقة؟ فعلى أقل تقدير أنا لا أعرف ولو كنت أعرف لما تأخرت لحظة واحدة عن اللحاق بذاك الركب ومن يظن أنه يعرف أسأله الله أن يدلّني. فغالباً ما سوّق أهل العلم مبدأ الحاجة إلى التمسك بالمذهب والطائفة ووصل الأمر أن ناصب بعضهم العداء بعضا فها هو عالم جليل وقور ذو عمامة بيضاء يخرج على فضائيات المسلمين ليقول إن اليهود أقل خطراً على الإسلام من أهل التشيع وها هو ذو عمامة سوداء يخرج على فضائيات الإسلام والمسلمين فلا يتردد في القول أن الجنّة لا يدخلها إلا من اتخذ علياً وليّا وها هم من يسمّون بالمعتدلين يكفرون -يا ترى- تكمن الحقيقة؟ ومن أوصل الناس إلى هذا المأزق؟ إنهم العلماء ولا أحد غير العلماء الذين فرّقوا الأمة ولم يجمعوا شملها على كلمة سواء. أيها العلماء: لقد وجّه الله المسلمين أن يبسطوا أيديهم لليهود والنصارى إلى كلمة سواء قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران (64) فإذا كانت هذه الدعوة موجّهة لغير المسلمين ألم يكن الأولى أن يوجه علماء المسلمين مثل هذه الدعوة إلى أبناء المسلمين وعلماء المسلمين على كافة فرقهم وأحزابهم؟ لم لا نلبي دعوة الله فنعود جميعاً إلى كلمة سواء بيننا؟ الجواب كلا لأن الله قد حسم الأمر في قوله تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا _ كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ المؤمنون (53) وكانت النتيجة المرعبة تتمثل في قول الحق تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا _ كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (32) الروم أليست تلك إذاً هي حال المسلمين؟ ألم نصبح كالمشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون؟ أليس في هذا نهي من الله أن نفرّق ديننا لا لشيء وإنما لظننا أننا نحن على صواب وغيرنا على خطأ؟ ولا أحد من علماء الفرق من يقول أن حزبي أو فرقتي على خطأ أو أن يحاول إيجاد الخلل في ما يتبنى من أفكار وطروحات. أيها العلماء إنكم تدركون أن للشريعة مقاصد وقد أفرد العلماء فصولاً في مؤلفاتهم وفي فقهم لموضوع مقاصد الشريعة وبكلمات بسيطة جداً فإن هذا الفرع من العلم الشرعي يبحث في ماهية التحليل والتحريم: لم يحرم هذا ويحلّ ذاك وتبيان أثر ذلك على حياة المسلم أولاً وحياة الناس كافة من بعد ذلك. حق ودين وللعامة حق ودين في أعناق العلماء أن يبينوا لهم مقاصد الشرع فيما حرم عليهم وأحل لهم فأنتم إذا تحدثتم عن ما يؤكل وما لا يؤكل كان لزاماً أن تفهمو الناس الغاية والهدف من وراء ذلك وهكذا. والخوف كل الخوف أن كثيراً من الناس ظن أن الحلال والحرام يكمن فقط في العبادات وطريقة تأديتها وفي المعاملات البسيطة ونسوا أن هذا الدين هو منهج حياة وحتمية أن يعرض كل أمر في حياة المسلم على الدين فإن أجازه الدين فله ذلك وإن منعه فعليه أن يحذر منه ويبعتد عنه فالحرام والحلال لا يقتصر على أحكام الحيض والنفاس والمسح على الخفين فقط ولكنه يخص أمور المسلمين جميعاً دون استثناء والقاعدة تقول در المفاسد أولى من جلب المصالح. إنني أظن أن من واجبي الديني والوطني أن ندعو العلماء إلى كلمة سواء بها نوحد كلمتنا ونجمع شملنا وندرأ المفاسد كالعداوة والبغضاء بين العلماء والهيئات والمؤسسات العلمية ونعمل على جلب المصالح لهذا الشعب الذي سنسأل عنه يوم القيامة ونبين له سماحة الإسلام ونعمة الإسلام ونوفر له الأمن الفكري والاطمئنان القلبي وبذلك نكون قد أحيينا يوم العلم بطريق واقعي موضوعي. والعلماء لا يختلفوا في أن شرع الله هو الفيصل في كل شيء وعندما يتبين لهم أن هذا الطريق أو ذاك هو سبيل الحق فلا شك أنهم متبعوه لا محالة وهم على استعداد على الدوام أن يميلوا إلى الحق حيثما ما كان وأن يتراجعوا عن مواقفهم إن ثبت لهم أنها غير سبيل الحق فهم يقرأون في كتاب الله قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا الأحزاب) (36) فقضاء الله لا محالة هو الحق وما دونه فهو الباطل ونحن كمسلمين لا نقبل بأقل من الحق سبيلا أليس كذلك؟ إن من اتخذ سبيل الإسلام منهاج حياة لا بد أن يمتثله في كل صغيرة وكبيرة فلا يحق لي كمسلم أن آخذ من الإسلام ما أريد وأترك ما لا أريد فهذا طريق النفاق ولا شيء غير النفاق فنحن كمسلمين نؤمن بالكتاب على كليّته إن خلاصة المراد تتمثل في الاعتقاد بأننا كمسلمين نستفيد من الدين بقدر ما يتيح لنا الدين الاستفادة ومكلفين بالواجبات بقدر ما يطلب منك هذا الدين من الواجبات ولتبسيط الأمر نقول: هل يقبل علماؤنا الأجلاء أن نقيم الصلاة ونترك الزكاة؟ فكما يطلب منك الإسلام القيام بالواجبات فهو في الوقت ذاته لا يحرمك الحقوق فالإسلام يعترف للمسلمين بحقوقهم وواجباتهم فهو لا يطلب من الناس واجبات ويحرمهم الحقوق وهو لا يعطيهم حقوقاً ما داموا لم يقوموا بواجباتهم.